يركب العمال كابلات ألياف ضوئية في إسبانيا، وقد تعاونت فيسبوك ومايكروسوفت معًا لتوصيله من الولايات المتحدة إلى إسبانيا، على عمق 6,600 كيلومتر تحت المحيط في 13 حزيران/يونيو 2017. حقوق الصورة: Ander Gillenea/AFP/Getty Images
لعل أكثرنا لا يدرك هذه المعلومة، وهي أن معظم البنية التحتية التي تجعل من الإنترنت واقعًا ممكنًا تقع في أعماق البحار، في شكل شبكات ضخمة من كابلات الألياف الضوئية التي تنقل البيانات ذهابًا وإيابًا بين القارات والبلاد.
وعلى الرغم من الدور الحيوي الذي تؤديه هذه الكابلات في الاتصالات العالمية، فإنها غير محروسة، بسبب موقعها تحت الماء. ظهرت هذه الثغرة الأمنية في عناوين الأخبار مؤخرًا، بسبب التحذيرات عبر المحيط الأطلسي من أن روسيا قد تخرب الكابلات وتقطع الاتصالات بين أميركا وأوروبا.
التحذيرات الحديثة
حذر السير ستيوارت بيتش Stuart Peach، المارشال الجوي ورئيس المؤسسة الدفاعية البريطانية ورئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، من أن قطع الكابلات “سيؤدي فورًا وبشكل كارثيٍّ إلى انهيار التجارة العالمية والإنترنت”، وفقًا لصحيفة الغارديان Gurdian.
وجاء تحذير بيتش هذا على إثر تقرير كتبه ريشي سوناك Rishi Sunak، عضو البرلمان البريطاني عام 2017، وصف فيه احتمالية تعطيل الإنترنت بـ”تهديد وجودي”. وأشار سوناك إلى أن الكابلات، التي تملك معظمَها وتشغله شركاتٌ خاصة، تنقل 10 تريليون دولار من التحويلات المالية يوميًا.
ليست هذه المرة الأولى التي يدق فيها جرس الإنذار بشأن شبكات الكابلات البحرية، ففي عام 2010، أخرجت وزارة الداخلية الأميركية تقريرًا عن حادثة حصلت عام 2008، وقُطعت فيها ثلاثة كابلات في البحر المتوسط تصل إيطاليا ومصر، وعلى ما يبدو أن قطعهم كان حادثةً غير مقصودةٍ جرّاء جر السفن التجارية لمراسيها في قاع البحر. وعلى إثر هذا، فُقد 80% من اتصالات الإنترنت بين أوروبا والشرق الأوسط بشكل مؤقت، ونتيجةً لهذا أُوقِفت معظم الطائرات بدون طيار التابعة للقوات الجوية الأميركية في العراق، بسبب عدم وجود اتصال موثوق به بينها وبين الفنيين في الولايات المتحدة، وورد في تقرير وزارة الداخلية الأميركية أن: “قطع الكابلات في منتصف الطريق بين العالم يُهدد مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة”.
وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في عام 2015 أن سفينة تجسس روسية تُدعى يانتر، كانت تحت مراقبة الطائرات والسفن والأقمار الصناعية الأميركية، ورُصدت وهي تتحرك ببطء على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، بالقرب من كابلات الإنترنت. وبحسب ما ورد فإن السفينة كانت مزودة بغواصتين صغيرتين قادرتين على الغوص لأعماق كبيرة حيث توجد الكابلات، وذكرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور رَصْدَ سفينة تجسس روسية أخرى، هي فيكتور لينوف، قبالة ساحل ولاية ديلاوير، في شباط/فبراير.
ولكن قبل أن تنغمس في تخيلات سوداوية لقطع كابلات الإنترنت وما قد يتبعها من مصائب، فإن الخبراء يقولون أنه من الصعب على دولة معادية أو جماعة إرهابية تعطيل هذا النظام، على الرغم من افتقاره للدفاع، ولعلك ستتفاجأ إن عرفت أن سماكة كابلات الألياف الضوئية التي تنقل كل بيانات العالم لا تتعدى 17 مليمترًا. وِفقًا لما قاله كيث شوفيلد Keith Schofield، المدير العام للجنة حماية الكابلات الدولية، وهي مجموعة صناعية تقع في بريطانيا. ولكن الأليافَ مُغلفةٌ في أنبوب مغلق بإحكام، وهو بدوره محاط بطبقات من الأسلاك الفولاذية عالية الشَّد، بالإضافة إلى طبقات من النحاس والبولي إثيلين. وتُضاف طبقاتٌ أخرى للحماية في الكابلات الموجودة في المياه الضحلة، حيث تكون عرضة للخطر بفعل مراسي السفن، أو غيرها من المخاطر التي من صنع الإنسان، أو قد تُدفن الكابلات تحت قاع البحر لمزيد من الحماية.
