قبل بضعة أشهر قمت بتحديث نظام هاتفي الآيفون 6 بلس إلى الإصدار الأحدث المتوفر، وذلك لأنني لم أعد استطيع تحديث بعض البرامج لتستمر بالعمل أو للاستفادة من ميزات جديدة في تلك البرامج بعد تحديثها، أي كنتُ مضطراً لتحديث نظام الهاتف، علماً بأنني لم أقم بتحديث نظامه منذ أن حصلت عليه وذلك لعدة أسباب، منها هو عدم استهلاك ذاكرة أكثر ومخاوفي من تباطؤ الجهاز وتناقص عمر البطارية، إذ أنني سمعت من بعض الأقارب أن هواتفهم أصبحت بطيئة نوعاً ما وأنهم أصبح عليهم شحن هواتفهم أكثر من المعتاد، وعند كشفي على أجهزتهم لاحظت أنّ التحديث التلقائي كان مفعّلاً دوماً وأن إصدار النظام هو الأحدث، على عكس هاتفي أنا.

 

بعد التحديث لاحظت فعلاً تغيراً في أداء الجهاز وتناقصاً غير معتاد في عمر البطارية، وبعد البحث على الإنترنت وجدت أن الكثير من الناس يشتكون من نفس المشكلة، فقمت بالبحث أكثر عن هذا الموضوع.

 

حسب المصادر فأن شركة آبل Apple المصنعة لهواتف آيفون قد تم تغريمها بمبلغ 25 مليون يورو وذلك لتعمدها إبطاء طرازات آيفون القديمة دون توضيح ذلك للمستخدمين، وقد تم فرض الغرامة من قبل هيئة الرقابة على المنافسة والاحتيال في فرنسا.

 

لطالما اشتبه العديد من العملاء في أن أبل أبطأت أجهزة آيفون القديمة لتشجيع الأشخاص على الترقية عند إصدار جهاز جديد.

 

في عام 2017، أكدت الشركة أنها أبطأت بعض الطرازات مع تقدمها في العمر، ولكن ليس لتشجيع الناس على الترقية. وقالت إن بطاريات الليثيوم أيون في الأجهزة أصبحت أقل قدرة على تلبية متطلبات التيار القصوى، مع تقدم العمر بمرور الوقت.

 

قد يؤدي ذلك إلى إغلاق جهاز آيفون بشكل غير متوقع لحماية مكوناته الإلكترونية. لذلك، أصدرت تحديثًا لبرنامج آيفون 6 و6 إس وإس إي أدى إلى زيادة “سلاسة” أداء البطارية.

 

إذاً أيهما صحيح؟ نظريات المؤامرة التقنية التي تقول أن أبل تبطئ أجهزتها القديمة لإجبار الناس على شراء أجهزة جديدة، أم ما قالته الشركة بأنها قامت بذلك لحماية بطاريات الأجهزة القديمة ومنعها من الإغلاق المفاجئ، إذ أن تحديثات النظام التي يصبح لا مفر منها مع مرور الزمن تتطلب المزيد من قدرة معالجات وبطاريات تلك الأجهزة ما يؤدي كما قلنا إلى الإغلاق المفاجئ أو زيادة حرارة الجهاز أو ربما انفجار البطارية!

 

لست متأكداً أي من الأمرين صحيح، لكن ما أنا متأكد منه هو وجود ما يُسمى بالتقادم المخطط له “Planned Obsolescence”، وهذا المصطلح معروف بما يسمى “العمر الافتراضي” للأشياء، وهو ما تتعمده الشركات عند الإنتاج، فهي تحدد عمراً افتراضياً للمنتج يجعل المستهلك يعود إليها عند انتهاء هذا العمر سواء للصيانة أو لشراء إصدار أحدث من المنتج.

 

هذه الممارسة منتشرة بشكل كبير في مختلف القطاعات الصناعية، أحياناً تكون صريحة وواضحة وأحياناً تكون خفية، فأغلب الطابعات الصغيرة والمتوسطة الحجم على سبيل المثال تكون كلفة صيانتها تقارب كلفة شراء واحدة جديدة في حال استبدلت القطع التالفة بقطع أصلية من الشركة المنتجة أو وكلاء لها وذلك كي تعمل الطابعة بشكل مثالي مرة أخرى بدون مشاكل، والصدفة العجيبة أن أغلب تلك الطابعات تعمل دون أعطال خلال فترة الضمان وتبدأ الأعطال بعد تلك الفترة، وقس على ذلك مختلف الأجهزة الإلكترونية والكهربائية.

