عادةً ما يُساء فهم نظرية التطور إلى كونها تشرح من أين جاءت الحياة وكيف تكوّنت، إنّما هي في الحقيقة تُقدّم لنا تفسيرًا فقط عن كيفية تنوع الحياة على كوكبنا هذا.

– ماذا نقصد بالتّطور؟
هو التغيرات التراكمية التي تطرأ على الأنواع الحية والتي يُمكن ملاحظتها عبر الزمن.

تطرأ هذه التغييرات على مستوى الحمض النووي للكائنات الحية؛ أي على مستوى المورثات “كالطفرات الوراثية والتحوّرات من تنشيط/تثبيط عمل مورثة معينة أو عدة مورثات وحتى دمج مورثة أو أكثر معًا”.

وتحدث هذه الطفرات والتحوّرات خلال فترات تكاثر الأنواع وتنتقل من جيل إلى آخر.

الغاية من هذه الطفرات ليست واحدة، فمنها ما يُساهم في حماية النّوع من الانقراض بالأوبئة، أو تساعده أكثر على التّأقلُم مع بيئته، والكثير غيرها. وتختفي مع الوقت الأفراد غير القادرة على التّأقلُم مع البيئة والتكاثر لتمرير صفاتها، وهذه العملية الحيوية تُدعى بالاصطفاء الطبيعي.

– كيف يلعب التّكاثر دورًا في عملية التّطور؟
التكاثر هو عملية حيوية يحدث فيها دمج نصف الحمض النووي لفردين من نفس النوع؛ لإعطاء فرد جديد يحمل حمضًا نوويًا جديدًا كاملًا، هذا النوع من التكاثر وبالرغم من أنّه يُمرّر الصفات الوراثية الخاصة بالنوع، فإنّه يفسح المجال للكثير من الطفرات والتحوّرات المفيدة أو الضارة أنْ تظهر على الكائن الحي الناتج.

-إذًا فالتّطور ومُصطلح البقاء للأقوى وجهان لحقيقةٍ واحدة!
لا. لا تُوجد عبارة (البقاء للأقوى) علميًّا إنّما هي البقاء للأصلح والأكثر تأقْلمًا مع بيئته، فالتّطور ومُصطلح البقاء للأصلح غير مُتماثلين.

البقاء للأصلح هو الوجه الآخر لعمليّة الاصطفاء الطبيعي التي تُعتبر مُحرك عملية التطور، فالأفراد الجديدة الأكثر تأقلمًا مع بيئتها، هي الأفراد التي تحمل الطفرات الجديدة، وتندثر باقي الأفراد الحاملة للحمض النووي غير القادر على التّأقلم مع البيئة.

– حسنًا. إذًا نستنتج من ذلك أنّ نظرية التّطور قادرةٌ على تفسير التركيب المُعقّد للكائنات الحية ونقصد بالأخص البشر، أليس كذلك؟
نعم، تاريخ الأجيال البشرية يعود إلى نحو 3.5 مليار سنة مضت، خضعت خلالها الأجيال للكثير من التغييرات للتّأقْلم مع بيئتها ومقاومة بعض الأوبئة أينما وُجِدت، حتى وصلنا لِشكْلنا وصفاتنا الحالية، ولدينا الكثير من الأحفوريات والآثار التي تُثبت ذلك.

– كيف يعرف العلماء عُمر الأحفوريات؟
طوّر العلماء بتقدّم العلم وأدواته الكثير من الطرق لمعرفة ذلك، عبر النظائر المُشعّة مثلًا كالكربون-14 واليورانيوم والبوتاسيوم التي تملك عُمر تحلّل مُعين داخل الكائنات الحية بعد موتها.

– إذًا فالتّطور ليس مجرد نظرية غير مُثبتة بعد!
بدايةً، إنّ طرح هذا السؤال خاطئ من أساسه، فالسؤال يجب أن يكون: هل التّطور فرضيّة غير مثبتة؟، لأن النظرية علميًّا هي تفسيرٌ لحقيقة علمية موجودة مسبقًا، وتدل عليها الكثير من الأدلة، وتخضع هذه الأدلة للكثير من التجارب العلمية والرصد حتى ترقَى من فرضية إلى نظرية.
فالنظرية علميًا ولُغويًا هي أعلى درجات اليقين.

