لَم تتوقّف دينامية الهجرة غير النظامية رغم إجراءات حالة الطوارئ الصحية في المغرب، وفق ورقة للمعهد المغربي لتحليل السياسات.

وتقدّم ورقة تحليل السياسات هذه، التي أعدّها الباحث محمد كريم بوخصاص، مثالا بإنقاذ وحدات خفر السواحل التابعة للبحرية الملكية المغربية ثلاثة وتسعين من الساعين إلى الهجرة غير النظامية القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء يوم 18 يونيو الماضي، وإعلان السلطات الإسبانية وصول 986 مهاجرا من جنوب الصحراء إلى أراضيها ما بين منتصف مارس و3 ماي الماضيَين، رغم إغلاق المغرب لحدوده منذ 12 مارس وَفقا للإجراءات الاحترازية ضدّ تفشّي وباء “كوفيد-19”.

وترى الورقة أنّ استمرار عمليات الهجرة غير النظامية في ظل حالة الطوارئ الصحية، رغم انخفاض أعداد الساعين إليها، “تعمق من معاناة هذه الفئة”؛ موردة أنه “في الأوضاع العادية، فإن هؤلاء المهاجرين غير النظاميين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء يعتبرون في نظر الأمم المتحدة فئة هشة، تعاني تحديات جمّة في الحصول على العلاج الطبي وتأمين الحد الأدنى من شروط العيش الكريم، ومما يزيد في معاناتهم غياب مراكز إيواء خاصة بسبب رفض الحكومة المغربية توفيرها لهم”.

وتقدّم الورقة مثالا على زيادة معاناة المهاجرين غير النّظاميّين خلال أزمة كورونا بـ”عدم تسليم السلطات لوثيقة التنقل، مما جعلهم يواجهون خطر التوقيف أثناء التنقل لاقتناء ما يحتاجونه من أغراض”، إضافة إلى “عدم اتباع السلطات إجراءات الوقائية أثناء وضعهم في مركز الاحتجاز”، و”صعوبة الحصول على القوت اليومي وما يحتاجون من مواد غذائية نتيجة قيام السلطات بفرض حالة حصار مضاعف على المخيمات التي يقطن بها المهاجرون غير النظاميين خلال فترة الحجر”، و”منع جمعيات المجتمع المدني من الوصول إليها لإيصال المساعدات الغذائية والطبية إليهم”.

وتذكّر الورقة بأنّ عدد المهاجرين غير النظاميين يقدَّر بما بين 25 ألفا و40 ألفا، معظمهم من دول جنوب الصحراء، وَفق تقديرات وزارة الداخلية سنة 2013، في ظلّ استمرار عدم وجود إحصاءات رسمية محينة، مضيفة، من خلال المعاينة الميدانية للباحث، أنّ “المهاجرين ينتشرون أساسا في ثماني مدن تعتبر مراكز تجمّع رئيسية: أربع منها في الشمال وتُطل على المتوسط (طنجة، وتطوان، والحسيمة، والناظور)، وثلاث في الوسط (العاصمة الرباط، والدار البيضاء، وفاس)، وواحدة في الشرق هي وجدة التي تعتبر بوابة المهاجرين غير النظاميين، رغم استمرار إغلاق الحدود مع الجزائر منذ ربع قرن”.

ويمتدّ انتشار المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، حَسَبَ المصدر ذاته، إلى ستّ عشرة مدينة أخرى بسبب موقعها كمناطق عبور، أو لكونها هدفا لعمليات التّرحيل التي تقوم بها السلطات، في مقدمتها تيزنيت وأكادير وإنزكان ومراكش، ثم آسفي وبني ملال وخريبكة وبنجرير وقلعة السراغنة، فالفقيه بنصالح وسوق السبت وورزازات وتنغير والرشيدية وزاكورة، ثم أزيلال كآخر مدينة استقبلت مهاجرين مُرحّلين في يونيو 2019.

وتسجّل الورقة أنّه رغم المجهودات التي بذلها المغرب في سبيل تسهيل اندماج المهاجرين الدوليين، إلا أن المهاجرين غير النظاميين يعانون من تحديات ثلاثة في ما يخصّ عيشهم السليم، وولوجهم إلى العلاج، وغياب مراكز إيواء خاصّة بهم.

وأضيف إلى هذه الصّعوبات، حَسَبَ الورقة، عدم تسليم السلطات وثيقة التنقل الاستثنائية إليهم على غرار المواطنين المغاربة، “مما سبب لهم متاعب وصعوبات في التنقل لاقتناء الأغراض التي يحتاجونها، وأصبحوا معرّضين للتوقيف في حالة مغادرتهم مأواهم. دون أن تنفع بعض المطالب في تسليمهم الوثيقة المذكورة التي تضمن حرية التنقل إلى مكان العمل أو لأجل اقتناء المشتريات الضرورية للمعيش اليومي في محيط مقر السكن أو العلاج أو اقتناء الأدوية”.

ومِن بين الصعوبات المرتبطة بفترة الحَجر الصحي أيضا، “عدم اتباع السلطات إجراءات الوقاية أثناء وضع المهاجرين الموقوفين في مركز الاحتجاز الواقع في منطقة أركمان بالناظور، مثل التباعد الاجتماعي وتوفير الكمامات”، بعد استئناف تدخلات السلطات ضد مخيمات المهاجرين في 15 أبريل الماضي، عقب توقف منذ 13 مارس من السنة الجارية.

ومِن بين المؤشّرات المساهمة في تفاقم معاناة مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء، حَسَبَ الورقة نفسها، “تقلُّصُ عمل جمعيات حماية المهاجرين خلال أشهر الحجر الصحي إما لسبب ذاتي أو بسبب منعها من توزيع المساعدات لاعتبارات أمنية وصحية”. وهو ما برز “بشكل واضح في مدينة الناظور بسبب بُعد المخيمات عن مركز المدينة”.

كما تنبّه الورقة إلى استثناء المهاجرين مِن الاستفادة من الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل المتضررة من فيروس كورونا، رغم أن عددا منهم يشتغلون في هذا القطاع. وهو ما حدث “رغم مطالبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتوسيع التدابير المتخذة لدعم كل الفئات الهشة، بما فيها المهاجرون واللاجئون”، وهو ما “كان سيكلف حوالي 96 مليون درهم فقط باحتساب الحد الأقصى من عدد المهاجرين المتوقع في 40 ألفا، وثلاثة أشطر من الدعم كما هو منصوص عليه، ممّا يشكل أقل من 1 بالمئة من المبلغ المرصود للعملية المحدد في 11 مليار درهم”.

وترى الورقة أنّ المهاجرين قد تأثّروا بشكل مباشر بحالة الحجر الصحي في البلاد، بسبب تقييد الحركة وحملات الترحيل من منطقة إلى أخرى التي تنهجها السلطات، مسجّلة أنّ حالة الطوارئ الصحية التي كان من أهمّ إجراءاتها تعليق حركة التنقل بين المدن قد أوقفت حركيّة المهاجرين بشكل جزئي، باستثناء تحركات قليلة تم رصدها بين مدينتي وجدة والناظور.

hespress.com