حقوق الصورة: GETTY IMAGES
تتلاشى الأجسام المضادة التي تحمي من الإصابة بـ Covid-19 بمرور الوقت، لذلك من المحتمل ألا يوفّر التطعيم دفاعًا دائمًا.
يقول الدكتور جون رايت John Wright من مستشفى برادفورد الملكي، إنّ كوفيد يمكن أن يصبح مرضًا مثل الإنفلونزا، وهو مرضٌ ينتشر في المجتمع على فترات منتظمة، ويصيبُ الناس أكثر من مرة.
ثبتَت إصابة أربعة ملايين شخص في المملكة المتحدة حتى الآن بمرض Covid-19، وأحد الأسئلة الملحّة التي يطرحونها: هل سيصابون به مرةً أخرى؟
تصيبنا بعض أنواع العدوى الفيروسية مثل الحصبة، أو النكاف، أو جدري الماء مرةً واحدة فقط، وتؤدي إلى استجابةٍ مناعية توفر حمايةً للجسم مدى الحياة.
بعض الفيروسات مثل الإنفلونزا هي أسياد التخفي، وتتحور سريعًا للهروب من الكشف عبر مراقبتنا المناعية.
فيروسات أخرى مثل الزكام، وفيروسات كورونا المستوطنة الأخرى، لها وجوه منسية، تتلاشى من ذاكرتنا المناعية، وتعود لزيارتنا عامًا بعد عام.
قبل عيد الميلاد مباشرة، كتبتُ عن دهشتي لاحتمال الإصابة مرة أخرى بمرض Covid-19، ومع إصابة 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بدا أنّ عدد حالات الإصابة بالعدوى ضئيلٌ للغاية.
كطلاب طب، نغمسُ أنفسنا في كتبٍ مدرسية مليئة بالأمراض النادرة والغريبة، ومن براءتنا نقضي سنواتنا الأولى في تشخيصها في جميع المرضى الذين نراهم، ليذكرنا مدرسونا بلطف بأن الأمر الشائع شائع.
هناك قولٌ طبي قديم لهذا: “عندما تسمع وقع الحوافر، لا تبحثْ عن الحمير الوحشية”.
لذلك عندما تلقيتُ نتيجة PCR الإيجابية، كانت غريزتي الأولى هي تجاهل الحمار الوحشيّ، وافتراض أنّ أول اختبار إيجابي للأجسام المضادة، في الصيف الماضي، وجد أجسامًا مضادة ناشئة عن فيروسات كورونا الموسمية الشائعة المشابهة لمرض Covid-19، وليس من مرض Covid-19 نفسه.
جعلتني نتائج دراسة Siren الوطنية الأخيرة أعيد التفكير.
بالعودة إلى بداية الوباء، أدركت سوزان هوبكنز Susan Hopkins، خبيرة الأمراض المعدية، أنّ الكثير من العاملين في مجال الرعاية الصحية أصيبوا بالعدوى، لكن عدم توفر الاختبارات يعني أنهم لم يؤكدوا نتائج تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) وسُئلَتْ عن خطر الإصابة مرة أخرى وإمكانية إصدار “جوازات سفر بأجسام مضادة” تسمح للأشخاص الذين تعافوا من كوفيد بمواصلة حياتهم الطبيعية.
لقد أدركَت أنها لا تملك الإجابات، وكذلك فعلَت ما يفعله جميع العلماء الجيدين، حيث أعدّتْ دراسة بحثية، والتي بدأت في حزيران/يونيو.
كان عمال الرعاية الصحية من بين أكثر الأشخاص المعرضين للخطر خلال الموجة الأولى، لذا قدموا حساءً غنيًا لدراسة عدوى كوفيد.
ابتكرت هي وفريقها دراسة على 10000 من موظفي NHS للمتابعة لمدة 12 شهرًا، ومع تزايد الحاجة الملحة للبحث، توسعت الدراسة لتشمل 50000 موظف في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
يخضع المشاركون في الدراسة، -التي لا تزال مستمرة-، لاختبارات تفاعل (PCR) والأجسام المضادة لـ SARS-CoV-2 كل أسبوعين إلى أربعة أسابيع.
في المجموعة الأولى من النتائج، التي نُشرت في كانون الثاني/يناير، تبين أن حوالي ثلثها تحتوي على أجسام مضادة للفيروس، مما يؤكد الإصابة السابقة خلال الموجة الأولى من الوباء، وظلّ الثلثان المتبقيان خالين من العدوى.