– هل يُمكن إثبات كون النظرية العلمية خاطئة، وخاصّةً بعد اعتراف مُؤسسها تشارلز داروين Charles Darwin بنفسه أنّها نظرية فيها الكثير من الفجوات وعلامات الاستفهام؟
نعم، يمكن إثبات خطأ أيّ نظرية علمية أيًّا كانت، وذلك بتقديم نظرية أُخرى مُدعمة بأدلةٍ مُرصدة ومُجرّبة علميًّا تثبت صحّتها وخطأ النظرية القديمة.

في عهد العالم تشارلز داروين لم يكن العلم قد بلغ ما بلغ من التّطور التقني، فلم يكن حتى الحمض النووي مُكتشفًا بعد، وكان داروين يرى أنّ صفات الكائنات الحية تنتقل عبر الأجيال ولم يفهم سبب ذلك، وكان يُلاحظ التغييرات الشكلية التي تطرأ على بعض الأنواع الحيوانية المُهاجرة من مكانٍ لآخر للتّأقْلم مع بيئتها.

– ماذا عن القول الشائع أنّ الكثير من علماء الأحياء يُعارضون نظرية التّطور؟
هذا قولٌ خاطئٌ شائعٌ، فنظرية التّطور سائدة بشكلٍ كبير في كل الأوساط العلمية وتُدَرّس في معظم الجامعات حول العالم، وحتى بدأت بعض الجامعات العربية بتدريسها، منها أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر (Academy of Scientific Research and Technology, Egypt) وأكاديمية مملكة المغرب (Academy of the Kingdom of Morocco) وحتى أكاديمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية للعلوم (Academy of Sciences of the Islamic Republic of Iran) وغيرها الكثير.

ومعظم أقوال العلماء التي تعارض نظرية التّطور -حسب مُروّجيها- تكون مأخوذة من خارج سياق النص بدون إكماله وفهم المعنى الحقيقي الذي يقصده العالِم.

نذكر مثالًا على ذلك، عندما اقتُبِسَت هذه الجملة الناقصة على لسان عالم الأحياء ستيفن جاي جولد Stephen Jay Gould، والتي اعتبر مُروّجوها أنّه يُشكك بوجود ثغراتٍ غير مفهومة في النظرية: “إن وجود هذه النُّدرة الشديدة في الأشكال الانتقالية ضِمن سجل الأحافير يُعتبر سِرًّا في مهنة علم الحفريات”، بينما كان العالم جولد يشرح ويُناقش التغييرات التي تطرأ على الأنواع، هل هي تغييرات فُجائية أو تدريجية عبر الزمن، وهذا ما يُدعى علميًّا بالاتزان الحَدي أو التوازن المُتقطع، ويقول العالم جولد ردًّا على هذا الاقتباس المُجتزأ: “بالرغم من أنّ الاقتباس يبدو صحيحًا في معناه عند اجتزائه، فإنّه اجتزاءٌ غير صحيحٍ علميًّا ويُخفي هدفي الحقيقي من وراء هذا القول، وهو مناقشة مُعدل التغيرات التّطورية وليس إنكار التّطور بذاته”.

-خِتامًا، نستنتج من هذه المناقشة أنّ الكائنات الحية جميعها مرتبطة ببعضها أليس كذلك؟
نعم، ترتبط الكائنات جميعها مع بعض أفراد النوع الواحد وتعود لسلف مشترك بينها، وهذه الأسلاف تعود لفصائل أُخرى أبسط في تركيبها وتعقيدها، يُشبه الشجرة التي تتفرّع لأغصانٍ عِدّة، وندعوها بالشجرة التّطورية، شجرة النُّشوء والارتقاء، أو شجرة الحياة التي تحدثنا عنها في مقالٍ منفصلٍ سابقًا.
فالبشر والقرود يشتركان بسلف قديم انقرض في وقتنا الحالي، ومن الأخطاء الشائعة المُروَّجة؛ قَولُ أنّ الإنسان كان قردًا في السابق، فالبشر انفصلوا عن القرود منذ زمنٍ بعيدٍ جدًّا، لكن بقي النوعان يحملان صفات وراثية مُشتركة، حيث يشترك البشر مع الشامبانزي بنسبة 96% من الحمض النووي، ويشترك الإنسان مع البكتيريا ب 200 مورثة، فلا يصحُّ القول أنّ البكتيريا أو القرود هي أسلاف البشر.

nasainarabic.net