(لا تزال الطائرات التي تعمل بالطاقة الهيدروجينية في مهدها، ولكن يمكن أن تدخل الإصدارات التجارية الأولى السوقَ الأوروبية بحلول عام 2035، وفقًا لتقريرٍ جديد.)
حقوق الصورة: DLR/CC BY-3.0
اليوم، الطيران مسؤول عن 3.6% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الاتحاد الأوروبي. تَستخدم الطائرات الحديثة الكيروسين كوقودٍ، وتطلق ثاني أكسيد الكربون الضار في الغلاف الجوي، ولكن ماذا لو كانت هناك طريقة أخرى؟
أحد الحلول المُمكنة هو استخدام نَوعٍ جديد من الوقود في الطائرات التي لا تنتج انبعاثات ضارة وهو الهيدروجين.
يكتسب الهيدروجين الذي يُروَّج له منذ فترةٍ طويلةٍ كوقودٍ مستدامٍ؛ قوة جر كبيرة كإمكانية للطيران، وتُجرى بالفعل اختبارات لإثبات فعاليته.
ستُصدِر الطائرات التي تستخدم الهيدروجين الماء فقط، وتشير الاختبارات الأولية إلى أنها يمكن أن تكون بنفس سرعة الطائرات التقليدية، حيث تحمل أكثر من مئة راكبٍ لكلّ رحلةٍ على مدى آلاف الكيلومترات. قال تقريرٌ حديثٌ عن إمكانات الطيران الذي يعمل بالطاقة الهيدروجينية أن مثل هذه الطائرات يمكن أن تدخل السوق بمجرد حلول عام 2035.
لا تزال هناك تحديات كبيرة لتحقيق ذلك، ولكن إذا تم التغلب عليها؛ فإن مستقبل الطيران يُمكن أن يكون صديقًا للبيئة بشكلٍ أكبر مما هو عليه اليوم، وأن يكون مكّونًا فعالًا لعالمٍ خالٍ من الكربون.
المراوح
ستكون طائرات الهيدروجين مشابهةً من الناحية الجمالية للطائرات التقليدية، وإن كان ذلك بطولٍ أطول قليلًا.
من المرجح أن تستخدم الطائرات الأصغر مراوح، حيث توفر خلايا الوقود التي تعمل بالهيدروجين الدفع الكهربائي لتدوير المراوح؛ يمكن للطائرات الأكبر أن تحرق الهيدروجين لتشغيل المحركات النفاثة.
قال تقرير الطيران الذي يعمل بالطاقة الهيدروجينية، الذي صدر في الثاني والعشرين من يونيو/حزيران، أنه يمكن استخدام الهيدروجين بشكلٍ عمليٍّ بحلول عام 2035 لتشغيل طائرة ركابٍ تجارية على متن رحلةٍ تصل إلى 3000 كيلومتر، وبحلول عام 2040 أو ما بعده، يجب أن تكون الرحلات متوسطة المدى متاحة، والتي يصل طولها إلى 7000 كيلومتر، تاركةً فقط الرحلات طويلة المدى للطيران التقليدي.
قال الدكتور بارت بيبويك Bart Biebuyck، المدير التنفيذي لمشروع خلايا الوقود والهيدروجين المشترك، وهي شراكةٌ أوروبية بين القطاعين العام والخاص لتسريع دخول هذه التقنيات إلى السوق، والتي تشترك في تسريع عملية إدخال هذه التقنيات في سوق التجارة: “بحلول عام 2035، يجب أن تكون طائرة طيران قصيرة المدى متاحة. يعني هذا أنه يمكنك ربط جميع المدن الكبرى في أوروبا باستخدام الطائرات التي تعمل بالهيدروجين على الأراضي الأوروبية. بحلول عام 2050، فإن السيناريو الذي نطمح له هو أن 40% من أسطول (الطيران الأوروبي) سيُشَّغل بالهيدروجين”.
يعتمد الوصول إلى هذه الأهداف على عددٍ من العوامل:
أولًا وقبل كل شيء، تحتاج تقنيات تخزين الهيدروجين إلى التقدم لحمل ما يكفي من الهيدروجين السائل في الطائرات لهذه الرحلات؛ يجب ابتكار طرقٍ جديدة لنقل الهيدروجين إلى المطارات حتى يمكن تزويد الطائرات بالوقود على المدارج، وسيتعيّن إعادة تصميم التصميمات الداخلية للعمل على كيفية دمج جميع الأنظمة والأنابيب اللازمة لتشغيل الطائرات التجارية على الهيدروجين.
قال الدكتور بيبويك: “لم يتم فعل أي شيء على متن طائرةٍ كبيرة حتى الآن، سيكون ذلك تحديًا كبيرًا، وما زلنا بحاجة إلى إعداد الكثير من المعايير والقوانين واللوائح. على سبيل المثال، ما هو المطلوب لاختبار خزانات الهيدروجين للطيران؟ لا يزال الكثير من هذا البحث لم يتم”.
ومع ذلك، أُحرِزَ تقدمٌ في تطوير التكنولوجيا الأساسية للطائرات الهيدروجينية. في عام 2008، طارت بوينج: أول طائرة تعمل بالهيدروجين في العالم من مطار بالقرب من مدريد، إسبانيا، وهي مركبةٌ ذات مقعدٍ واحدٍ أثبتت أن التكنولوجيا ممكنة؛ في عام 2016، انطلقت أول طائرة هيدروجين بأربعة مقاعد، بنتها وكالة أبحاث الطيران الألماني (DLR)، وجامعة Ulm وشركة تُسمى H2FLY، من مطار Stuttgart في ألمانيا.
أربعة مكونات
تحتوي طائرات الهيدروجين بشكلٍ أساسيٍّ على أربعة مكونات رئيسية:
1. نظام تخزين لتخزين الهيدروجين السائل بأمان.
