تارخ النشر: الأربعاء 12 فبراير 2020 KSA 15:50 – GMT 12:50
المصدر: العربية.نت – عهد فاضل
في إطار انتشارها الواسع في المنطقة العربية، خاصة، اعتمدت السلطة العثمانية مبدأ تبادل النفوذ مع دول كبرى، على حساب دول عربية مختلفة كان الباب العالي يعتبرها جزءا من وجوده السياسي والعسكري، إلا أنه تخلى عنها، وتركها فريسة للاحتلال الأجنبي، في مقابل احتفاظه بنفوذ في أمكنة أخرى.
وأظهرت مذكرات السلطان العثماني، عبد الحميد الثاني (1842-1918م) كيف أدار الاحتلال العثماني للمنطقة، مصالحه على حساب دول بعينها، خاصة في مصر وتونس اللتين، بحسب مذكرات السلطان الذي كتب عنه أكثر مما كتب عن غيره، تركهما فريسة للاحتلال الأجنبي، في مقابل احتفاظه بدول أخرى، كما قال، حرفيا، في مذكراته التي طبعت مرات كثيرة، في لغات مختلفة، إضافة إلى التركية والعربية.
فخور بما نسب إليه من تقصير!
في التفاصيل، شنّ عبد الحميد في مذكراته، هجوما عنيفاً على أحد رجاله المشهورين في ذلك الوقت، وهو سعيد باشا (1838-1914م) الذي تنقل في وظائف عدة في الدولة العثمانية، أعلاها منصب الصدر الأعظم، وكان، لاحقاً، أحد الذين قرروا خلع عبد الحميد عن الحكم. وكان سبب هجوم السلطان على الرجل، كونه انتقده على ما جرى في شمال إفريقيا، وحمّله مسؤولية ما حدث لمصر وتونس، كما قال السلطان ذاته: “حمّلني سعيد باشا في مذكراته، مسؤولية التقصير في مشكلتَي تونس ومصر، وإني أفخر بما أسنده إليَّ على شكل تقصير!”.
وكان الأكثر قربا من عبد الحميد، سعيد باشا، قد وجه سهام انتقاداته للسلطان، بسبب تخليه عن مصر التي احتلتها بريطانيا عام 1882، وتونس التي خضعت للحماية الفرنسية عام 1881.
عبد الحميد الذي كان قد اعتلى العرش العثماني عام 1876م، أي قبل وقوع مصر وتونس تحت الاحتلال الغربي، بسنوات قليلة. إلا أنه أعلن صراحة، السبب في “تقصيره” إزاءهما، كما قال مفتخراً بذلك، موضحاً أنه فعل ذلك للاحتفاظ بدول أخرى!
لهذا لم يدافع عسكرياً عن دولتين عربيتين
وقال السلطان في مذكراته: “لم أكن أتصوّر اتخاذ الحرب وسيلة لكل مسألة من المسألتين. ولو كنتُ اندفعتُ للمقاومة في تونس، فربما تسببتُ في ضياع سوريا! ولو وقفتُ بعنادٍ في مصر، لكنتُ بالتأكيد فقدت فلسطين والعراق!”.
كذلك أقر السلطان العثماني الذي قال إنه فخور بما نسب إليه من تقصير في مسألتي تونس ومصر أوصلهما أخيراً للوقوع في براثن احتلالين غربيين، إن سعيد باشا كان مصراً على وجوب تدخل الدولة العثمانية، عسكرياً، لحماية مصر من الاحتلال البريطاني، إلا أنه أجهض الفكرة من جذورها على حد اعترافه: “سعيد باشا المتردد المتوهّم، كان يبدو أحياناً شجاعاً، ففي فترة من فترات المسألة المصرية أبدى إصراراً على إعلان الحرب على إنجلترا، وإرسال جيش برّي إلى هناك، منَعتُ هذا”. ومنع السلطان هذا، وترك مصر فريسة للاحتلال كي يواصل احتفاظه بدول أخرى، كما قال.
ابنة السلطان العثماني تعاود الهجوم العنيف
فيما اكتفى السلطان، بالهجوم على سعيد باشا، بعبارات من مثل “المتوهم” وبأنه “أنكر فضله” عليه، قامت ابنة السلطان في مذكراتها، بأعنف هجوم على سعيد باشا هذا، خاصة أن الرجل كان من المتسببين بخلع أبيها من الحكم عام 1909م، بتهم سفك الدماء والظلم والإسراف، وغيرها من تهم وجهتها له “الاتحاد والترقي” في ذلك الوقت.
ففي مذكراتها التي نشرت بالعربية، بعنوان (والدي السلطان عبد الحميد الثاني) شنت الأميرة عائشة (1887-1960م)، هجوماً عنيفاً على سعيد باشا، في فصل بعنوان (والدي وسعيد باشا) قائلة إن والدها كان يولي الرجل أهمية عظيمة، ونقلت قول أبيها به بأنه “مكتبة متجولة ورجل عالمٌ وذكي” بدون أن تهمل ما ساقه السلطان عن سعيد بأنه أيضاً “ماكر، وجبان، ورعديد”.
تعريض بالرجل وبناته أيضاً
في سياق هجومها العنيف، قالت ابنة السلطان، إن سعيد باشا، كان رجلا بخيلا، بل إنه كان يتقصد الظهور أمام السلطان بأقدم ملابسه “وأكثرها قذارة”، وتقول إن أباها كان يعلم “هذا الطبع” عند الرجل، فيقوم بالطلب من خيّاطه الخاص (الترزي باشا) بحياكة عدد من الملابس له وتزويده بالأحذية أيضاً، بل إن السلطان كان يرسل له الطعام المطبوخ إلى بيته.
وعلى الرغم من أن الرجل كان في منصب الصدر الأعظم، فقد كانت ملابس بنات سعيد باشا “على أسوأ حال”، فيتم تقديم الأثواب لهنّ هديةً، تقول ابنة السلطان العثماني، في سياق تعريضها بالرجل وعائلته.
كما أضافت: “هاكم هو سعيد باشا، رجل من هذا الطراز، كم نال من خير والدي، ومع ذلك كان أول من بادر بالسير في خلعه من العرش”.
ولا تنسى أن تشير إلى الانتقادات التي سبق ووجهها لأبيها في مذكراته، وآلمتها كما آلمت أباها، وقالت: “وانتقده بغير حق في مذكراته الطويلة التي نشرها في ثلاث مجلدات، بعد إعلان الدستور”.
والأميرة عائشة عثمان أوغلي، ترتيبها العاشر بين أولاده، وسادس بنات السلطان عبد الحميد الثاني، من رابع زوجاته (مشفقة قادين أفندي) ونشرت مذكراتها في كتاب مستقل، للمرة الأولى عام 1960، وتوفيت قبل تمكنها من تصفّحه، إلا أنها كانت قد طالعت فصولا منه، لدى نشره أولا في إحدى المجلات.