لم يكن يعرف الطفل صامويل ديفيد إيتو البالغ من العمر 6 سنوات حينما كان يقف على ضفاف نهر “ووري” بمدينته دوالا أثناء مساعدة أمه في صيد الأسماك، أنه سيحمل على عاتقه بعد عدة سنوات مسؤولية تنظيم الحدث الأضخم في قارته، كأس أمم إفريقيا 2021، بعدما أصبح رئيس اتحاد كرة القدم في بلاده عقب مسيرة أسطورية كلاعب لن يتكرر بسهولة.
ولد إيتو لأمه كريستين التي كانت تعمل في صيد الأسماك، وأبيه ديفيد المُحاسب، اللذين كانا يعملان بكدّ لتوفير حياة هانئة له ولإخوته الخمسة، لكن كعادة الآباء منعاه من لعب كرة القدم كي يصب اهتمامه على دراسته.
المباراة التي غيّرت مسيرته
تحدّث إيتو للموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” عن طفولته قائلًا: كنت أتنفس كرة القدم، لكن والديّ لم يرغبا باستمراري باللعب لأنهما يعتقدان أن لعب كرة القدم يكون للأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة.
وتابع: أتذكر أننا كنا نلعب مباراة في حيّنا دون علم أبي، لكن ما كنت أجهله أنه كان يشاهدني في حانة على الجهة الأخرى من الملعب، تألقت بشدة خلال اللقاء، وعندما عدت للمنزل أخبرني أنني جيد في كرة القدم، وأنه شاهد المباراة كاملة، هذا اللقاء غيّر حياتي بالكامل لأن أبي اقتنع حينها أنني أمتلك الموهبة، وتحدّث لأمي من أجل السماح لي باستمرار اللعب.
البقاء بطريقة غير شرعية في فرنسا حرمته من باريس سان جيرمان
انضم إيتو إلى أحد الفرق المحلية في دوالا، وبعدها بفترة وجيزة قرر السفر إلى فرنسا لاستكمال مسيرته بمستوى أفضل، لكن الأمور لم تسر كما خطط لها.
وتحدّث إيتو عن تلك الفترة لقناة “فرانس 24” وقال: اتخذت قرارًا خاطئًا مثل كل الأفارقة الذين يحلمون بالنجاح في أوروبا، وصلت فرنسا بتأشيرة صالحة لـ10 أيام فقط، وحينما انتهت المدة قررت البقاء دون أوراق رسمية.
منعه موقفه غير الرسمي وأوراقه غير المكتملة من الانضمام لأكاديمية باريس سان جيرمان حينها.
وأضاف: بقيت لمدة 3 أشهر، خرجت إلى الشارع خلال هذه الفترة 3 مرات فقط ربما، إذا ألقت الشرطة القبض عليّ سأعود إلى الكاميرون فورًا، كما أن الأجواء الباردة هناك كانت تجبرني على المكوث في المنزل.
وأكمل: كانت لديّ رغبة وحيدة حينها، أن أثبت للجميع أن هذا الطفل “الأسود” الصغير يمتلك موهبة مثله مثل الآخرين وسينجح إذا أتيحت له الظروف المناسبة.
مسلسل الرفض انتهى بسبب أعين “بيري”
عاد إيتو إلى بلاده بعد أن خاب أمله، وانضم لأكاديمية “كادجي سبورت” وأصبح أبرز مواهبها.
وساهمت الشراكة بين الأكاديمية ونادي لوهافر الفرنسي في خوض إيتو لفترة معايشة هناك، لكنه لم يُلفت نظر مدربي الشباب، ورفضاه أيضًا ناديا سانت إيتيان، وكان الفرنسيان وأندية من الولايات المتحدة الأميركية.
وسجل إيتو هدفين خلال أول مشاركة له مع منتخب الكاميرون للناشئين في شباك كوت ديفوار، وهنا التقطته أعين “بيري” كشاف ريال مدريد.
انتقل إيتو عام 1996 لريال مدريد بعمر 15 عامًا ولعب مع الفريق الثاني “الكاستيا” لكن مع هبوط فريق الشباب للدرجة الثانية، أُعير لنادي ليغانيس وعاد لسنتياغو برنابيو مرة أخرى في العام الذي يليه، ليسجل مشاركته الأولى في “الليغا” بعمر 17 عامًا تحت قيادة المدرب الهولندي غوس هيدينك خلال مباراة إسبانيول حينما دخل بديلا لأسطورة كرواتيا دافور شوكر.
رحل إيتو بعدها إلى إسبانيول معارًا، لكن انطلاقته الحقيقية كانت مع مايوركا بعدما تخلى عنه ريال مدريد، إذ سجل مع الفريق 67 هدفًا خلال 155 مباراة بأربعة مواسم وحصد معهم كأس ملك إسبانيا موسم 2002-2003.