 

أعتقد أن أغلب الشركات تستطيع إنتاج أجهزة ذات جودة أعلى من التي تنتجها حالياً وبالتالي تبقى لفترة أطول من المعتاد، على سبيل المثال هاتف نوكيا 1100، من أكثر الهواتف التي حققت مبيعات في تاريخ الهواتف المحمولة وهو أحد الناجين من فخ التقادم المخطط، فهو هاتف ذو قدرة تحمل عالية وأعطاله كانت شبه معدومة وفي أسوء الأحوال كان مالكه يضطر لتغيير البطارية نتيجة استهلاكها، مع ذلك فهو ليس مضطراً للذهاب للشركة المصنعة او احد وكلائها لتغيير البطارية، فمن الممكن وبكل بساطة فتح غطاء البطارية بأي شي وتبديلها بواحدة جديدة. لكن إن اعتمدت الشركات على مبدأ الاستخدام المتكرر هذا، سيؤدي ذلك إلى انخفاض كبير في أرباحها السنوية. قد تقول في نفسك إن من حق تلك الشركات تحقيق الأرباح، لكن لا تنسى أن هذا يكون على حساب المستهلك.

 

من الممكن إيجاد حلول وسط لهذه المشكلة، كأن يقوم المستهلك بدفع اشتراك شهري بسيط للشركات المنتجة مقابل تخلي تلك الشركات عن الجشع في الأرباح وتقديم منتجات ذات جودة أعلى.

 

كل هذا ونحن نناقش الجانب المادي فقط، فالشركات باعتمادها اسلوب التقادم المخطط لا تضر المستهلك فحسب وإنما تضر البيئة أيضاً، هنا يجب أن نقف ونفكر جيداً بعواقب الأمر.

 

كل المنتجات التي نتوقف عن استخدامها مصيرها في النهاية مكب نفايات، والكارثة في هذه النفايات هي أن الجزء الأكبر منها يتم التخلص منها بشكل عشوائي.

 

في عام 2019 فقط تم إنتاج 53.6 مليون طن متري من النفايات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم، بزيادة قدرها 21% خلال خمس سنوات فقط، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة العالمي للمخلفات الإلكترونية لعام 2020 وما زال حجم النفايات في ازدياد سنوي مستمر.

 

صورة توضح حجم وتزايد النفايات الإلكترونية خلال 10 أعوام.

صورة توضح حجم وتزايد النفايات الإلكترونية خلال 10 أعوام.

 

يتنبأ التقرير الجديد أيضاً أن النفايات الإلكترونية العالمية ستصل إلى 74 مليون طن بحلول عام 2030 – ما يقرب من ضعفي حجم النفايات الإلكترونية في 16 عاماً فقط. هذا يجعل النفايات الإلكترونية أسرع تدفقٍ للنفايات المنزلية نمواً في العالم، ويغذيها بشكل أساسي معدلات استهلاك أعلى للمعدات الكهربائية والإلكترونية، ودورات حياة قصيرة، وخيارات قليلة للإصلاح.

 

فقط 17.4% من النفايات الإلكترونية لعام 2019 جُمعت وأُعيد تدويرها. هذا يعني أن الذهب والفضة والنحاس والبلاتين وغيرها من المواد القابلة للاسترداد عالية القيمة والتي تقدر قيمتها بشكل متحفظ بـ 57 مليار دولار أمريكي – وهو مبلغ أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لمعظم البلدان – تم إغراقها أو حرقها في الغالب بدلاً من جمعها لإعادة الاستخدام.

 

لاحظ جيداً الكلمتين “إغراقها أو حرقها”، ففي كلا الحالتين الأمر أسوء من أن نصفه بالسيئ، فالمخلفات الإلكترونية تُعتبر من المخاطر الصحية والبيئية، إذ تحتوي على إضافات سامة ومواد خطرة مثل الزئبق والتي تلحق الضرر بالدماغ البشري على سبيل المثال لا الحصر.

في عام 2019، تم إطلاق ما يُقدر بـ 98 مليون طن من الغازات المكافئة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من الثلاجات ومكيفات الهواء التي تم التخلص منها، ما ساهم بنحو 0.3% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

 

أخيراً، يجب أن نسأل أنفسنا هل يجب أن ننتظر من الشركات أو الحكومات التحرك من أجل البيئة؟

 

لا يجب أن نقف بانتظار أحد لحل مشكلة عالمية متعلقة بكل فرد يعيش على هذه الأرض ولها تأثير على الكل بدون تمييز، بل ويمتد تأثيرها في مستقبل إلى أطفالنا.

 

على الأقل، يجب أن نبدأ بتغيير سلوكياتنا لتصبح مسؤولة أكثر ونساهم بأي شيء من أجل حماية عالمنا، وألا نستهين بأي فعل مهما كان صغيراً فالتأثير التراكمي يلعب دوراً هاماً في مثل هذه القضايا.

 

 

صورة توضح التأثير التراكمي، إذا بدأنا بسنت واحد فقط وضاعفنا المبلغ كل يوم سنرى أن النتيجة النهائية تتعدى خمسة ملايين.

صورة توضح التأثير التراكمي، إذا بدأنا بسنت واحد فقط وضاعفنا المبلغ كل يوم سنرى أن النتيجة النهائية تتعدى خمسة ملايين.

nasainarabic.net