تحوّل استمرار قرار إغلاق المساجد المُتخذ في إطار الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد إلى محلّ تشكيك من طرف البعض بـ”وجود نية لاستهداف الإسلام بالمغرب”، ويعلّلون موقفهم هذا بإعطاء الدولة الإذن لفتح عدد من المنشآت التي تم إغلاقها خلال فترة الحجر الصحي والإبقاء على إغلاق المساجد.

وفيما يُعلَّل قرار الإبقاء على إغلاق المساجد بكونها فضاءات يصعب إلى حد الاستحالة أن تُطبّق فيها تدابير الوقاية من انتقال عدوى فيروس كورونا بين المصلّين، دون أن يصدر أن توضيح إلى حد الآن من الجهات الرسمية، وهي المجلس العلمي الأعلى، فإن فرضية “المؤامرة على الإسلام” ما فتئ انتشارها يتوسع ويتم التعبير عنها في مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من أن خطر فيروس كورونا ما زال قائما، بل إن انتشاره في المغرب يسير في منحى تصاعدي خلال الأيام الأخيرة، إلا أن بعض رموز السلفية وحتى العامّة يرون أن إغلاق المساجد في المناطق التي لم تُسجّل فيها إصابات جديدة أو عرفت تسجيل حالات قليلة، “لا مسوّغ له شرعا”، كما ذهب إلى ذلك الشيخ رشيد أحمد بنكيران.

هذا الأخير قال في منشور على صفحته في موقع “فيسبوك” إن “الأعذار التي بُنيت عليها فتوى إغلاق المساجد لم تعد موجودة الآن، وأي تغافل عن هذه الحقيقة الواقعية يعدّ جريمة في حق بيوت الله وفي حق المسلمين”.

في المقابل، يدحض فقهاء هذه المزاعم، ويعتبرون أن إغلاق المساجد درءا لخطر فيروس كورونا يجسّد إحدى الكليات الخمس للإسلام، وهي حفْظ النفس، ذلك أن إعادة فتحها دون التأكد من زوال الخطر فيه تهديد مباشر لحياة المصلين.

محمد بوبلي، أستاذ بمعهد محمد الخامس عضو المجلس المحلي لإقليم تارودنات، قال إن صلاة الجماعة في المسجد لا تستوفي أركانها وفق المذهب المالكي الذي يتبعه المغاربة إلا إذا تمت في صفوف متراصة، وإذا حصل تباعد بمتر أو متر ونصف، فإن الصلاة تفقد صفة صلاة الجماعة.

وأردف المتحدث في مقطع فيديو يشرح فيه هذه المسألة، تتوفر عليه هسبريس، أن الأئمة في المغرب يحرصون قبل تكبيرة الإحرام على تنبيه المأمومين إلى أن يُسوّوا صفوفهم ويحاذوا بين المناكب، من أجل أن يتحقق تراصّ الصفوف، “أما إذا صلى الناس بمسافة بين مصلّ وآخر، فإن مسألة تسوية الصفوف لا تتحقق”.

وفي اتصال هاتفي مع هسبريس، فضّل بوبلي عدم إعطاء مزيد من التوضيحات حول هذا الموضوع، وقال إن ما صرح به في المقطع الصوتي فيه من التوضيح ما يكفي، وأكد في هذا المقطع أن جزءا كبيرا من جمهور العلماء يقولون إن صلاة الجماعة سنّة وليست فريضة، وبإمكان المصلّي أن يؤدّي الصلوات المفروضة في أي مكان، إلى أن تتيسّر شروط أداء الصلاة جماعة في المساجد.

ونبّه المتحدث إلى أن الذين يدعون إلى فتح المساجد وخطرُ انتقال عدوى فيروس كورونا ما زال قائما، “يستهترون بالأمن ولا يعرفون قيمته عند الله”، مضيفا أن “تعطيل صلاة الجماعة في المساجد غايته حماية أرواح المسلمين. هذا هو الدين الذي يجب الالتزام به، أما المخاطرة بأرواح الناس فليس من الفقه وليس من العلم في شيء”.

وختم المتحدث بالقول إن قرار فتح المساجد من عدمه يعود لأهل العلم الذين تستشير معهم الجهات المكلفة بإنفاذ القرار، معتبرا أن سبب إغلاق المساجد ما زال قائما، ولا يجب قياس المسجد على الحمام أو المقهى، وغيرهما من الفضاءات التي أعيد فتحها، “لأن ما يجوز فيها من تباعد اجتماعي وغيره من تدابير الوقاية لا يجوز في المساجد”.

الموقف الذي عبّر عنه بوبلي هو الذي تتبناه الجهات الرسمية، إذ أكد مصدر مسؤول بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن إعادة فتح المساجد رهين بعودة الحياة إلى وضعها الطبيعي، أي زوال خطر انتقال عدوى الإصابة بفيروس كورونا.

وأكد المصدر ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن فتح المساجد في وقت ما زال فيه خطر “كوفيد-19” قائما معناه أن المصلّين سيؤدّون صلواتهم وسط فضاء تنتفي فيه الطمأنينة التي هي من شروط صحة الصلاة، بسبب الخوف من الإصابة بالفيروس.

وفي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات البعض منادية بفتح المساجد في وجه المصلّين، حتى لا يُحرموا من أجر صلاة الجماعة وصلاة الجمعة، قال المصدر الذي تحدث إلى هسبريس إن المصلّي إذا صلى في بيته فله أجر الجماعة؛ لأن البلاد تمر، على غرار باقي بلدان المعمور، بظروف خاصة واستثنائية.

المصدر المسؤول ذاته قال، ردا على بعض الأصوات التي تقول بإمكانية أداء الصلاة في المساجد مع الالتزام باحترام مسافة الأمان بين المصلين، إن هذا الأمر غير ممكن، بالنظر إلى العدد الكبير للمصلين الذين يتوافدون على المساجد، وخاصة في صلاة الجمعة، حيث يستحيل تطبيق إجراء التباعد الاجتماعي، مشيرا إلى أن المساجد تم إغلاقها بناء على فتوى من المجلس العلمي الأعلى، وهو الجهة الوحيدة المخوّل لها بالبتّ في مسألة إعادة فتحها.

hespress.com