يخطط المصور الإماراتي العالمي يوسف الحبشي، أن يمنح عدسته مغامرة سياحية لاستكشاف جغرافيا المملكة العربية السعودية، التي يصفها بـ”بيئة جمالية خصبة بألوان الإبداع البصري”. وكشف في حديث خاص لـ”العربية.نت” عن وجود تواصل مستمر مع أحد الصروح العلمية المرموقة في المملكة، لإقامة زيارة علمية دراسية قريباً ستكون لجنوب المملكة تبعاً لطبيعة الدراسات، عندما تسنح الفرصة ويتم تخفيف القيود والإجراءات الاحترازية التي سببها وباء كورونا.

يوسف الذي حصد مؤخراً “جائزة حمدان بن محمد بن راشد الدولية للتصوير الضوئي”، في ملف مصور لهذا العام، لم يخف وجود صعوبات ومنغصات واجهته خلال إنتاج ملف الصور، موضحاً أن الصعوبة الأكبر في هذا الملف تطلبت تدقيقاً من خلال عدسات مكبرة ومجاهر بصرية للبحث عن الوجوه الخفية التي لا يمكن للعين المجردة إدراكها أو حتى الانتباه لوجودها من الأساس!

حيوانات تطير وبشر على الصخور

وقال الحبشي إن الفكرة الرئيسية حول الأعمال الفائزة هي عملية إظهار وجوه أقرب ما تكون إلى بشرية ضمن مساحات لا تتعدى المليمترات من على أجساد بعض الكائنات الدقيقة.

وعملية إدراك هذه الوجوه من العدم تعرف بـ”الباريدوليا” (Pareidolia) وهي حسب التعريف المتداول، ظاهرة نفسية يستجيب فيها العقل لمحفز عشوائي، عادة ما تكون صورة أو صوتاً، بإدراك نمط مألوف بالرغم من أنه لا يوجد أي شيء، مثل تخيل صور للحيوانات في السحب أو صورة بشرية في الصخور وغيرها من المظاهر المشابهة.

توثيق علمي ومشاريع للبيئة

وتتنوع الصور بين الجانبين التوثيقي والعلمي، خاصة أن أعمالها الضوئية ساهمت بحسبه في خدمة مشاريع بيئية.

وأوضح: “تم استخدام العديد من أعمالي من قبل جهات مختصة في المجال الزراعي للتصدي للآفات الزراعية النباتية ومحاولة زيادة الوعي للجمهور العام حول هذه الآفات وطرق محاربتها والتصدي لها. كما تم عرض مجموعة من أعمالي من قبل مجلات علمية داخل الدولة وخارجها مختلفة المستوى بدءاً من المستوى البسيط لزيادة الوعي الثقافي لدى الأطفال وحتى المجلات رفيعة المستوى لمجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية”.

ما هي تقنية المايكرو؟

ساهمت تقنية المايكرو، التي تنتمي لها أعماله، في نقل صور يوسف إلى العالمية من خلال تصدر أعماله أغلفة مجلات عالمية ومنصات إعلامية، معتبراً أن أدواته في صناعة اللقطة العلمية، تعتمد على الأسلوب العلمي لاكتشاف الخفايا المذهلة للمخلوقات التي لا تلتقطها العين البشرية.

ولفت إلى أن المنافسة تظل “مستمرة” وأجد كل من يملك النظرة المختلفة المميزة إضافةً إلى التقنية العلمية هو منافس محفزّ للاستمرار في خوض هذا المجال الشيق.

والمميز في لقطات يوسف، من الجانب الفني، قدرته على استخراج هذه الوجوه، إذ تعتبر من العمليات الصعبة لعدة أسباب، حيث إن عملية تحليل هذه الوجوه تختلف من شخص لآخر، بحسب تحليله ونظرته، بل وحتى إدراكه الفني والتي قد تجعل شخصين يقفان أمام العمل أن يرى كل منهما وجها مختلفا ضمن العمل المعروض.

