اللحن، في العربية، بات يشمل كل الأخطاء المتعلقة بالنحو والإعراب، وهو من العيوب التي يشار إلى فاعلها بالبنان، بل إنه يتعرض للسب والشتم والإهانة، نظير لحنه الذي وقع فيه، أمام عالم أو عارف باللغة والنحو والإعراب.
وفهم الإعراب، على حقيقته، يمنع الوقوع في اللحن، لأن الأخير يظهر في أي استعمال لغوي، إذا لم يكن مبنيا على أساس إعرابي يتمثل بضبط أواخر الكلمات، بصفة خاصة، أو تحريك حروف الكلمات العربية التي يتغير معناها، ما بين هذه الحركة أو تلك.
وتحفل مصنفات العربية، بحوادث لحن ارتكبها البعض، أمام لغوي أو نحوي أو ناقد، أو قاضٍ ضليع بالعربية، وذلك للتنبيه على أهمية النحو والإعراب في العربية، للإبقاء على الفصحى، نقية تامة، وللحفاظ على تلك اللغة التي في جانب جوهري منها، هي لغة أدب وتصنيف منذ 14 قرناً، دون احتساب مرحلة ما جرى في تاريخ العربية، قبل فجر الإسلام.
الضمّة ورّطته فحكم القاضي لخصمه!
وتروي بعض كتب العربية، عن القاضي أبي عبيد، علي بن الحسين البغدادي المتوفى سنة 319هـ، وشغل من المناصب قاضي القضاة، وولي القضاء في مصر، قصة مثول رجلين أمامه، يدّعي أحدهما على الآخر، بمبلغ من المال، وذلك للفصل في القضية، وإصدار حكم.
وفي تفاصيل القصة، قام المدعى عليه، بالدفاع عن نفسه، فقال للقاضي: “ما لُهُ عليَّ حقٌّ” نطقها بالضمّ، دون أن ينتبه إلى أنه قالها “مالُه” أي مال المدَّعي، فيما كان يقصد النفي. ولإيضاح موقفه بدقة أكثر، سأله القاضي أبو عبيد: “أتعرف الإعراب؟” فقال المدعى عليه: “نعم” فقال له القاضي على الفور: “قُم، قد ألزمتكَ المال!”.
عندما قال “مالُهُ عليَّ حقٌّ” فهي تعني أن مال الرجل، حق عليّ، وكان في الأصل يقصد النفي بما أي ليس له، إلا أنه ضمّ اللام، فصارت تعني: مالُه حقٌّ عليَّ، ففهمت على أنها اعتراف منه، فحكم القاضي لصالح المدَّعي، فوراً، خاصة وأنه سأله إن كان يعرف بالإعراب، فأكّد معرفته به.
لحن في دعائه فخاف ألَّا يستجاب له!
واللحنُ في العربية، أمر جلل، يصل حدّ طلب الاستغفار، كما لو أنه كفرٌ، بحسب ما تواتر عن الإمام السختياني أبي أيوب (ت 131 هـ) الذي كان يستغفر إذا لحن بحرف من القرآن الكريم. ونقل عن ابن شبرمة (ت 144ه) وهو أحد قضاة الكوفة، قوله: “إذا سرَّك أن تعظم في عين من كنتَ في عينه صغيراً، ويصغر من كان في عينك عظيماً، فتعلّم العربية، فإنها تجريك على المنطق، وتدنيك من السلطان”.
ومن أقوله أيضاً: “ما لبس الرجال لباساً أجمل من العربية”. وتنقل المصنفات القديمة عن ابن سيرين (ت 110ه) قوله: “ما رأيت على رجل أحسن من الفصاحة”.
وكان يروى لشدة الخوف من اللحن في العربية، عن بعضهم: “ربما دعوتُ فلحنتُ فخفتُ ألاّ يُستجاب لي!”. ونقل عن الشعبي عامر بن شراحيل (ت 105هـ) قوله: “الجدريّ في الوجه، خيرٌ من اللحن في اللسان”. وتروي كتب العربية قصة أعرابي لا يلحن، أبداً، إلا أنه دخل السوق فرأى الناس تتكلم وتلحن فقال: “سبحان الله، تلحنون، وتربحون! ونحن لا نلحن، ولا نربح!”.
الإعراب خلّصه من قتل محتّم
وكان أبو عمرو بن العلاء (ت 154هـ) وهو أحد النحاة المشهورين والعارف بكلام العرب، كما ينقل عنه، قد سمع رجلا يتكلم فلحن أمامه، فقال له: “لا أراكَ إلا نذلاً!”.
وجاء رجلٌ يسأل عن الإمام إبراهيم التيمي (ت 92هـ) فقال لجاريته: “يا جارية، أين أبا أسماء” فلحن لأن الصواب “أبو أسماء” فقال التيمي لجاريته بعدما أغضبه هذا اللحن: “لا تُكلِّميه!”.
وبامتلاك ناصية الإعراب والنحو، في العربية، يتمكن القائل من توجيه المعنى كيف أراد، بل إن الإعراب في مرة، خلّص رجلا من القتل، بحسب ما يروى عن عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي.
وتقول الرواية إن الخليفة الأموي قال لرجل مثل بين يديه: “ألستَ القائل:
ومنّا سُويدٌ والبطينُ وقَعنبٌ
ومنّا أميرُ المؤمنين شبيبُ!”.
وشبيب المذكور هنا، كان رأس الخوارج، ويكون معنى عجز البيت أن أمير المؤمنين هو شبيب المذكور. فقال الرجل: إنما قلتُ “منّا أميرَ المؤمنين شبيب” بالنصب، أي يا أميرَ المؤمنين، فانقلب المعنى 100% فأمر عبد الملك، بتخلية سبيله، وخلّص القائلُ نفسه من القتل، بحركة إعرابية واحدة، غيّرت المعنى كلياً.