احتفى مهرجان كان السينمائي الدولي بحضور المخرج الإيراني أصغر فرهادي بمعية فيلمه “البطل” بعد أن أكمل مونتاجه في باريس وعرض في اليوم ما قبل الأخير للمهرجان والفيلم مرشح لأكثر من جائزة، وكانت رئاسة المهرجان متخوفة من عدم حضوره كما في السنوات السابقة التي كانت تحضر فيها أفلامه دون أن يتمكن من السفر بسبب الإقامة الجبرية المفروضة عليه.
لكن فرهادي فهم لعبة النظام في إيران وهو يحاول مسك العصى من الوسط ويتعامل مع هذا النظام الذي يحكم منذ 40 سنة برقابة شديدة على المبدعين، حيث حكم على العديد منهم بالسجن والإقامة الجبرية وعدم ممارسة المهنة، مثلما حصل مع المخرج جعفر بناهي و عباس كيارستمي وحمد رسولوف ومحسن مخملباف وابنته سميرة مخملباف، التي خطفت الكاميرا الذهبية من مهرجان كان عن فيلمها الرائع “تفاحة” قبل 20 عاما.
من الفيلم
ظلت هذه الأسماء إلى جانب فرهادي تحصد الجوائز وهي خلف جدران الوطن بسبب أحكام قضائية مفبركة، وحده محسن مخملباف فهم اللعبة بعد أن أصبح مقتنعا بأن مشاريعه السينمائية التي تروي معاناة الشارع الإيراني لا يمكن تنفيذها مع الرقيب الإيراني، فقرر أن يغادر إيران إلى باريس حيث فتحت له شركات الإنتاج كل ما يحتاجه من أجل إخراج أفلامه الجمالية، ثم استقر في لندن. هذه المغادرة بعد دخوله معترك العمل السياسي حيث تولى منصب الناطق الرسمي للثورة الخضراء التي اجتاحت المدن الإيرانية (2009) قبل أن تقمعها قوات الحرس الثوري الإيراني.
من الفيلم
المخرج فرهادي يتجنب غضب السلطة في إيران
تدور أحداث الفيلم “بطل” في مدينة “شيراز” التي يعود إليها فرهادي مخرجا لينقل لنا صورة مصغرة عن عالم السجون والعلاقات المجتمعية التي أصابها التلف بسبب الضغوط السياسية والقمع اليومي للاحتجاجات السلمية في إيران، من خلال شخصية “رحيم”، وجسدها الممثل أمير جديدي بنجاح كبير، وهو المسجون بتهمة عدم تسديد ديون سابقة عليه وبسبب شكوى من شقيق زوجته السابقة. وعن طريق الصدفة تعثر زوجته السابقة على حقيبة نسائية بداخلها عملات ذهبية ثمينة وتعرض عليه بيعها وتسديد الديون المترتبة عليه. يقتنع في البداية، لكن صحوة ضميره تدفعه أن يرفض الطلب ويبدأ بالبحث عن السيدة صاحبة الحقيبة.
أصغر فرهادي وبطل فيلمه أمير جديدي ومنتج الفيلم الكسندر
“رحيم” أصبح بطلا أمام سجانيه ويقوم مدير السجن الساعي إلى طمس موجة الانتحار بين السجناء، إلى نشر القضية إعلامياً، غير أن مستخدمين للشبكات الاجتماعية “السوشيال ميديا” يشككون في صحة الرواية ويعتبرها البعض مجرد تمثيلية لكسب تعاطف الرأي العام، ما يحوّل “رحيم” من بطل إلى منافق بنظر المجتمع فيتغير كل شيء بين ليلة وضحاها.
مجتمع قاسٍ وغير متسامح
وهو ما أكد عليه المخرج فرهادي في مؤتمره الصحفي بعد عرضه الرسمي في مهرجان كان السينمائي، حيث قال: “هناك طريقتان للتعامل مع هذه الموضوعات.. إما أن يوجه المرء نقدا مباشرا، وإما أن يحلل المجتمع وينتقده من خلال قصة”. وأضاف “بالنسبة إلى البعض انتقاد المجتمع لا يعني انتقاد النظام لكن كل شيء مترابط”.
“رحيم” في فيلم “بطل” ظلمه المجتمع مرتين الأولى عندما وضعه في السجن والثانية لم يكن متسامحا معه وأعاده للسجن، هذا الظلم الذي يسبب تزايد حالات الانتحار في السجون الإيرانية.
المخرج أصغر فرهادي وكاتب السيناريو أيضا يرصد التحولات الكبيرة في المجتمع الإيراني الذي تغير كثيرا خلال حكم الملالي في إيران وتطبيقها لنظام غلبت عليه القسوة وغاب التسامح وأصبح العنف ميزة الشارع الإيراني. فرهادي لم يغص كثيرا في كشف عيوب المجتمع الإيراني الحالي وكان حذرا من الممنوع ومقص الرقيب الإيراني الذي لا يرحم لذلك لم يقترب من الخط الأحمر المرسوم له وإلا سيعود إلى الإقامة الجبرية وعدم ممارسة مهنة الإخراج وهذا ما لا يتمناه أصغر فرهادي ولا محبيه في إيران والعالم.