يتساءل البعض عما سيكون عليه حالهم عند بلوغ سن السبعين عامًا. وبحسب ما ورد في تقرير نشره موقع Big Think، فإن هناك فريقا يعتقد أنه سيشعر بالسلبية أكثر من أي وقت مضى، وربما سيفكرون مليًا في أهداف لم يحققوها من قبل أو سيقضون أوقاتهم في المعاناة من أوجاع وآلام متزايدة، أو الوقوع في دائرة مفرغة تدور حول خوف وجودي من معرفة أنهم يقتربون من نهاية حياتهم.
أما الاحتمال الثاني فهو ما يتصوره فريق يرى أنه ربما سيكون أكثر سعادة من أي وقت مضى. وبالفعل قاد الباحث جيسون ستريتون فريقًا من الأطباء لاختبار هذا الاحتمال الثاني وفقًا لمعايير وقياسات علمية. على وجه التحديد، قام الباحثون بتقييم ما إذا كان التقدم في العمر يجعل الناس أفضل في العثور على الفرح وتجربة المشاعر الإيجابية.
مفارقة عجيبة
يواجه كبار السن تحديات لا تعد ولا تحصى، مثل المشاكل الصحية والتدهور المعرفي وفقدان الأزواج والوحدة وفقدان الاستقلالية. ولكن تبين أن الرضا عن الحياة والاستقرار العاطفي في جميع أنحاء العالم يبدأ في الزيادة حول سن 55 عاما. وعلى الرغم من أن الرضا عن الحياة يبدأ في الاستقرار أو حتى الانخفاض بعد سن 70، إلا أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 90 عامًا لا يزالون يتمتعون برفاهية نفسية أعلى من نظرائهم في منتصف العمر.
تناقض مثير للدهشة
بدأ ستريتون وزملاؤه سوزان شفايتزر وتيم دالغليش من الفريق البحثي، رحلة البحث العلمي بغرض الوصول إلى حقيقة هذا التناقض المثير للدهشة. وضع الباحثون أحد الأسباب المحتملة لتبرير هذه الحالة، وهو أن التدهور المعرفي المرتبط بالتقدم في العمر يجعل الأشخاص أكثر سعادة، إذ ربما ينسى كبار السن الأشياء السيئة بسرعة أكبر. كما أن نمط الحياة الأبسط والإجهاد الأقل وعدم الحاجة إلى الإفراط في التفكير تعد من النعم التي تساعد كبار السن على الشعور بمزيد من الرضا. وفي الوقت نفسه، طرح ستريتون وفريقه البحثي فرضية بديلة مفادها أن كبار السن ربما يكونون أفضل من الشباب في تعظيم سعادتهم في الوقت الحالي. واستند ستريتون في الفرضية المرجحة إلى عدة أسباب:
أولاً، أن كبار السن ربما يكون لديهم قدرة أفضل في تعظيم السعادة لأنهم يجعلونها أولوية أعلى. وفقًا لنظرية الانتقائية الاجتماعية والعاطفية، تتغير الأهداف عبر الحياة. يميل الأشخاص الأصغر سنًا إلى التركيز على الأهداف طويلة المدى مثل بناء المعرفة وإقامة الروابط الاجتماعية وتجميع الموارد مثل المال والمكانة. من ناحية أخرى، يدرك كبار السن أن وقتهم محدود، لذا فهم يركزون على اللحظة ويعطون الأولوية للأهداف الأكثر إلحاحًا. يبحثون عن الرضا على الفور.
كما يتمتع كبار السن بخبرة طويلة في التعامل مع تقلبات الحياة، ما يعني أنهم يمتلكون مهارات تنظيم العاطفة المحسّنة، بما يشمل القدرة على التخطيط المسبق لتجنب المواقف العصيبة أو إعادة صياغة الأحداث للكشف عن جوانبها الإيجابية. ولكن توجد بعض التناقض علميًا فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن التدهور المعرفي العام يترك كبار السن أقل قدرة على تنفيذ استراتيجيات مثل التخطيط المسبق أو إعادة الصياغة. لكن توصلت أبحاث أخرى إلى أن كبار السن يحتفظون بقدرات معرفية مهمة تتعلق بمعالجة المشاعر، مثل الذاكرة والتحكم في الانفعالات والانتباه.
من 18 إلى 88 عاماً
لتقييم سبب تحقيق كبار السن مستويات أعلى من الرفاهية العاطفية، دعا الباحثون 249 بالغًا تتراوح أعمارهم بين 18 و88 عامًا إلى المختبر، لقياس ردود الفعل العاطفية وحجم الدماغ والقدرات المعرفية.
