تارخ النشر: السبت 22 فبراير 2020 KSA 19:44 – GMT 16:44
المصدر: العربية.نت – عهد فاضل
العامية في سوريا، كالعاميات الأخرى، في اللهجات العربية الكثيرة، أصلها ضارب في اللغة العربية الفصحى، في غالبيته. إلا أن كثيرا من العاميات السوريات، تم تصنيفها، خطأ، كامتداد للغات قديمة أخرى، فيما هي كلمات عامية أصلها فصيح، حسب ما أقرت بذلك، أمهات العربية.
واحتُسبت كلمات سورية عامية، كثيرة، وبالمئات، على لغات من غير اللغة العربية، من مثل كلمة (القاشوش) والتي يطلقها السوريون على الشاب في ورق اللعب، وهو الذي يحق له أن “يقش” غيره أي يفوز عليه ويجمعه. وبالفصحى، قشَّ الشيء، جمعه. والاسم قشيشٌ وقُشاش، والنعتُ: قشَّاش وقَشوش. فيما كل ما فعلته العامية السورية، هي إطالة الفتح في قَشوش، الفصحى، وحوّلت الفتح ألفاً، فصارت قاشوش.
وعلى مثل وزن قاشوش، عامية سورية هي داسوس، وتقال بذات معنى الجاسوس، وهي من الدّس، تقول الأمهات هي من تدسّه ليأتيك بالأخبار. والدَّردرة، تقال للشيء المتساقط، أو بمعنى عدم الانتظام في الحركة والوقوع، وغالباً ما تقال في وقوع الحبوب من الأطباق وغيرها، وفي الفصحى، إذا تدردرت اللحمة، فقد اضطربت، وترجرجت. والفصيح فيها، تتدردر، وحذفت التاء للتخفيف. ويشار بالدرادر، إلى مغارز الأسنان، في الفصحى، ومن هنا اشتقت الدردرة العامية السورية بقصد سقوط الحَب، أو عشوائية سقوط الأشياء الصغيرة، خاصة. ويرى البعض أن الأصل في الذرّ.
“ضايج”
وعن السأم أو الملل، وأشدّ مما تعنيانه، يرد في العامية السورية كلمة “ضايج” وهي أقوى الملل، مع شِدّة. وأصلها الفصيح في أضجَّ القومُ إذا صاحوا وفزعوا. وضجة القوم، جلبتهم. وهنا، تكون “ضايج” العامية، حاملة معنى الضجر، إنما مع شِدة، وهو ما يقربها من أصلها في الضجيج. وضجّ بشيء، امتلأ به. والضجاج، بالفتح والكسر، القسرُ والمشاغبة.
ويعتقد، خطأ، في العامية السورية “رِجّال” والتي تقال عن واحد الرجل، إنما بقصد التأكيد على قوته وشهامته، بأنها من العاميات. والصحيح أنها من فصيح هو الرَّجَّالة في الحرب، والرَّجَّال، هنا، الواحد. ويقال هذا رَجلٌ وهذا راجِلٌ كما في العامية المصرية. وتورد بعض أمهات العربية، أن كلمة الرجل وحدها، تقال بمعنى الصفة، وتعطي معنى الشدة والكمال. وهذا ما يظهرها في العامية السورية “رِجَّال” كما تلفظ، مانحة صفة القوة، قبل أن تكون اسماً.
“اللّقش”
وتتجنّب بعض أمهات العربية، كلمة “اللّقش” العامية السورية، وهي تأتي بمعنى الكلام الكثير قليل النفع، أو الكلام الذي يقال بقصد إمرار الوقت في سهر وغيره. فيما أمهات أخرى كتاج العروس تؤكد أن اللَّقشَ نوعٌ من الكلام، ويشير نقلاً من غيره، أن من معاني اللَّقش، العيب. ومن مثل وزن الكلمة، اللّكش، ومنها يرد في العامية السورية “التكشَ” فيه، أي حاوره أو اتصل به أو أشعره بوجوده. وفي الفصحى اللَّكش، هو الضربُ بجمع الكف، وهي أقرب لمعنى التنبيه عبر أثر الضرب. وترد بالعامية على الشكل التالي: “ما حدا التكش فيه” أي لم يلمسه أحد أو يتصل به أو ينبّهه إلى وجوده أو يعيره أي اهتمام. ويقال في العربية: لكشه يلكشه لكشاً. إلا أنها من الكلمات التي لم ترد في جميع المعجمات.
