في مثل هذا اليوم، العاشر من أبريل، رحل الأديب والشاعر والرسام اللبناني، جبران خليل جبران، أشهر أديب لبناني في عصره، وأشهر كاتب عربي معروف في الغرب، في ذلك الوقت من الزمان.

ورحل جبران ليل يوم الجمعة، العاشر من أبريل، عام 1931، في الولايات المتحدة الأميركية، بعد معاناة طويلة من المرض، والذي تبيّن لاحقاً، بأنه كان مرضين، في الوقت نفسه، التليّف في الكبد، وبدايات إصابة في داء السل، في إحدى رئتيه، إضافة إلى معاناة سابقة عند الأديب الذي ترجمت أعماله، إلى أشهر لغات العالم، من مرض النقرس.

من “بشرّي” إلى “بوسطن”

ولد جبران خليل جبران، عام 1883 في منطقة “بشرّي” شمال لبنان، لأبيه خليل، وأمّه كاملة. وتلقى تعليمه الابتدائي، في مدرسة “بشرّي” التي لفت فيها، ذكاؤه، الأنظار، إلا أن نكبة أبيه بتهمة لفقت له، وصدور حكم عليه بالسجن، دفعت عائلته للرحيل عن البلاد، إلى الولايات المتحدة الأميركية، وإلى ولاية “بوسطن” بالتحديد، عام 1894.

عاود جبران، الرجوع إلى مسقط رأسه، في لبنان، مرة أخرى، عام 1898، لتنمية مهاراته وموهبته في اللغة العربية، إضافة إلى موهبته في التصوير والرسم، منذ وقت مبكر من حياته، كما يقول مؤرخون ودارسون، وانخرط في مدرسة “الحكمة” ذائعة الصيت، في تلك المرحلة، وهي واحدة من أشهر مدارس البلاد والمنطقة، وقتذاك.

الحُبّ الأول

الحُب الأول، لصاحب كتاب “النبي” الذي تُرجم إلى أكثر من ثلاثين لغة، ولد أثناء عودته إلى لبنان، حيث تعلّقت روحه بإحدى سيدات المنطقة، وهام بها، إلى أبعد حد، إلا أن هذا الحب لم يتوّجه بالزواج، إثر رفض أهل الفتاة، اقترانها به، فعاد جبران، مجددا، إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد سنوات قليلة قضاها ما بين بيروت، ومسقط رأسه “بشرّي” التي كانت حبّه الأبدي الذي أوصى بأن يدفن فيه.

مآس ومرض وإبداعات

وكانت حياة جبران، في الولايات المتحدة الأميركية، وما رافقها، من مآس بفقده أمّه وشقيقيه، مزيجاً من الانكباب على العمل والكتابة والرسم، إلى الطاقة القصوى، وصدرت أولى مقالاته في وقت لاحق، عام 1903، ثم عام 1905، وسط معاناة لا توصف من شظف العيش، خفف من غلوائها وقساوتها، انصرافه التام إلى القراءة والكتابة والتأمل والرسم.

شهدت حياة جبران، في “بوسطن” الأميركية، انخراط المبدع في الحياة الثقافية هناك، الأمر الذي انعكس على تجربته، سواء في الرسم، أو الكتابة، أو العلاقات الشخصية التي كان لها دور كبير، في تنمية موهبة هذا الأديب الذي تجمع مختلف المصادر، أنه لا يزال الأديب العربي الأكثر قراءة، في الولايات المتحدة الأميركية، نظراً للشهرة التي حظيت بها، بعض مؤلفاته، ككتاب “النبي” الذي لا يزال يطبع، إلى الآن، في اللغة الإنجليزية.

وواظب على نشر مقالات شعرية الطابع، تحت عنوان “دمعة وابتسامة” ما بين عامي 1903 و1908، ثم نشرت مجموعة في كتاب، عام 1914، حاملة العنوان ذاته: دمعة وابتسامة. وهو كتاب مشهور بين قراء العربية، إلى وقتنا الحالي.

وكان صدر له، كتابه الشهير الآخر، أرواح متمردة، عام 1908، في نيويورك، ثم “الأجنحة المتكسرة” عام 1912، وكشف فيه، عن حبّه الأول، في بيروت، عندما كان لا يزال طالبا، هناك، كما يقول ميخائيل نعيمة، الأديب اللبناني الشهير، وهو يقدّم لأعمال جبران الكاملة.

مبدع بوجهين: عربي وإنجليزي

ومع أنه ترك العديد من النصوص الشعرية العربية المكتوبة بالقافية والوزن، يؤكد الأديب ميخائيل نعيمة، بأن أول وآخر نص شعري كتبه جبران، متقيدا فيه بالوزن والقافية “لخلق عمل فنّي له شأنه” هو قصيدة “المواكب” عام 1919 التي أصدرها مؤلفها، مزودة برسومه التي وضعها بيديه، وقد كان رساماً كبيراً، أيضا، بحسب مؤرخي الأدب أو الفن التشكيلي، في الوقت نفسه.

ويعتبر كتاب “العواصف” آخر كتاب عربي أصدره جبران، دون أن ينقطع عن الكتابة بالعربية، بل كان آخر مقال كتبه باللغة العربية، عام وفاته، 1931، إلا أن عدد مجلة “السائح” لم يصدر، فلم يقيّض لجبران، رؤية مقاله، مطبوعا ومنشوراً، بحسب ميخائيل نعيمة.

