تصوُّر فني للمركبة الفضائية جونو (Juno) فوق بقعة الحمراء الأكبر في المشتري.(حقوق الصورة: MARK GARLICK/ SCIENCE PHOTO LIBRAY via Getty Images)
أطلقت وكالة ناسا ثلاث مراكب فضائية نحو العمالقة الغازية. اثنان منهم، غاليليو (Galileo) وكازيني (Cassini) كانا على وشك إنهاء مهامّهما عندما لقيا حتفهما بالغلاف الجوي لكوكبَي المشتري وزحل على التوالي.
على حينٍ آخر، تمكنّت سفينة غاليليو الفضائية (Galileo) مع مسبارها المصمم للهبوط عبر غلافٍ جويّ غازي عملاقٍ من الوصول.
فقدت ناسا التواصل مع المسبار بعد حوالي الساعة، عندما قطع المسبار 93 ميلاً (150 كيلومتر) داخل الغلاف الجوي للمشتري. لا يملك العلماء إجابةً مؤكدة عن مقدار المسافة التي قطعها المسبار داخل الغلاف قبل أن يُحطّم من قِبل ضغط وحرارة الكوكب العاليين. فهل يمكننا في يوم من الأيام أن نرسل سفينة فضائية إلى عملاق غازي مثل المشتري أو زحل؟ هل يمكن لسفينة أن تسافر عبر عملاق غازي باعتبار أن هذه الكواكب العملاقة قد لا تملك أسطح صلبة لتتحطم عليها؟
بحسب ليه فليتشر Leigh Fletcher أستاذ مشارك في علم الكواكب بجامعة ليسزتر Leicester في المملكة المتحدة، فإنّ الإجابة الأقصر هي لا، لا يمكن للسفينة الفضائية النجاة في رحلةٍ عبر عملاق غازي.
مشكلة السفر عبر عملاق غازي هي الزيادة الهائلة في كثافة وضغط وحرارة الكوكب عند اختراق الغلاف للداخل.
وضّح فليتشر لموقع Live Science أنّه بالقرب من مركز الكوكب، يصبح الهيدروجين -الذي يكون عادةً بحالته الغازية- معدنا سائلاً، الأمر الذي يجعل المنطقة غريبةً كما هو الحال على سطح الشمس. لفهم الضغط قرب مركز الكوكب، يمكننا أخذ خندق ماريانا وهو أعمق نقطة في سطح الكرة الأرضية كمثال، إذ إنّ الضغط هناك على عمق 7 أميال (11 كم) يصل إلى أكثر من 1000 بار (100,000 كيلو باسكال) مما يولد الشعور ب 8 طن من الضغط لكل بوصة مربعة (703 كيلوغرام للمتر المربع).
على مستوى سطح البحر، قد يواجه الفرد حوالي 1 بار من الضغط (100 كيلوباسكال). بينما بالقرب من مركز المشتري فإنّ الضغط يقفز إلى الميغا بار أو إلى قيم من المليون ميغا بار. وضحّ فليتشر أنّه بالإضافة إلى هذا الضغط العالي فإنّ الحرارة أيضاً ترتفع لتصل إلى عشرات آلاف الكيلفن، أي ما يعادل عشرات آلاف الدرجات المئويّة. يقول فليتشر: “عندها، أيّ مركبةٍ فضائيّة لن تُسحق أو تُذاب فقط، بل ستتفكك إلى ذراتها المكونّة لها”.
هذا ما قد تواجهّه المركبة برحلتها إلى مركز المشتري:
أولاً، يجب أن يكون شكل مسبار الغاز المثالي العملاق كالرصاصة، لتحسين الديناميكا الهوائيّة والسماح بالهبوط بأقصى سرعة ممكنة. أشار فليشتر إلى مواجهة المركبة الفضائية إلى سحب من الأمونيا أثناء الهبوط بالإضافة إلى العبور خلال سماوات زرق جراء حدوث نفس ظاهرة تشتت الضوء في الغلاف الجوي الأرضي.
يضيف فليتشر: “بعد عبور سحب بيكبريتيد الأمونيوم الحمراء البنية، تكون المركبة قد اجتازت عمق ال 50 ميل تقريباً (80 كلم)، مساحة شاهقة من سحب المزن الركامي المُضاءَة بوساطة عواصف رعدية هائلة”. يكمل: “مع ازدياد العمق، بين 4350 إلى 8700 ميل (7000 إلى 14,000 كيلو متر)، تواجه السفينة الفضائيّة غلافاً جوياً ساخناً جداً حيث إنّ الغلاف نفسه يتوهّج”.
هنا، ترتفع درجات الحرارة إلى عشرات آلاف الدرجات المئويّة والضغط أيضاً إلى درجات من الميغابار، حينها تبدأ المركبة بالتفتت”.
يكمل فليتشر: “في هذه المنطقة داخل المشتري والتي ما تزال غامضة، يتحوّل الهيليوم والهيدروجين إلى موائع. اكتشف علماء بعثة جونو Juno التي انطلقت عام 2011 أنّ المشتري لا يمتلك لباً صلباً، بل منصهراً مكوّناً من النيتروجين، الكربون وحتى الحديد. بمجرد دخولك هذه المنطقة الغامضة والمختلطة، فأنت لم تعد كما كنت”.
يحبُ فليتشر أن يظهر جانبه الشاعري ويقول “نعم! غاليليو، مسباره، كازيني ومركبتنا الافتراضية ذات شكل الرصاصة كلها تتفكك إلى ذراتها الأوليّة بمجرد إطلاقها إلى العمالقة الغازية المعنيّة، بالمقابل فإنّ هذه الذرات ستظل إلى الأبد مكوناً من مكونات تلك العمالقة الغازية. لا شيء تضعه داخلها يضيع فعلاً من تلك الكواكب العملاقة”.