على الرغم من مرور سنة كاملة على الفاجعة، لا تزال صورُ الشاحنات العسكرية التي نقلت نعوش ضحايا فيروس كورونا مع بدء تفشي الوباء في 18 آذار/مارس من العام الماضي، وشكلت في حينها صدمة للعالم أجمع، عالقة في أذهان الإيطاليين في مدينة بيرغامو .
ففي آذار/مارس الماضي وحده توفي 670 ألف شخص في بيرغامو التي تعد 120 ألف نسمة ونحو ستة آلاف في المنطقة التي تحمل الاسم نفسه المعروفة بـ “ووهان إيطاليا” أي أكثر بخمس إلى ست مرات من المعتاد وفقا للمعهد الوطني للإحصاء.
وفي ذروة تفشي الوباء كانت الكنائس تصلي على النعوش كل 10 دقائق. وقال أحد كهنة كنيسة مقبرة مونومنتال “في البداية كانت الشاحنات تأتي ليلا ولم يكن يفترض أن يعرف أحد أن النعوش تنقل إلى مكان آخر”.
وكانت الشاحنات تنقل حتى سبعين نعشا يومياً من الكنيسة إلى مناطق أخرى لأن غرف الجنازة كانت ممتلئة.
شاحنات بيرغامو
لا مكان لحرق الجثث
ولم يعد في إمكان محرقة الجثث في المقبرة اللحاق بوتيرة الكارثة البشرية التي سببها الفيروس. فأرسلت النعوش إلى بولونيا ومودينا وفيرارا لإحراقها.
ولاحقا تحولت تلك المقبرة إلى رمز معاناة أمة بأكملها، لا سيما وأن كل شخص تقريبا في بيرغامو فقد فردا من الأسرة أو صديقا أو زميلا أو جارا.
وفي المقبرة أضرحة فخمة من الرخام جنبا إلى جنب مع مدافن حفرت على عجل معظمها دون شاهد قبر تحمل ألواحا مع أسماء وصور المتوفين .
شاحنات إيطاليا
في الخط الأول
وعن تلك التجربة المريرة، قالت شابة بالغة من العمر 38 عاما تعمل في مؤسسة لدفن الموتى “عادة ننظم 1400 جنازة سنويا، لكن في آذار/مارس 2020 نظمنا ألف جنازة أي عمل سنة بكاملها خلال شهر واحد”.
كما أضافت أنها كانت تمر تحت الشرفات مع النعوش ملتقطة صوراً للجثث، للسماح للأقارب المعزولين بإلقاء النظرة الأخيرة على أحبائهم.
بيرغامو
“سنستنكر”
بدوره، قال لوكا فوسكو رئيس جمعية “نوي دينونشيريمو” (سنستنكر)، “أمضينا شهراً من دون أن نعرف مكان جثة والدي الذي توفي بسبب كوفيد في 11 آذار/مارس عن عمر يناهز 85 عامًا في دار لرعاية المسنين”.
وبعد ثلاثة أسابيع، أسس ابنه ستيفانو هذه المجموعة (سنستنكر) للدفاع عن ضحايا كوفيد على فيسبوك، وفي اليوم التالي كان عددهم أربعة آلاف والآن باتوا 70 ألفا.
بعد ذلك، تم تقديم 250 طلبا لإبلاغ الوقائع إلى السلطات دون تقديم شكوى إلى مكتب المدعي العام في بيرغامو “لإنصاف جميع الذين توفوا بكوفيد”. وتم فتح تحقيق.
إذا كل تلك المآسي، استرجعها أهل تلك المدينة الإيطالية قبل أيام، مع إحيائهم ذكرى الفاجعة التي سقطت عليهم، العالم الماضي، راخية ظلالا من الحزن أينما حلت.