نهايات العام 2021، قررتُ أن أجرب قدرتي على “الصيام المتقطع – المطول”، وهو البقاء دون طعام لمدة تزيد عن 24 ساعة، أحتسي فيها الماء والقهوة والشاي، ونزرا من الزيوت النافعة، أي تلك السوائل والمغذيات التي لا ترفع نسبة الإنسولين في الدم، دون أن أتناول أي لحوم أو فواكه أو خضراوات؛ باختصار: البقاء دون أكلٍ!
التعودُ على الصيام!
لم تكن حينها تجربتي الأولى مع “الصيام المنقطع”، بل أردت أن أختبر أقصى مدى أصل إليه، فكانت النتيجة أن ولجت السنة الجديدة 2022 وأنا صائم لمدة 5 أيام وتسع ساعات، دون الشعور بأي تعب أو جوع أو عطش! وكنت قبلها صمتُ مراراً مدة 24 ساعة و48 ساعة وأيضاً 72 ساعة، أي أنني كنت أتدرب وأصعد السلم خطوة بخطورة.
بالتأكيد، هذا النوع من “الصيام المتقطع – المطول”، لا يُنصح به للأشخاص الذين لا يمتلكون الخبرة والمعرفة العلمية، لأنه قد يؤدي لنتائج عكسية، ومشكلات صحية.
أسبوع دون أكل!
نهايات مارس الماضي، قررت أن أعيد اختبار قدراتي، ووضعت هدفاً وهو البدء في “الصيام المتقطع – المطول”، وأن أوصله هذه المرة بصيام شهر رمضان، وكانت النتيجة أن بقيت دون طعام مدة أسبوع كامل، أي 168 ساعة، منها نحو 16 ساعة الأخيرة “صيامٌ جافٌ – دون سوائل”.
خلال فترة الأسبوع الذي بقيت فيه دون طعام، ذهبت للنادي الرياضي 3 مرات، مارست فيها تمارين “رفع الأثقال” التي تزيد من البنية العضلية للجسم، وترفع “هرمون النمو” لمستويات عالية، ورغم كوني صائماً، إلا أنني حققت رقمين جديدين، لم أسجلهما من قبل في تمرين Deadlift، حيث رفعت 90 كجم ثلاث رفعات، بتكرار ثلاث مرات، وأيضاً رفعت 100 كجم، مرة واحدة.
البعض قد يتساءل: كيف لشخص يقوم بـ”الصيام المتقطع – المطول” أن يمارس التمارين الثقيلة، ألن يكون جسمه فاقداً للطاقة؟
هنالك ظنٌ أن “الصيام المتقطع” بشكلٍ عام، يجعل الجسم خاملاً، وهذه فكرة رائجة زائفة، بل نقيضها هو الصحيح. فالجسم عندما يكون في حالة الصيام، ترتفع نسبة هرمون “النمو”، وتنخفض نسبة هرموني “الإنسولين” و”الكورتيزول”، ما يعني أن الجسم سيكون في مستويات أعلى من النشاط القوة.
الأمر الآخر، عند ممارسة “الصيام المتقطع” مع نظام غذائي صحي، مثل “الكيتو” أو “منخفض الكربوهيدرات”، فإن الجسم حينها يأخذ طاقته من الدهون، وليس السكريات، وبالتالي، فإن الجسد يعمل على حرق الدهون لاستخدامها كوقود من جهة، ويبني الكتلة العضلية من جهة أخرى.
المشيُ والصيام!
أيضاً، مارست رياضة المشي السريع على الشاطئ، 3 مرات، طيلة فترة صيامي “المتقطع – المطول”، التي استمرت أسبوعاً كاملاً.
عندما أمشي على البحر، أختار وقتاً تكون فيه أشعة الشمس قوية، وأعرض جسمي لنور الشمس، لكي يحصل على كفايته من فيتامين د، فضلاً عن الفوائد الأخرى لهذه الخيوط الذهبية المنسابة من السماء.
الكريمات الكيماوية الواقية من الشمس، لا أضعها، فهي تسبب الكثير من الأمراض الجلدية، وتحجب عن الجسم أشعة الشمس التي نحن في أمس الحاجة لها.
حرصت أيضاً خلال هذا الأسبوع على ممارسة تمارين “التمدد”، والقليل من تمارين “التنفس” – وإن كانت مهمة جداً ومن الضروري زيادة حصتها اليومية – وكذلك التأمل والتخفف من الضغوط، فجميع هذه العادات تساعد على أن يكمل المرء “الصيام المتقطع – المطول” بسلام.