ونتيجةً لهذا، تتلف الكابلات بمعدل 200 مرة فقط خلال السنة، وهو حسب قول شوفيلد: “معدل ضئيل بالنسبة لشبكة ممتدة لأكثر من مليون كيلو متر”.
يقول جيم هايز Jim Hayes، رئيس جمعية الألياف الضوئية، وهي جمعية مهنية مقرها كاليفورنيا، تُصادق على عمال ومشغلي شبكات الكابلات، أنه سيكون من الصعب قطع كابلات في أعماق المحيط، إلا أن غواصةً آليةً مزودةٌ بالأدوات الصحيحة يمكنها فعل ذلك. وإذا عرفنا أن شبكات الكابلات القريبة من اليابسة أيسرُ في الوصول إليها، حيث تكون في المياه الضحلة، فلن يتطلب الأمرُ حينئذ الكثيرَ من الأسلحة المتطورة أو المعرفة الفنية لكيفية إلحاق الضرر المطلوب، ويتابع هايز: “إذا أردت قطع الاتصالات هنا، ما عليك إلا أن تستأجر مركبَ صيد قديم، وتزوده بمرساة كبيرة، وتسأله جرَّها على طول القاع”.
العبرة بالمكان
ويضيف هايز أن مهاجمة كابلات الإنترنت لن تسبب الكثير من الاضطراب بالنسبة للولايات المتحدة ودول أوروبا وشرق آسيا المتقدمة تكنولوجيا، فلديهم العديد من الاتصالات الأخرى التي من شأنها الإبقاء على تدفق البيانات ساريًا، قائلًا: “قد يُسبب هذا بطء الإنترنت في نيويورك، ولكنه لن يعطله تمامًا، فهناك طريق أخرى بإمكان البيانات أن تسلكها لبلوغ وجهتها، كأن نسير للغرب لنصل إلى الشرق، الإنترنت يعمل هكذا”.
أما بالنسبة للشرق الأوسط، فإن تخريب كابلات الإنترنت من شأنه أن يُعطل الخدمة تمامًا في المنطقة، لأن عدد الكابلات المُجمعة معًا قليلٌ جدًا، وتوجد في أماكن قليلة مثل قناة السويس ومضيق هرمز. أفريقيا أيضًا عرضة أكبر للتأثر، حيث نجد سواحلها الممتدة تعتمد فقط على كابل واحد أو اثنين.
تقول نيكول ستاروسيلسكي Nicole Starosielski، أستاذة مساعدة في جامعة نيويورك متخصصةٌ في الإعلام والثقافة والاتصالات ومؤلفة كتاب “شبكة الأعماق” الذي صدر عام 2015: “نعم، بمقدورك تعطيل الإنترنت لفترة طويلة، ولكن فقط بهجمات معينة وفي أماكن معينة. أما في أماكن أخرى، فيُمكن حل العُطل فقط بتعديل حركة مرور البيانات بسهولة”.
يقول هايز أنه بدلًا من قطع الكابلات، قد يحاول الروس الولوج إليها، واعتراض طريق الاتصالات، فيُمكن إدخال جهاز تنصت في الكابل ووصله بجهاز إرسال مُثبت على طوافة على سطح البحر، ويوصل هذا الجهاز بدوره بقمر صناعي أو بكابل آخر قريب من الشاطئ.
على الرغم من التنبؤات التي تحذر من أن هجومًا على كابلات الإنترنت قد يكون محتملًا، لدينا واقعة واحدة فقط لهجوم مزعوم عليها، حدث هذا في عام 2013، على الساحل المصري المطل على البحر المتوسط، قرب الإسكندرية تحديدًا، حيث أَوقفت دورية خفر السواحل المصرية قاربَ صيد وألقت القبض على ثلاثة غواصين ووُجه إليهم الاتهام بمحاولة قطع كابل إنترنت، وِفقًا لوكالتي رويترز Reuters وبي بي سي BBC.