واقع جديد تعيشه المبادرات المدنية المتضامنة مع القضية الفلسطينية؛ فبعدما كانت الوقفات المساندة لفلسطين والمنددة بانتهاك دولة الاحتلال حقوق الشعب الفلسطيني تعرف حضور قيادات سياسية حزبية ووزراء سابقين وحاليين مغاربة وسفراء، قوبلت بالمنع ابتداء من نهاية السنة الماضية 2020، وهو ما يستمر في السنة الجارية 2021.

أحدث محطات هذا المنع تمت في مدينتي الرباط والدار البيضاء، مطلع الأسبوع الجاري، بعد تدخل السلطات العمومية، بحجة منع جميع الوقفات بسبب حالة الطوارئ الصحية المستمرة للحد من انتشار جائحة “كورونا”.

هاتان الوقفتان جاءتا تضامنا مع الفلسطينيين ضد ما وقع من اقتحام إسرائيلي للمسجد الأقصى وتضامنا مع المرابطين به، بعد محاولات إسرائيلية لإخلاء عائلات فلسطينية من مساكنها في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة منذ عام 1967، بسبب دعوى قانونية ضد هذه العائلات تهدد بتهجيرها من منازلها لصالح مستوطنين إسرائيليين يطالبون بأراضيها.

محاولة الإخلاء دفعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى الدعوة إلى إيقاف جميع عمليات إجلاء الفلسطينيين، بما في ذلك إجلاء العائلات في حي الشيخ جراح، قائلة إن القدس الشرقية تظل جزءا من الأرض الفلسطينية المحتلة، مع تنبيهها إلى أن القانونين الإسرائيليين المستعملين في هذه النازلة يطبقان بطريقة تمييزية بناء على جنسية المالك أو أصله؛ وهو ما يعني أن نقل مجموعة من السكان المدنيين التابعين للسلطة القائمة بالاحتلال إلى الأراضي التي تحتلها محظور بموجب القانون الإنساني الدولي، وقد يرقى إلى “جريمة حرب”.

ويرافق هذا المستجد إعلان منظمة “هيومن رايتس ووتش”، متم شهر أبريل الماضي، أن السلطات الإسرائيلية تمنح في المناطق التي تحكمها أو التي لها فيها سلطة رئيسية “امتيازات بشكل ممنهج لليهود في أغلب مناحي الحياة، وتميز ضد الفلسطينيين”؛ وهو ما يصل في بعض المناطق، وفق تقرير للمنظمة الحقوقية، إلى “درجة أنه يرقى إلى مستوى الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضد الإنسانية”.

في هذا الإطار، دعت منظمات مدنية إلى وقفات تضامنية مع المقدسيين خاصة وفلسطين المحتلة عامة، قبل أن تقابل هذه الوقفات بمنع لم يعد مفاجئا منذ 14 دجنبر 2020. أمر علق عليه الحقوقي سيون أسيدون بقول: “كارثة عظمى قمع هذه الوقفات، تزيد على الكوارث التي نعيشها. (ونحن في احتجاج) ضد جريمة ضد الإنسانية، اسمها التطهير العرقي أو تهويد القدس؛ فإخلاء حي الشيخ جراح من سكانه واستبدالهم بمستوطنين هو ما يسمى بالضبط في القانون الإنساني الدولي بالتطهير العرقي، وهو جريمة ضد الإنسانية”.

وسبق أن قال أسيدون، في تصريح لـ هسبريس، متم سنة 2020، إن المغرب يعيش لحظة “لا يمس فيها، حسب علمه، التضامن مع فلسطين بالعصي الكبيرة، بل بالدفع، في تدبير مختلف عن تدبير الاحتجاجات الاجتماعية”. مضيفا: “بالتأكيد، يمنع التعبير عن موقف مخالف للموقف الرسمي من التطبيع؛ ولكن هل سيستمر المنع على هذا المنوال، أم سيلجأ إلى العنف؟ (…) هذا عنصر إذا تم سيزيد تأجيج استنكار الناس للسياسة الرسمية الجديدة للمغرب تجاه فلسطين منذ اليوم العاشر من شهر دجنبر”.

هذه المرحلة دخلها المغرب الآن، وفق أحدث تصريحات أسيدون لجريدة هسبريس الإلكترونية. حيث يقول: “نظرا للسياسة الرسمية للتطبيع، وضرورة طمأنة شركاء المغرب في التطبيع، دخلنا في مرحلة لم تعد فيها المعارضة الصهيونية مسموحة في هذه البلاد، واستنكار جرائم الصهاينة في القدس، كما اليوم، صار ممنوعا في بلد يترأس لجنة القدس؛ وهو أمر نرفضه، ونعتبر المنع الذي تعرضنا له اليوم من البلادة السياسية”.

ويزيد الحقوقي: “في وقت سابق، كان المجال العمومي مفتوحا على مصراعيه.. والسلطات الرسمية تريد أن تعارض، اليوم، شيئا عميقا في الوجدان المغربي. ولن يعود لها هذا إلا بالعكس، خاصة في هذه الظروف التي يقدم فيها الشعب الفلسطيني قتلى وجرحى، وتمس رموز عندها أهمية كبيرة بالنسبة للمغاربة؛ فلسطين، والقدس على الخصوص، والأقصى”.

ويشدد أسيدون على أنه “ما دام الصهاينة قد اختاروا الاعتداء بهذه الشراسة، فمن المفروض أن تضامن وتعاطف الشعب المغربي طبيعي ومفروض، ومنعه خطأ فادح”، قبل أن يضيف مؤكدا أن منع الوقفتين والوقفات السابقة “لا ينفي عدالة ومشروعية الدفاع عن الشعب الفلسطيني، بل يعني هذا أن المغرب دخل في هرولة التطبيع بهذا الشكل، وتعامى المسؤولون عن المصلحة الحقيقية للبلاد؛ فمصيرنا مرتبط بمصير الشعب الفلسطيني، لا بمصير الصهاينة”.

hespress.com