وإذا حدّق في النظر وأطال، يقال في العامية السورية “بلّق” فيه وتلفظ “مبلِّق” أي ينظر بحدة وتركيز مع عدم إشاحة النظر. وفي الفصحى، يقال: بلق الرجل، تحيَّر ودهش، وبلق البابَ، فتحه كله. ثم يقال: البَلِقُ، الذي برقت عينه وحارت! وهي بداية المنشأ الأصلي للعامية السورية التي تقول “مبلّق” على شدة نظر مع حيرة وعجز وانبهار وإطالة تحديق.
“غوار الطوشة”
ويقال الطوش والطوشة، في عامية السوريين، ومنها اسم شخصية “غوار الطوشة” الشهيرة في الدراما التلفزيونية المشهورة. ويقول السوريون “مطووش”. وينقل بعض اللغويين في تاج العروس، أن الطوش هو خفة العقل.
ويقول البعض عن كلمة الحريش الواردة في القول العامي السوري “يحرق حريشك” بأن الثانية تحريف لكلمة “حريم”. وهو خطأ شائع، لأن الحريش التي يطلب لها الحرق، في العامية السورية، هي من أسماء الحشرة الكريهة المسماة أم أربعة وأبعين، في أمهات العربية التي ذكرت أن الحريش المطلوب لها الحرق، في الجملة العامية، هو اسم أيضاً لأكثر من كائن ما بين الحقيقي والأسطوري: دابة لها مخالب كالأسد، أو هي دابة بحرية. وهكذا تكون “يحرق حريشك” هي طلب حرق لحيوان مؤذٍ، كدلالة إبعاد للشر عنه، خاصة وأن الحريش هو من أسماء أنواع من الأفاعي، أيضا.
وترد كلمة “الجكر” بالعامية السورية، بمعنى المعاندة وقصد مشاغبة الشخص وعرقلته. ففعلت هذا “جكر” بفلان. وفي الفصحى، تستعمل كلمة أجكَر بقصد الإلحاح الحاد في طلب الشيء، ويقال أجكر الرجلُ، وجكر، وهي في أقصى الإلحاح عندما يصبح لجاجة.
ويقال عن الشيء إذا وقع، بغتة، سلتَ، في العامية السورية. والسلتُ في الفصحى، الإخراج باليد، ويقال سلتَ أنفه بالسيف، وسلت شَعره، حلقه، وسلت الشيء قطعه. وأصل السلت، القطع، في العربية.
“شقّفه”
ويقال للقطعة من الشيء، شقفة، في السورية، وإن قطع الشيء “شقّفه” وتستعمل تهديداً عوضا من أقطّعك تقال “أشقّفك” بالعامية. وفيما هي قليلة الورود في أصول الكلمات العربية الفصحى في الأمهات، فإن تاج العروس يقول إن الشَّقَف هو مكسَّر الخزف، والقطعة من الخزف، يقال لها شُقافة. ويشار بالشقفة، في العامية السورية، إلى جزء من كل غالبية مسميات: قطعة الخبز، قطعة القماش. ويطلب السوريون قطع اللحم “شقف” إذا كانوا يريدونه مقطّعاً.
ومن الجدير بالذكر أن غالبية الكلمات السابقة الواردة من العاميات السوريات، كانت من جملة مئات الكلمات التي سبق وحُرِمت من أصلها العربي الفصيح، في موسوعة سابقة ضخمة تعنى بالكلمات العامية السورية. فيما أمهات اللغة العربية، أشارت إلى أنها وردت في لغة العرب، وإن كان بعضها غير منصوص عليه في جميع المعجمات.