واعتبر أن زمن كورونا أثّر على نتاجه الضوئي كمصور، سواء بسبب توقف حركة الملاحة الجوية ومحدودية اختيار وجهات سفر لمغامرة تصوير جديدة، مشيراً إلى أن مجتمع المصورين حول العالم أدرك مدى التأثير سواء أكان تأثيراً طفيفاً أم عميقا.

وأضاف: “لحسن الحظ، فإن طبيعة إنتاجي للأعمال لا تلزم علي ديمومية السفر لإنتاجها، فالجزء الأكبر منها يتم وسط أجواء معاملي الشخصية داخل المنزل”.

وجوه لكائنات ليست بشرية

وأضاف: “تعمدت في مجموعة أعمالي المشاركة من محاولة إبراز وجوه أقرب ما تكون بشرية أي تتضمن العناصر الأساسية ضمن الوجه البشري كالعينين، والأنف، والفم، في المخلوقات التي رصدتها، ذلك أن طبيعة هذه الأعمال تعتمد على تقنية الفوكس المتلاصق، وبالتالي فإن العمل الواحد يتكون من بضع مئات من الصور، يتم دمجها لإنتاج عمل واحد بنتيجة نهائية. مع العلم أن المجموعة المشاركة هي مجموعة مختارة من مجموعة أكبر سيتم الكشف عنها لاحقاً ضمن معرض فني.

وليوسف كغيره من المصورين، رسالة مستدامة تدعو للتأمل العلمي لجمال الكائنات الصغيرة مثل الحشرات وغيرها، ويجتهد فوتوغرافياً لإيصالها عبر مشاركاته في معارض تصوير مختلفة بالدولة، ويسعى لنقلها عبر لقطاته لجمهور متلقين لخدمة المجتمع.

ويخطط يوسف لإقامة معرض خاص لأعماله الضوئية الفائزة، يضم تشكيلة من روائعه المرتبطة بالمجموعة والتي لم تنشر أو تعرض حتى الآن.

دبيب خفي وفك الغموض

بوصف يوسف قناصاً للجمال، فهو صائد دبيب المخلوقات الصغيرة يلتقطها من أعتاب السماء ويقتفي أثرها في خباب الأرض، ويتقصى بعدسته تنوع مخلوقاتها الكبيرة منها والصغيرة، خاصة ما قد يخفى على العين المجردة البسيطة!

وأضاف:”علينا أن نتذوق الجمال أياً كان وأينما كان، فالحياة مليئة بكل ما هو جميل وما علينا سوى أن نسمح لأفق إدراكنا بتقبلها أولاً، ومن ثم معايشة هذا الطيف الجمالي”.

ويفسر يوسف اهتمامه بالمخلوقات الصغيرة والحشرات لإيمانه بأهميتها “وضرورة تأملها من ناحية أخلاقية والنظر إلى دورها المؤثر في تفاصيل حياتنا، فمن خلال تلك التجارب اكتشف أسراراً أن لكل مخلوق مهما صغر حجمه دورا مهما وفعالا في اتزان الحياة والدورة البيئية، وهذا الدور إما أنه قد تم اكتشافه أو لايزال بانتظار فك غموضه وإظهاره للبشرية من قبل المتخصصين والباحثين والعلماء”.

وتابع: “أي اختلال بسيط ستظهر نتائجه وأضراره لاحقاً والذي حتماً سيؤثر علينا في مرحلةٍ ما. وبالتالي، فإن رسالة نشر الوعي بماهية وأدوار هذه المخلوقات هي رسالة نبيلة في هذا العصر”.

وعلى الرغم من ذلك لا تزال لدى يوسف أفكار ورؤى جديدة يسعى لاستكشافها بعدسته في هذا المخلوقات الصغيرة، ونشر رسالته العلمية الثقافية الأخلاقية للأجيال المقبلة، التي بدورها ستكمل هذه المسيرة في ظل توفر تقنيات أحدث تيسر عمليات البحث والاستكشافات يوماً بعد يوم.

alarabiya.net