لا يتأتى اندماج الأطفال في وضعية إعاقة داخل المجتمع إلا بتقبل محيطهم لمفهوم الإعاقة والتعايش معها؛ هذا ما عبرت عنه جل التوصيات في المجال، لكن يبدو أن هذا الاندماج يبقى بعيد المنال، والتأكيد يأتي من داخل المنازل حيث لا تتقبل بعض الأسر المغربية تواجد طفل معاق داخل البيت، وحيث ما يزال التعاطي مع الإعاقة يتسم بنوع من عدم الرضا وكثير من التستر وكأن الأمر يتعلق بفضيحة.
“هاجر.. امرأة ونصف”
“ما يحس بالمزيودة غير اللي مضروب بها”؛ هكذا هو واقع حال الأسر التي تضم أفرادا مصابين باضطرابات وإعاقات تحولت معها الحياة إلى عبء كبير، كما غدا النوم والخروج للتنزه أو زيارة الأهل، أو حتى حضور حفل زفاف، أمرا يحسب له ألف حساب قبل الأقدام عليه، وتضطر أسرة الطفل المعاق إلى الحد من تحركاتها وتنقلاتها وزياراتها، مخافة الانتقادات أولا، ولتفادي الإحراج من سوء تصرف الطفل المصاب بالإعاقة، أو هروبا من نظرة اشمئزاز أو شفقة.
قصص عديدة تكشف بعضا من المسكوت عنه، وتفضح كثيرا من المستور داخل شقق تضيق بمشاكل قاطنيها وما يدخل ضمن القاموس الشعبي المرتبط بالعار. لم يكن إقناع هاجر، اسم مستعار، وهي المنحدرة من مدينة وزان، لتقديم شهادتها سهلا؛ إذ تطلب الأمر أسبوعا من التواصل والتشجيع.
الإعاقة بين الطب و”الدجل”
هاجر تبلغ من العمر حوالي 25 سنة وهي أم لطفلتين، إحداهما تعاني من إعاقة عقلية وحركية. لم تدم فرحة هاجر بالمولودة الصغيرة طويلا؛ إذ لاحظت جمود صغيرتها ميساء، وقلة حركتها، خلال الأشهر الأولى من ولادتها، وهو ما دفعها إلى الاستشارة والسؤال.
دارت الأرض بها وخارت قواها ولم تتوان في عرض طفلتها على أطباء الأطفال بكل من القنيطرة والرباط، “ما خليت بها حتى شي طبيب وخسرت عليها أكثر من 10 ملايين كمصاريف تحاليل وفحوصات وسكانر وتخطيط ديال الدماغ، أي حاجة كانوا يقولوها لي كنت كندريها”، تقول الأم الشابة.
وأضافت في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أنها اضطرت في أحيان كثيرة إلى قصد بيت “الفقيه” والأولياء والأضرحة، موردة: “عارفة هادشي ممزيانش ولكن الكبدة ديالي كتقطع ملي كنشوف بنتي فهاد الحالة، اللي قالي دبحي فروج دبحتو واللي طلب لي حولي جبتو، ولكن الحمد لله رضيت بقدر الله وخا مرة مرة كنقنط وكنبغي نخرج من الدار ومنرجعش ولكن هادشي اللي بغا الله. الله يشوف من حالها وحالي”، تحكي الأم المكلومة قبل أن تغالبها الدموع.
تطرف في الإعلام والكوميديا
عبد المالك أصريح، باحث في السياسات العمومية الموجهة للأشخاص في وضعية إعاقة، حمل وسائل الإعلام و”السكيتشات” مسؤولية تكريس النمطية والصور السلبية، وتبنيها لمقاربة متطرفة بخصوص الشخص المعاق، قائلا: “إما أن تقدمه بطلا خارقا وينسب النجاح إلى الإعاقة، وكأنها سبب النجاح وليس مجهودات وقدرات الشخص، أو تقدمه في وضعية ضعف وفق مقاربة إحسانية يغلب عليها التنمر”، داعيا إلى ضرورة دمج هذه الرؤية ضمن دفاتر التحملات من أجل تحديد الإطار المرجعي لتناول الإعاقة في وسائل الإعلام والسينما.
وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن “التعاطي مع الإعاقة ما يزال معيبا؛ إذ مازال كثيرون يعتبرونها شيئا غير عادي وحدثا استثنائيا، وهو الرأي السائد لدى المجتمع المغربي بالنظر إلى الموروث الثقافي والتمثلات السلبية والنفسية للإعاقة”.
وضرب الفاعل الحقوقي المثال بالجنين المنتظر، “حيث تسود تلك الصورة المثالية عن الوسيم أو الجميلة الذي أو التي ستلج الدنيا، أما إذا حل الوافد الجديد مشوها أو يعاني من عاهة وإعاقة، تحدث صدمة نفسية، وهنا وجب مواكبة الأبوين والطفل وتجاوز هذه الفكرة السلبية، خاصة أن الإعاقة في المجتمع المغربي تعد مرادفا للقصور والعجز والاتكالية، وأحيانا كثيرة تصنف عقابا إلهيا، وهي أمور غير دقيقة ونظرة غارقة في السلبية”.
لا ينكر الفاعل الجمعوي أصريح أن “الأمور تتغير حتى وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة، إلا أن هناك تطورا بفعل بروز الأشخاص ذوي الإعاقة وتبوئهم لمناصب قيادية، خاصة داخل المنظمات والجمعيات، ونحتاج إلى إذكاء الوعي وتغيير الاتجاهات السلبية نحو الأشخاص، وذلك بإعطاء دفعة لمشروع التربية الدامجة”.
من جانبه، قال حمزة الإبراهيمي، أخصائي في العلاج النفسي الحركي: “ليس من السهل أن يكون الشخص مرافقا لطفل أو فرد من ذوي الإعاقة، لا سيما وسط مجتمع تصعب فيه ظروف الإدماج وتتدنى فرص التكفل العلاجي وغلاء حصصه التي تكلف الكثير، ناهيك عن طول مدة العلاج وضرورة الالتزام المستمر بها في كل الظروف والأحوال”.
وأضاف نائب رئيسة الجمعية الوطنية لأخصائيي العلاج النفسي الحركي بالمغرب أن “أكثر ما يثقل كاهل الأسر ويهد حالها، نظرات الإقصاء والمعاملة الرافضة التي يتلقاها الأطفال في بعض المؤسسات التي ترفض إدماجهم أو ترفض ملاءمة المناهج حسب خصوصياتهم وحاجياتهم”.
وشدد المصدر ذاته على أن العديد من الأسر تشتكي إلى اليوم من إيجاد فضاء مدرسي دامج، خصوصا بالقطاع الخاص، يستوعب الطفل المعاق ويعتبر خصوصيته ويفرد له حيزا للتمدرس والاختبار حسب قدراته ومهاراته، وكذا غياب التكوين المناسب للأساتذة في مجال الإعاقة وإعادة التأهيل والإدماج.
وكسف الأخصائي ذاته، في حديثه لهسبريس، أنه وقف على حالات لعائلات مكسورة الخاطر، يتساوى فيها الفقير والغني، وتنعدم حياتهما معا، “أسر مكلومة تقع بين مطرقة واقع مجتمعي لا يعترف بخصوصية الإعاقات وسندان برامج وسياسات عمومية في مجال الإعاقة تظل حبرا على ورق”.