شارك في هذه الفترة مع بلاده بمونديال 2002، مسجلًا هدف فوز “الأسود غير المروّضة” على المنتخب السعودي وتوّج بجائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2003.
الفترة الذهبية
انفجر إيتو عقب انتقاله إلى برشلونة في أغسطس 2004 مقابل 24 مليون يورو، وكان سببًا رئيسيًا في تتويج “البلاوغرانا” بالسداسية التاريخية عام 2009.
هز إيتو شباك منافسي برشلونة 130 مرة خلال 199 مباراة بجميع المسابقات وصنع 40 هدفًا لزملائه، ليحصد 8 ألقاب رفقة النادي الكتالوني من بينهم لقبان لدوري أبطال أوروبا.
انتقل بعدها إلى إنتر ميلان خلال الجيل الذهبي للنيراتزوي مع جوزيه مورينيو، وفاز رفقة الفريق الأزرق والأسود بـ6 ألقاب.
لعب إيتو بألوان 7 أندية بعد رحيله عن “جوسيبي مياتزا” كان أبرزها تشيلسي، إيفرتون وسامبدوريا.
دوليًا
وعلى الصعيد القاري، نجح إيتو في قيادة منتخب بلاده للقب كأس أمم إفريقيا خلال نسختي 2000 و2002، كما فاز بذهبية أولمبياد 2000 بسيدني.
وتتحدث أرقام إيتو عن كونه أسطورة حية لبلاده وقارته، إذ حصد اللاعب لقب هداف بطولة الأمم خلال نسختي 2006 و2008، بخلاف كونه الهداف التاريخي للبطولة بـ18 هدفًا أحرزها بست نسخ شارك بها بداية من عام 2000 وحتى 2010.
فاز إيتو بجائزة أفضل لاعب إفريقي 4 مرات، ويتربع على صدارة قائمة الهدافين التاريخيين لبلاده بـ56 هدفًا في 118 مباراة، وترك بصمته في كأس العالم بمشاركته في 8 مباريات، محرزًا 3 أهداف خلال نسخ 1998،2002،2010 و2014.
مناهضة العنصرية
تعرّض إيتو للعديد من حوادث العنصرية خلال مسيرته في الملاعب كان أبرزها خلال لقاء ريال سرقسطة وبرشلونة بموسم 2004-2005 حينما رفض صامويل استكمال المباراة بسبب تصرفات جماهير الفريق المنافس له.
وكلما سنحت له الفرصة للحديث عن أهمية محاربة العنصرية في ملاعب كرة القدم استغلها الكاميروني على الفور، كان آخرها دفاعه عن لوكاكو بعد أن تعرّض لمضايقات من جماهير كالياري أثناء لعبه لإنتر ميلان.
وقال حينها إيتو لـ”كادينا سير”: أتوسل للجميع أن يتعاونوا من أجل جعل مدرجات كرة القدم نظيفة، إنهم يشبهونك بالقرود أثناء المباراة ثم يتهافتون لالتقاط صورة معك عقب نهايتها.
وأضاف: أبيض، أسود، أصفر.. في النهاية جميعنا متشابهون، علينا أن نعلّم أولادنا ذلك.
أمم إفريقيا بين مطرقة “أوميكرون” وسندان الشكوك
استيقظ شعب الكاميرون يوم 12 ديسمبر الماضي على خبر انتخاب نجم منتخبهم الأسبق رئيسًا لاتحاد كرة القدم في البلاد، لكن وصوله إلى هذا المنصب وضعه في موقف لا يُحسد عليه، إذ تنظم الكاميرون بطولة أمم إفريقيا بعد أقل من شهر، في ظل انتقادات لاذعة طالت إقامة البطولة رغم انتشار فيروس “أوميكرون” وشكوك حول قدرة البلد المستضيف على تنظيم حدث مثل هذا.
وفي أولى تعليقاته عن البطولة بعد تقلّد المنصب الجديد قال إيتو: سنفعل أي شيء من أجل ضمان إقامة البطولة في موعدها، ونجاحنا في التنظيم، وألا يواجه زوّارنا أي مشاكل.
وأثارت شائعات تأجيل البطولة غضب رئيس الاتحاد الكاميروني، ورد عليها خلال مقابلة مع قناة “كانال بلس” الفرنسية: نحن نُعامل بنفس الطريقة التي عوملنا بها دائمًا، لا يجب أن نعاني باستمرار، بطولة اليورو لُعبت في خضم الجائحة في أكثر من مدينة أوروبية، لا يوجد سبب يجعلنا نؤجل أمم إفريقيا.
وتنطلق صافرة بداية أولى مباريات البطولة بعد أقل من 24 ساعة من الآن، في موعدها دون تأجيل، بحضور هدّافها التاريخي ورئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم.. صامويل إيتو.