شهدت مناطق عديدة، وفي القدس الشرقية، منذ نحو أسبوعين، صدامات شديدة، بين متظاهرين فلسطينيين من جهة، ومستوطنين يهود وقوات الشرطة الإسرائيلية، من جهة أخرى، على خلفية قرارات قضائية إسرائيلية، بإخلاء بيوت من حي الشيخ جراح، من سكانها الفلسطينيين، لصالح جمعيات استيطانية إسرائيلية.

وفيما يدافع الأهالي عن ملكياتهم للعقارات التي ولدوا وترعرعوا فيها في حي الشيخ جراح، يدعي مستوطنون يهود أنهم اشتروا تلك العقارات من جمعيات يهودية، كانت قد اشترت بدورها أراضي تلك العقارات منذ قرابة قرن، بحسب ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية.

لكن قضية حي الشيخ جراح، ليست بجديدة على مفردات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فقد هُجرت عدة عائلات فلسطينية من ذلك الحي عام 1948، وكان عام 1972، هو الوقت الذي زعمت فيه، جمعيات يهودية، أنها تمتلك وثائق بملكيتها للأراضي التي أقيمت عليها، منازل الحي، وتعود تلك الوثائق إلى أواخر القرن التاسع عشر، بحسب ادعاء لجنتي اليهود الأشكناز والسفارديم.

من هو الشيخ جرّاح؟

وحي الشيخ جرّاح، هو من مناطق القدس الشرقية التي يطالب الفلسطينيون بها، عاصمة لدولتهم. وتتضارب المعلومات في حقيقة اكتسابه هذا الاسم، وهوية الرجل الذي منحه اسمه.

فمن هو الشيخ جرّاح الذي يرقد الآن في صمته الأبدي، فيما يتنازع الآخرون، ملكية الأرض التي دفن فيها، فحملت اسمه؟

بحسب بعض المراجع التي طالعتها “العربية.نت” فإن أقدم الإشارات التي وردت عن حي الشيخ جراح، أو الشيخ جراح نفسه، جاءت من القرن الميلادي السادس عشر.

وقال مجير الدين الحنبلي، عبد الرحمن بن محمد المقدسي العُمري (860-928هـ) في كتابه: “الأُنس الجليل في تاريخ القدس والجليل” ويعرف بتاريخ الحنبلي، إنه رأى زاوية في القدس، باسم الزاوية الجراحية، وتقع بظاهر القدس، من جهة الشمال كما حددها، وأضاف: “ولها وقفٌ ووظائف مرتبة ونسبتها لواقفها الأمير حسام الدين الحسين بن شرف الدين عيسى الجراحي”.

وأضاف مجير الدين، أو الحنبلي، أن الجراحي المذكور، هو أحد أمراء الملك صلاح الدين الأيوبي، محدداً وفاة صاحب الوقف الجراحي، سنة 598 للهجرة، مؤكداً أنه دفن في تلك الزاوية، وأن هناك عدداً من المدفونين في جهتها القبلية، قد يكونون من جماعة الجراحي “والله أعلم” كما ختم صاحب الأُنس الجليل.

إلى ذلك، ورد اسم الجرّاح المذكور، عند اسم جليل، هو الشيخ عبد الغني النابلسي (1050-1143) للهجرة، الموافق (1641-1731) للميلاد، في كتاب رحلته إلى القدس، وسمّاه: “الحضرة الأنسية في الرحلة المقدسية”.

ويفاجئ النابلسي قرّاءه، بأن قبر الجراح، صار مزاراً، وأن اسم صاحبه، شيخ، بعدما ذكره الحنبلي، بأنه أمير، فيقول النابلسي: “فوصلنا إلى مزار الشيخ جرّاح، فوقفنا هناك وقرأنا الفاتحة” ويضيف: “هذا المزار، في المدرسة الجراحية” مستنداً إلى ما ذكره الحنبلي في تاريخه، دون أن يتطرق إلى أن الحنبلي كان قد وصفه بالأمير عند صلاح الدين الأيوبي.

من أمير إلى شيخ إلى طبيب

ويزداد الغموض، في هوية جرّاح، أميراً أو شيخاً، مع المصادر الحديثة. فبعدما كان أميراً، عند الحنبلي في تاريخه، ثم صار شيخاً بمزار، في رحلة الشيخ النابلسي، تبيّن أنه كان طبيباً، أيضاً، بحسب مصادر حديثة، لم تستند إلى أي مرجع سابق، في إطلاق هذه الصفة الإضافية، على جراح، من أمير، إلى شيخ، إلى طبيب.

وبحسب كتاب “المفصّل في تاريخ القدس” للموصوف بمؤرخ القدس، المؤرخ عارف العارف، فإن الشيخ جراح، كان طبيباً، دون أن يؤكد تلك المعلومة، إلا أنه نقلها في سياق ترجمته، للمدرسة الجراحية، ناقلاً أنه يقال إن الجراح، كان طبيباً خاصاً، للملك صلاح الدين الأيوبي.

كتب مؤرخين كبار خلت من هذا الاسم

يشار إلى أنه، من أشهر من حمل اسم حسام الدين، وتقره المراجع، من بين أمراء صلاح الدين الأيوبي، هو حسام الدين أبو الهيجاء، الملقب بالسَّمين، وهو من أكبر أمراء عسكر صلاح الدين من الكرد، بحسب مراجع تاريخية مختلفة.

وهناك، حسام آخر، هو حسام الدين بن لاجين، ابن أخت صلاح الدين، ووفاته كانت سنة 587هـ. أما قلعة “الجرَّاحية” فهي تابعة للمَوصل العراقية.

ولا تشير وفيات سنة 598ه، في كتب تاريخ إسلامية شهيرة، إلى وفاة شخص حمل هذا الاسم الذي قيل إنه من أمراء صلاح الدين. وذكر “الكامل في التاريخ” لابن الأثير المتوفى سنة 630 ه، وفاة جارية لخليفة عباسي، في هذه السنة، ولم يأت على ذكر وفاة شخص بحجم أمير عند الملك الأيوبي.

وكذلك “البداية والنهاية” لابن كثير المتوفى سنة 774 ه، لم يرد فيها، شيء عن وفيات سنة 598، يظهر وفاة أمير لملك بني أيوب، بل أعاد ما ذكره سلفه، ابن الأثير، من وفاة جارية لخليفة عباسي، في هذا التاريخ، والحال نفسه في “شذرات الذهب في أخبار من ذهب” لابن العماد الحنبلي (1032-1089) للهجرة، وكذلك في “سير أعلام النبلاء” للذهبي (673-748) للهجرة.

alarabiya.net