لا تكاد تمر على الساحة الثقافية الدولية والعربية سنة دون أن يبصم خلالها المغاربة على مشاركة قوية، ويتوجوا في المسابقات الأدبية التي تشهدها بجوائز مستحقة تكرس “النبوغ المغربي” في مختلف صنوف الأدب.

وفي ما يبدو أنه تأكيد لهذه القاعدة، شهدت سنة 2021، التي لم يمض منها سوى شهر ونصف الشهر، الإعلان عن تتويج مغربيين في مجالي البحث الأدبي والشعر بجائزتين مرموقتين، هما الباحث الأكاديمي المغربي محمد مشبال، والشاعر والمترجم عبد اللطيف اللعبي.

فقد فاز الباحث محمد مشبال، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، خلال شهر فبراير الجاري، بجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب (البلاغة الجديدة) لسنة 2021، حيث أكدت الأمانة العامة للجائزة في بيانها أن لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب وموضوعها “البلاغة الجديدة” قررت منح الجائزة للباحث مشبال “لكونه صاحب مشروع علمي، وترتبط جل أعماله بموضوع الجائزة”.

واعتبرت الهيئة التي يرأسها الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، أن أعمال الأستاذ مشبال “تتصف بالعمق والجدة والأصالة، والجمع بين النظرية والتطبيق، وتسعى إلى ربط البحث البلاغي بحقول الأدب واللغة والاتصال، والتأسيس النظري والإجرائي لبدايات الخطاب البلاغي العربي الحديث وفق رؤية موسعة تنهض على دعوى التجديد”.

هذا التميز الذي أبان عنه الأستاذ مشبال حظي بإشادة واسعة، حيث اعتبر الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي إدريس اعويشة، في تعليقه على الحدث، أن هذا “التتويج والاستحقاق الكبير يأتي بعد المجهودات المتواصلة التي بذلها الأستاذ مشبال طيلة مساره الأكاديمي بالجامعة المغربية لأكثر من ثلاثة عقود”.

وعبر اعويشة، في هذا الصدد، عن “أحر التهاني” للأستاذ مشبال على “هذا الإنجاز العظيم”، متمنيا له مزيدا من الرقي والتألق في مساره الأكاديمي المتميز.
جامعة عبد المالك السعدي أكدت، من جانبها، في كلمة نشرتها على موقعها الإلكتروني، أن الأستاذ مشبال يتميز بأبحاثه الرصينة وتأطيره لمجموعة من الأبحاث العلمية والأكاديمية، معتبرة أن من شأن هذه الجوائز والتتويجات أن تعلي من شأن الجامعة المغربية وفق الاستراتيجيات الكبرى لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، تفعيلا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

من جهته، عبر الأستاذ مشبال عن شكره لمؤسسة الجائزة “على ثقتها في مشروعي العلمي في حقل تطوير البحث البلاغي”، مهديا هذا الفوز، بحسب قوله، “لكل من آمن بأن طريق العلم يحتاج إلى صبر ومثابرة ونكران الذات”.

هذا التفوق من جانب مشبال في لغة الضاد، وازاه تفوق مماثل في لغة موليير في شخص الشاعر عبد اللطيف اللعبي الذي توج في شهر فبراير الجاري بالجائزة الكبرى للشعر بمدينة ليون بفرنسا التي تحمل اسم الشاعر الراحل روجر كوالسكي.

واعتبرت لجنة تحكيم الجائزة، في بلاغها بهذا الخصوص، أن أعمال الشاعر المغربي تنهض بالالتزام الفني والفكري، كما أن معيشه يشكل المنبع الأصيل لمنجز متعدد يضم الشعر والمسرح والمقالة، ويتموقع في “ملتقى الثقافات”.

وفاز اللعبي بهذه الجائزة عن ديوانه “لا شيء تقريبا”، الصادر عن دار النشر (لو كاستور أسترال)، الذي قالت لجنة التحكيم عنه إن “مجموعة القصائد هذه التي تصهر اللحظات القوية لحياة أحدهم هي بشكل من الأشكال كتاب/وصية حافل(ة) بالحكمة والتفاؤل”.

وفي واقع الأمر، فإن فوز اللعبي بالجائزة الكبرى للشعر بفرنسا ليس سوى حلقة في عقد من التتويجات على المستوى الدولي، كان آخرها أيضا فوزه بجائزة محمود درويش للثقافة والإبداع لسنة 2020، وهو الفوز الذي عزته المؤسسة المانحة إلى كون “مسار اللعبي يقدم صورة قوية عن حضوره داخل مجتمعه، وعن الشعر محاورا للآخر، ومسائلا باستمرار لذاته وتحولاتها في خضم عالم يفتقر إلى السلام والأخوة، كما كان من أوائل من ترجموا للشاعر الكبير محمود درويش ولآخرين”.

بداية سنة 2021 كانت أيضا موعدا مع تتويج مغربي آخر تمثل في فوز الكاتبة الإسبانية من أصل مغربي نجاة الهاشمي بجائزة “نادال” للرواية في دورتها 77 عن رويتها “سيحبوننا الاثنين”، التي هي عمل إبداعي باللغتين الإسبانية والكتالانية يتمحور حول موضوع “البحث عن الحرية”.

وسبق للكاتبة نجاة الهاشمي أن فازت بعدة جوائز عن أعمالها الإبداعية، ومن بينها رواية “البطريرك الأخير” التي حازت جائزة “رامون يول” التي تعتبر أحد أهم الجوائز الأدبية بجهة كتالونيا.

هكذا تعلن سنة 2021 عن نفسها سنة واعدة كسابقاتها في ما يتعلق بالنبوغ المغربي في مجالات الثقافة والأدب على المستوى الدولي، والعربي خاصة، مجددة موعد المغاربة مع التألق ومتكشفة عن معين المملكة الذي لا ينضب من المبدعين.

hespress.com