وأتقن جبران، اللغة الإنجليزية، كأبرع أهلها فيها، كتابة ونطقاً، وكان لإتقانه تلك اللغة، الدور البارز لرواجه في أوساط النخبة المثقفة وعموم قراء الغرب، فأصدر باللغة الإنجليزية، كتباً عرفت لاحقاً بالعربية، من طريق التعريب، هي: “المجنون” عام 1918، و”السابق” عام 1920، و”النبي” عام 1923، و”رمل وزبد” عام 1926، و”يسوع ابن الانسان” عام 1928، و”آلهة الأرض” 1931، و”التائه” 1932، وأخيراً، “حديقة النبي” 1933، بحسب القائمة التي نشرها الدكتور جميل جبر، في كتابه عن أعمال جبران خليل جبران، المنقولة إلى العربية، عن الإنجليزية.

والرسّام الذي أسس الرابطة القلمية

وإلى جانب موهبته المفرطة في الكتابة، انصبّ جبران على تعلم مختلف تقنيات الرسم والتصوير، فذهب إلى باريس، وعزّز فيها لغته الفرنسية، إلى جانب انخراطه في مدرسة لتعلم الرسم، أفاد فيها، من التعرف المباشر على أشهر لوحات العالم في الفن التشكيلي، إلى جانب ولعه ومعرفته الواسعة، بالموسيقى.

أسس جبران، الرابطة القلمية التي انتُخب عميداً لها، في مهجره، هو ومجموعة من أدباء تلك المرحلة، كنسيب عريضة وخليل نعيمة ورشيد أيوب، وعبد المسيح حداد، وكان لها الأثر البالغ، في الحركة الثقافية والأدبية العربية، امتدّ لسنوات طويلة، بعدما أُعلن عن تأسيسها، عام 1920، فيما كانت قد خرجت إلى الوجود، قبل سنوات، من هذا الموعد، إنما كنقاشات وتداول أفكار، حيث برز اسم الرابطة القلمية، كعنوان، في منشورات سبقت الإعلان الرسمي عن الولادة.

وتقول المصادر التاريخية، إن جبران، كتب كتابه “النبي” خمس مرات، على خمس سنوات، قبل نشره، بحسب نشرة جامعة “اللويزة” اللبنانية عن جبران الذي أصبح مؤلفه –النبي- كنزاً من “كنوز الأدب الإنجليزي الذي ستغرف منها الأجيال” كما نقلت الجامعة السالفة الذكر، عن ماري هاسكل، الأديبة الأميركية والشخصية المرموقة التي تركت أعظم الأثر في حياة جبران الأدبية والشخصية.

أدب يعود إليه البشر

وقالت هاسكل عن كتاب جبران الذي كان قد أعيد طبعه عشر مرات، باللغة الإنجليزية، عام 1926: “سيكون الكتاب مرجعاً مفيداً يعود إليه البشر جيلا بعد جيل، وسيزدادون له حباً واحتراماً مع تقدمهم أكثر”.

اشتهر جبران، بعلاقته الأدبية التي لا تقل عنه شهرة، مع الأديبة مي زيادة، بتراسلهما المعروف والذي خضع بدوره، لآراء الإخباريين المعاصرين، ما بين من يؤكد قصة علاقة حب بينهما، أو أن الأمر كان مجرد توق لعلاقة عميقة مع روح متعبة قلقة، همّها الانطلاق والكشف عن الآفاق الرحبة، في النفس البشرية أو العالم الخارجي.

وكانت الأديبة الأميركية، بربارة يونغ، والتي ألفت أحد أشهر الكتب عنه، من صديقات جبران، إلى جانب الأميركية ماري هاسكل التي تعتبر الأكثر شهرة في حياة الأديب، والتي تركت عظيم الأثر في حياته، من مختلف الجوانب.

هام بلبنان وعاد إليه إلى الأبد

وها هي ساعات الأجل، تقترب، فيعيش جبران، ساعاته الأخيرة، مرضاً وضعفاً، وبدأت علامات “الموت ترتسم على وجهه، وأصغي إليه في صوته” بحسب نشرة “اللويزة” نقلاً عن عبد المسيح حداد، الذي عاده قبل أربعة أيام، من وفاته، حيث رحل عن دنيانا، في العاشر من شهر أبريل، سنة 1931، والذي يصادف وقوعه اليوم، السبت.

ويشار إلى أن مؤلف “النبي” دفن في الولايات المتحدة الأميركية، بادئ الأمر، إلا أنه، ونزولا عند رغبته، فقد تم نقل رفاته، لدفنه بعد شهور من وفاته، في لبنان، مسقط رأسه، وهو البلد الذي تعلّق به، وعشقه، حدّ الهيام، كما سبق وقال الأديب ميخائيل نعيمة عنه ويصفه بالعبقري، في مقدمته لكتاب أعماله الكاملة، عام 1949، والتي اقتبس فيها، إحدى جمله الشهيرة: “جئتُ، لأقول كلمة، وسأقولها، وإذا أرجعني الموت، قبل أن ألفظها، يقولها الغد. فالغد لا يترك سرّاً في كتاب اللانهاية”.

alarabiya.net