2. خلايا الوقود لتحويل الهيدروجين إلى كهرباء.
3. جهاز للتحكم في قوة الخلايا.
4. محرك لتشغيل المروحة.
ومن أجل صنع طائرات تجارية كاملة، يجب تطوير جميع هذه المجالات الأربعة بما فيه الكفاية.
في إسبانيا، يعمل مشروعٌ يُسمّى هيفن HEAVEN على دمج هذه المكونات في طائرة تجريبية. تعمل الشركة على تطوير مجموعة نقل الحركة لتشغيل المراوح بسرعةٍ عاليةٍ باستخدام الطاقة الكهربائية، إلى جانب أنظمة تخزين الهيدروجين السائلة المماثلة لتلك المستخدمة في السيارات.
قال الدكتور جوزيف كالو Dr. Josef Kallo من وكالة أبحاث الطيران الألماني وعضو في فريق HEAVEN: “سيكون هذا أول نظام لتخزين الهيدروجين السائل (للطائرات)، والذي سيوصَل بخلية وقود ومحرك كهربائي، ثم يُنقَل في اختبار للطيران”، وإضافةً إلى ذلك قال:
“بُني نظام تخزين الهيدروجين -الذي صنعته شركة إير ليكود Air Liquide الفرنسية- وسيُنتهى منه هذا العام. سيكون العام المقبل وقت الدمج لهذه المكونات. وبعد ذلك سننطلق في نهاية عام 2022”.
تعمل مجموعة نقل الحركة التي تُطوَّر بواسطة المشروع على تحويل الهيدروجين إلى عزم دوران لتشغيل المروحة. إنه فعالٌ للغاية وهادئٌ أيضًا في التشغيل، ما ينتج عنه نفس مقدار الضجيج الذي يحدثه محرك الاحتراق الداخلي في السيارة، ما يعني أن الركاب يجب أن يتمتعوا برحلةٍ ممتعةٍ وهادئةٍ.
وفقًا للدكتور كالو، فإنه بالنسبة للطائرة ذات 45 مقعدًا، ستكون طائرة المروحة التي تعمل بالهيدروجين قادرةً على الوصول إلى سرعاتٍ تصل إلى 600 كيلومتر في الساعة، وذلك مقارنة بـ 850 كيلومترًا في الساعة لطائرة بوينج 747. في حين أن التركيز في الوقت الحالي هو على المراوح، هناك أيضًا عملٌ جارٍ لتطوير توربينات تعمل بالهيدروجين، والتي تكون أكثر كفاءةً وبسرعاتٍ أعلى. أضاف دكتور كالو: “إنه خطوة (موازية) تتمثل في استخدام (الدفع من نوع التوربين) باستخدام المحركات عالية السرعة والتي تكون منخفضة الضوضاء نسبيًا”.
الطيران الصديق للبئية
يُنتَج معظم الهيدروجين في العالم اليوم عن طريق إعادة تشكيل الميثان من الغاز الطبيعي -الوقود الأحفوري- الذي ينتج ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، فإن الجهود جارية لتطوير الهيدروجين باستخدام تيار كهربائي من مصدر متجدد؛ لتحويل الماء إلى أكسجين وهيدروجين وتقليل الانبعاثات في إنتاجه. إذا كان ذلك ممكنًا، إلى جانب عدم وجود انبعاثات من الطائرات نفسها؛ يمكن أن يصبح الطيران شكلًا بيئيًّا حقًا من أشكال السفر.
قال الدكتور بيبويك: “بحلول عام، 2050 نحتاج إلى أن نصبح مجتمعًا خالٍ من الكربون، وقطاع الطيران بحاجة إلى المساهمة. بالطبع، ليس فقط الطيران هو الذي سيتعين عليه التكيّف، كلنا بحاجة للعمل معًا. ولكن لا يمكننا التغلب على تغير المناخ دون إزالة الكربون من الطيران”.
يبدو أن أوروبا تلعب دورًا رئيسيًا في هذا الأمر، حيث تقود تطوير العديد من التقنيات التي تعمل بالهيدروجين، بما في ذلك طائرات الهيدروجين. قال الدكتور كالو: “إن أوروبا متقدمة للغاية. هناك بعض المشاريع في الولايات المتحدة والصين، لكنهما لم يُظهرا مستوى التقدم الذي حققناه”.
قد يكون من الجيد جدًا أن تكون رحلتك من باريس إلى مدريد، أو من ميونيخ إلى روما على متن آلة طيران بيئيَّة نظيفة، وهي لا تنتج أي انبعاثات ولا تؤثر على تغير المناخ وهذه قد تكون لمحة مثيرة عن مستقبل خالٍ من الكربون.
قال الدكتور كالو: “إنها حقًا فرصة للتحول من الطيران المستند إلى استخدام الهيدروكربونات إلى الطيران الهيدروجيني”.
المشكلة
لكي تتمكن أوروبا من تحقيق الفوائد البيئية للهيدروجين الذي يعمل بالطاقة بشكلٍ كاملٍ، يجب زيادة إنتاج الهيدروجين النظيف -أو الأخضر- بشكلٍ كبيرٍ.
يُنتَج الهيدروجين النظيف من الماء باستخدام تيار كهربائي من مصدرٍ متجددٍ، بدلًا من الوقود الأحفوري. اليوم فقط جزء صغير من الهيدروجين المستخدم في أوروبا نظيف.
نشر الاتحاد الأوروبي (The EU) في 8 يوليو/تموز استراتيجية هيدروجينة تحدد رؤية لكيفية قيام أوروبا بزيادة إنتاج الهيدروجين النظيف وتوزيعه وتخزينه.