- بترا زيفيتش
- بي بي سي – الخدمة العالمية
قبل 29 دقيقة
تقترح دراسة حديثة أن العامل الذي لعب دورا كبيرا في انقراض الإنسان البدائي المعروف باسم النياندرتال قد يكون التهجين عبر تزاوجه مع الإنسان العاقل.
ومن الممكن أن تكون عملية التزاوج والتكاثر بين النوعين قد أدت إلى تراجع في أعداد النياندرتال الذين يتكاثرون في ما بينهم، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى انقراضهم، وذلك وفقا لبحث جديد نشر في مجلة Palaeo Anthropology “بالايو أنثروبولوجي”.
وتقول الدكتورة لوسيل كريت لبي بي سي “خلال فترة طويلة، كانت النظرية الرئيسية السائدة تقول إن تنافسا كبيرا على الموارد كان موجودا بين الإنسان العاقل والنياندرتال”.
لكن الدراسة الجديدة التي شاركت فيها الدكتورة كريت مع البروفيسرور كريس سترينغر الباحث الرئيسي في متحف التاريخ الطبيعي في لندن، تشير إلى أن العنف الناتج عن تلك المنافسة لم يكن هو السبب، وإنما التزاوج بين النوعين، هو الذي أدى إلى إضعاف جينات إنسان النياندرتال.
وقال البروفيسور سترينغر بعد نشر الدراسة: “نحن نرتأي أن هذا السلوك من الممكن أن يكون قد قاد إلى انقراض إنسان النياندرتال، وذلك في حال كان أفراده يتكاثرون مع الإنسان العاقل بانتظام، ما قد يكون أدى إلى تراجع أعدادهم، إلى أن اختفوا”.
ومن الممكن اليوم العثور على الحمض النووي لإنسان نياندرتال في جميع الناس الأحياء، بما في ذلك الأشخاص المنحدرين من أصول أفريقية، والذين يُعتقد أن أسلافهم لم يتصلوا بهذه المجموعة بشكل مباشر.
لقد تطور كل من إنسان النياندرتال والإنسان العاقل في مناطق مختلفة من العالم، بعد أن انفصلا وتباعدا عن بعضهما قبل حوالي 600 ألف عام.
وبينما تطور الإنسان العاقل في أفريقيا، عاش إنسان نياندرتال في أوروبا وآسيا.
وتوضح الدكتورة كريت أن “الاكتشافات الحديثة أظهرت أن الإنسان العاقل تواجد في أوروبا منذ 50 ألف أو 60 ألف عام، ما يعني أنه تواجد في أوروبا في نفس الوقت الذي عاش فيه إنسان النياندرتال لفترة أطول بكثير مما كنا سابقا نظن”.
التوالد بين الإنسان العاقل وإنسان النياندرتال
تشير الدراسة إلى أنه تم تتبع جينومات الإنسان البدائي في جينوم الإنسان العاقل، ولكن ليس العكس.
وتقول الدكتورة كريت: “يبدو أن هناك تبادلا للجينات، ولكن باتجاه واحد فقط”.
نحن على علم بأن النوعين قد تزاوجا، وإذا كنت قد ولدت خارج أفريقيا، فحوالي 2 في المئة من جينومك مشتق من إنسان النياندرتال.
لكن الدكتورة كريت والدكتور سترينغر بحثا بشكل أعمق في الأمر من خلال تحليل المعلومات المعروفة عن جينومات النياندرتال الـ 32 التي تم اكتشافها وتحديد تسلسلها حتى الآن.
ويرى العالمان أن نجاح التهجين يعتمد على الزوجين اللذين يقومان بعملية التكاثر بالتحديد.
وتقول الدكتورة كريت: “لكننا لا نعرف كيف نفسر ذلك. قد يكون ذلك بسبب البيانات المتاحة لدينا، أو بسبب طريقة عمل التهجين (عملية التزاوج بين نوعين مختلفين)”.
وتضيف “بالنسبة لبعض أنواع الطيور والثدييات، فإن التهجين في بعض الأحيان لا يعمل في كلا الاتجاهين: فقد يكون من الصعب على أحد الأنواع إنتاج نسلا يتمتع بالخصوبة”.
وهي تأمل في أن يتم في المستقبل العثور على المزيد من الأحافير الخاصة بإنسان النياندرتال، وتحليلها.
وتقول الدكتورة كريت: “كلما كان لدينا إمكانية إجراء المزيد من التحليل وتتبع التسلسل، كلما زادت قدرتنا على اختبار هذه النظريات”.
التزاوج واللقاء الجنسي
طرح الدكتور سترينغر والدكتورة كريت في دراستهما نظرية أخرى تقول إن اللقاءات الجنسية بين النوعين لم تكن جميعها تتم بالتراضي.
وتقول الدكتورة كريت: “ربما كان الإنسان العاقل يخرج للبحث عن إناث، أو العكس، وقد تم استخدام القوة لإيجاد أفراد ينتمون إلى المجموعة الأخرى ويتمتعون بالخصوبة”.
وتوضح أن هذا النوع من السلوك، يمكن ملاحظته أيضا لدى بعض قردة الشمبانزي.
وتقول: “إذا لم يكن لدى الذكور ما يكفي من الإناث المنجبة في مجموعتهم، فقد يذهبون إلى المجموعة الأخرى، ويسرقون الإناث، لكي يتمكنوا من الاستمرار في التزايد”.
لكن لا يتوفر سوى القليل من المعلومات عن مثل هذه اللقاءات.
ويعتقد العلماء أن التواصل بين إنسان النياندرتال والإنسان العاقل لم يكن أمرا سهلا، لأنهما كانا مختلفين بشكل كبير.
وتشرح الدكتورة كريت ذلك قائلة: “ربما لم يكن أفراد المجموعتين قادرين على إخراج نفس النوع من الأصوات، ولم تكن لديهم نفس النوعية من النطق، كما أن أنظمتهم الدماغية كانت مختلفة”.
حتى مظهرهم الجسدي كان مختلفا أيضا.
وتوضح الدكتورة كريت ذلك بالقول: “كان إنسان النياندرتال قويا جدا، بنيانه الجسدي متين بذراعين وساقين قصيرتين وجبين بارز مميز مع قوس حاجب بارز فوق العينين”.
ومع ذلك، فلا يزال مدى الاختلاف بين الذكور والإناث في إنسان النياندرتال نفسه غير واضح حتى الآن.
وتقول الدكتورة كريت: “عادة ما تكون الهياكل العظمية مفتتة ومكسرة، وليس لدينا الكثير من عظام الأحواض للمقارنة بين الجنسين، ومعرفة الفروق بينهما”.
ولكن رغم العديد من الأمور التي لا تزال مجهولة حتى اليوم، فإن الدكتورة كريت متحمسة للاكتشافات المستقبلية المحتملة.
وهي تقول: “لقد أتاحت الأساليب الجديدة معرفة بعض الأشياء التي لم نكن نتخيلها سابقا”.
وتضيف أن الأمر “مثل لغز هائل الحجم. أحيانا تؤدي الاكتشافات الجديدة إلى أن تجعله أكبر، وأكبر، لأنها تغير طريقة تفكيرنا فيه”.