العناية بالجسد!
كنت أقيس ضغط دمي بشكل شبه يومي، وأتناول ملح الهملايا، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم، والسيلينيوم، أي المعادن والعناصر الغذائية الضرورية التي يحتاجها الجسم، إضافة لمجموعة من الفيتاميات والمكملات الغذائية العضوية عالية الجودة، التي لا تكسر الصيام.
كنتُ أشرب أيضاً عصير الليمون مع خل التفاح العضوي، فهو مشروب لا يكسر الصيام، وينظم مستوى الإنسولين في الدم، ويساعد على حرق الدهون. إنما لا يستحسن تناوله للأشخاص الذين يعانون من مشكلات قرحة في المعدة.
أيضاً، “الزيوت النافعة” كانت رفيقة دبي: زيت السمك، زيت كبد الحوت، زيت الحبة السوداء، زيت جوز الهند، زيت الزيتون، الزبدة العضوية؛ جميعها كنت أتناولها بكميات ضئيلة، أختارُ في كل يومٍ عدداً منها، مما يساعدُ على إكمال الصيام دون تعب، ويمنح الجسم الطاقة، ولسبب آخر، وهو أن بعض الفيتامينات تحتاج لكي تذوب ويمتصها الجسم لوسط دهني، كفيتامين D، الذي يجب تناوله مع فيتامين K.
الوجبة الأولى!
الوجبة الأولى بعد “الصيام المتقطع – المطول”، لا تقل أهمية عن الصيام ذاته، حيث يجب أن تكون غنية بالدهون النافعة والبروتين، وقليلة الكربوهيدرات، ودون أي سكريات مكررة أو أغذية مصنعة.
كانت وجبتي عبارة عن 4 بيضاتٍ بلديةٍ مع قطع لحم صغيرة، مطهية في السمن العضوي، ومرق العظام الغني بالدهون النافعة والكولاجين، وزبدة اللوز العضوية، مع شيء من جوز البقان، وقليلٍ من الجوز البرازيلي، وبعدها تناولت 3 حباتٍ من الفراولة.
وجبة “السحور”، كانت 200 غرام من الكبدة المطهية في السمن العضوي، وحبة خيار واحدة، وحبة طماطم. فيما التحلية قطعة من الشكولا العضوية الداكنة دون سكر، بنسبة كاكاو 100%!
أما كأس الشراب، فعبارة عن خلطة من “الأغذية الخارقة”، التي ترفع من قوة الجهاز المناعي، وتزود الجسم بالعناصر المعدنية الضرورية؛ وبعدها أمسكت عن الطعام من الساعة 10 مساء حتى موعد الإفطار عند نحو 7 مساء في اليوم التالي، أي سيكون معدل الصيام 21 ساعة.
الفوائد!
ما الذي استفدته من هذه التجربة؟
“الصيام المتقطع – المطول” يرفع من مناعة الجسم، ويقلل من الالتهابات، ويحفز عملية الالتهام الذاتي داخل الجسم، وينظم مستويات الإنسولين في الدم، ويزيد من صفاء الذهن والتركيز والذاكرة، ويخفف من مستويات هرمون التوتر، وأيضاً يساعد على إراحة الأعضاء الداخلية: الكبد، الكلى، القلب، المعدة، القولون.. وسواها من الفوائد العديدة، التي تحتاج لتقرير مفصلٍ مستقلٍ لشرحها.
من يقوم بذلك؟
هل أنصحُ الناس بممارسة هذا النوع من الصيام المتقدم؟
بالطبعِ لا أنصح المبتدئين، وإنما من أنصحهم هم المحترفون الذين يعرفون ويمارسون “الصيام المتقطع” منذ فترات طويلة، ولديهم نظام غذائي ورياضي صحي؛ لأن هنالك خطوات يجب أن يتدرب عليها الإنسان، وبرنامج غذائي يمارسه، ومعادن أساسية يتناولها، كي يصبح قادراً على “الصيام المتقطع – المطول”، وإلا من الممكن أن يعرض الإنسان نفسه لمخاطر مثل انخفاضٍ مفاجئ في ضغط الدم أو هبوطٍ حادٍ لمعدلات السكر، أو الإغماء. ولذا، القراءة والتعلم وأخذ المعلومات من مصادر صحيحة وموثوقة، والتدرج في الصيام، ومراكمة الخبرات، والصبر وعدم الاستعجال، هي العدة الضرورية لمن يريد القيام بـ”الصيام المطول”، مع الإرادة الصلبة والهدف الواضح والإصغاء للجسد واحتياجاته.