لإنتاج ردود عاطفية، شاهد المشاركون مقاطع فيديو قصيرة كانت إما سلبية مثل مقاطع الأخبار عن الإبادة الجماعية، أو محايدة ربما تتناول توقعات الأحوال الجوية أو إيجابية مثل مقطع يعرض ضحكات أطفال.
قبل مشاهدة نصف مقاطع الفيديو السلبية، طلب الأطباء من المشاركين تنظيم مشاعرهم، أي محاولة تقليل أي ردود فعل عاطفية سلبية من خلال إعادة تقييم مقطع الفيديو. أثناء مقاطع الفيديو الأخرى، طُلب من المشاركين ببساطة مشاهدة أي ردود عاطفية والسماح بحدوثها بشكل طبيعي.
بعد كل مقطع فيديو، قيّم المشاركون مدى إيجابية وسلبية استجابتهم العاطفية، ومدى نجاحهم في تنظيمها. كما أنهم أكملوا اختبارات مقاييس الذكاء وأبلغوا عن مستوى تعليمهم. وفي المرحلة الأخيرة، استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي لقياس المادة الرمادية لكل مشارك في العديد من مناطق الدماغ المتعلقة بالإدراك والعاطفة.
4 عوامل فريدة
توصل الباحثون إلى أن العمر تنبأ بأربعة عوامل فريدة تتعلق بالرفاهية العاطفية. على وجه التحديد، أبلغ كبار السن عن مستويات أعلى من:
• التفاعل الإيجابي (الاستجابات العاطفية الإيجابية لمقاطع الفيديو الإيجابية والحيادية).
• التنظيم الإيجابي (الاستجابات العاطفية الإيجابية لمقاطع الفيديو السلبية).
• التفاعل السلبي (الاستجابات العاطفية السلبية لمقاطع الفيديو السلبية والإيجابية والحيادية – رغم أن هذا الارتباط كان صغيرًا للغاية).
• التأثير السلبي الأساسي (المستوى الأساسي للعاطفة السلبية، لا علاقة له بمشاهدة مقاطع الفيديو السلبية).
باختصار، كان المشاركون الأكبر سناً أقل سعادة قليلاً عند خط الأساس، لكن كانت ردود أفعالهم العاطفية أقوى تجاه مقاطع الفيديو – خاصةً الإيجابية منها.
الإدراك والمادة الرمادية
وكما هو متوقع، أظهرت اختبارات الذكاء أن كبار السن في المتوسط يعانون من انخفاض إدراكي، علاوة على نقص كميات المادة الرمادية في العديد من مناطق الدماغ.
وأشارت نتائج التحاليل والاختبارات والقياسات مجتمعة إلى أن التدهور المعرفي ربما يتسبب في تعرض كبار السن لمزيد من التفاعل السلبي، ولكنه لا يعد سببًا في أن كبار السن يشعرون بمشاعر أكثر إيجابية.
أمل في المستقبل
وتوصل الباحثون إلى أنه كلما كان الشخص أكبر سنًا، زاد شعوره بالعواطف الإيجابية استجابةً للمحفزات الإيجابية والسلبية، على الرغم من أن كبار السن لديهم مستويات أساسية أعلى من المشاعر السلبية، وأنهم كانوا أيضًا أكثر تفاعلًا إلى حد ما مع المنبهات السلبية من نظرائهم الأصغر سنًا.
لم تكن هذه الاختلافات نتيجة بعض الانخفاض العام في حجم الدماغ، ولا عن التدهور المعرفي، وإنما توافقت النتائج مع فكرة أن كبار السن أفضل في تعظيم سعادتهم لحظة بلحظة. إن كبار السن عندما يواجهون شيئًا إيجابيًا أو محايدًا أو حتى سلبيًا، يكونون أكثر قدرة على العثور على الفرح الكامن في تلك التجربة.
واتساقًا مع نظرية الانتقائية الاجتماعية والعاطفية، فإن تركيز كبار السن المتزايد على حالة الرضا الفوري يعني أن كبار السن يمكن أن يكون لديهم أيضًا ردود فعل سلبية أقوى للمحفزات المزعجة. ولكن قدرتهم على تنظيم عواطفهم بشكل إيجابي تعني أنه يمكنهم العثور على المزيد من الإيجابية في مثل هذه التجارب السلبية أكثر من الآخرين.