وجدَت سوزان هوبكنز أنّ ما يقرب من 1% من الموظفين الذين كان لديهم دليل على الإصابة السابقة أصيبوا بالعدوى مرة أخرى في الأشهر الخمسة الأولى فقط من الدراسة. كان معظم هؤلاء الموظفين بدون أعراض في العدوى الأولى، ومن المحتمل أن يكون لديهم عدوى خفيفة مع استجابات مناعية تتلاشى بسرعة، لكن حوالي 25% لديهم متلازمة كوفيد الكاملة ومع ذلك أصيبوا مرة أخرى.
لذا فإن شدة المرض الأوليّ لم تحمِ بالضرورة من العدوى اللاحقة.
بشكل حاسم، أبرزت الدراسة أيضًا أنّ العدوى السابقة لم تمنعْ خطر انتقال الفيروس في المستقبل.
ووجدت الدراسة أيضًا أنّ بعض الأشخاص يفقدون أجسامهم المضادة بسرعة كبيرة، بينما يفقدها البعض الآخر ببطء أكثر بمرور الوقت.
من المحتمل أن تكون هذه النتائج مقدمةً لما يحدث للأجسام المضادة مع اللقاحات، وبالتالي أصبح من الواضح أنه من غير المرجح أن نصل إلى صفر Covid.
بدلاً من ذلك، سنلاحظ تفشي المرض باستمرار إذ تتضاءل مناعتنا وتتضاءل.
تتنبأ أحد المقارنات المستخدمة بأنّ حرائق الغابات الحالية تتحول إلى نيران، ثم كومة من الجمر المشتعل، وبعد ذلك مجرد دخان تليها حرائق صغيرة تندلع ربما في أشهر الشتاء. العدوى أو التطعيم السابق لن يحميك بالضرورة، وقد يصبح Covid-19 سمة من سمات الحياة، مثل الأنفلونزا الموسمية.
البروفيسور جون رايت، طبيب وعالم أوبئة، رئيس معهد برادفورد للبحوث الصحية، ومحاربٌ قديم في أوبئة الكوليرا، وفيروس نقص المناعة البشرية، والإيبولا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. يكتب هذه اليوميات لبي بي سي نيوز ويسجل من عنابر المستشفى لراديو بي بي سي.
من المحتمل أن تكون فكرةً مقلقةً بالنسبة لأولئك الذين عانوا من أعراض حادة، على سبيل المثال جيني مارشال حمد Jennie Marshall Hamad، ممرضة مديرة مسؤولة عن جناح كوفيد للإناث. عندما كتبت عن جيني آخر مرة، في نيسان/أبريل، كانت قد أرسلت ابنها زيدي البالغ من العمر أربع سنوات للعيش مع والدتها من أجل تكريس نفسها لعملها.
بعد شهر أصيبت بالفيروس، كانت مريضةً لمدة أسبوعين، وكانت قد بدأت بالتعافي عندما بدأ التعب ومشاكل التنفس، مما أدى إلى توقفها عن العمل لأكثر من ثلاثة أشهر.
لا تزال تحضر عيادة كوفيد، وتحرص على الحصول على قسط كافٍ من الراحة بين المناوبات.
تقول: “لم أكن سيئة في حياتي من قبل، وهذا أثر علي بشكل كبير”.
يوفرُ اللقاح درجة من الثقة، تقول جيني إنها تشعر بالأمان أكثر في العنابر، لكنها تظلّ حذرة، وكغيرها من موظفي المستشفى، تجري اختبارات التدفق الجانبي مرتين في الأسبوع “لطمأنتنا بأننا على ما يرام”، وما زالت لا ترى أجدادها -الذين هم في التسعينيات من العمر- إلا من خلال الحديقة.
تقول جيني إنّ ثمانين في المائة من الموظفين في جناحها لديهم الآن Covid، وسيكونون جميعًا قد حصلوا الآن على التطعيم أيضًا.
إذن كيف ستؤثر هذه المجموعة من التحديات المناعية -العدوى والتطعيم- على خطر الإصابة بالعدوى في المستقبل؟ يجب أن تكون دراسة Siren قادرة على إخبارنا بذلك، مع إظهار كيف تختلف الجرعات المفردة من اللقاحات عن جرعتين.
كما ستتمكن من التحقيق في خطر الإصابة مرة أخرى بمتغيرات جديدة مثل متغير كينت، ومساعدتنا على فهم إلى أيّ مدى تحمينا استجابتنا المناعية لنوع واحد من الفيروسات ضدّ الفيروسات الأخرى.
ولكن يبدو من المحتمل جدًا أنه مع ظهور المزيد من المتغيرات في جميع أنحاء العالم، فإنّ الطفرات الجينية في الفيروس ستجعله هدفًا مؤثرًا لنظام الدفاع في أجسامنا، ولمصنعي اللقاحات.