اعتراف شبه رسمي بـ”فشل” العملية التعلمية الافتراضية بالمدرسة العمومية المغربية، ينضاف إلى الانتقادات العامة التي تطال التعليم عن بعد منذ بداية السنة الجارية، سواء تلك الصادرة من طرف الأطر التربوية أو الأسر أو الهيئات الموازية أو التلاميذ أنفسهم.
وبعدما اعترفت وزارة “التربية الوطنية” ضمنيا بعدم فاعلية التعليم الرقمي لمّا قررت استثناء الدروس المُقدمة بعد 16 مارس المنصرم، أقرّت المندوبية السامية للتخطيط بدورها بـ”الصعوبات التعليمية” التي واجهت الناشئة التعليمية؛ لاسيما في ما يتعلق باستيعاب فحوى المقرر الدراسي.
وأوردت المندوبية السامية أن الدافع الرئيسي وراء عدم متابعة الطفل لدورات التعليم عن بعد يتمثل في قلة الوعي بتوافر القنوات المخصصة لذلك؛ وذلك بنسبة 43.7 بالمائة، موزعة بين 39.8 بالمائة في الحواضر و45.5 بالمائة في القرى، وبين 24 بالمائة لدى الأسر الغنية مقابل 45.5 بالمائة لبقية الأسر.
وتفيد شهادات العديد من الآباء والأمهات بأن أغلب الأطفال الذين يتوفرون على الأجهزة الإلكترونية ينغمسون في شبكات التواصل الاجتماعي طيلة الوقت، ويواجهون أيضا عراقيل كبيرة على مستوى إدراك الدروس المندرجة ضمن المقرر التعليمي، بالنظر إلى عدم تشجيع المدرسة العمومية للتعلم الذاتي، في مقابل اعتمادها على التلقين القائم على الحفظ.
وتوجد شريحة كبيرة من التلاميذ لا تتابع المضامين التعليمية المتوفرة في الوسائط الرقمية، خاصة تلك المستقرّة بالدواوير، بما في ذلك درعة-تافيلالت وسوس-ماسة وبني ملال-خنيفرة وغيرها، بفعل ضعف شبكة الأنترنيت وغياب اللوحات الإلكترونية لدى الأطفال، وارتفاع نسبة الأمية داخل عائلات العالم القروي، ما يحول دون المواكبة التربوية المتواصلة للتلميذ.
كما يطرح التعليم عن بعد، تبعاً لشهادات الفاعلين التربويين في القطاع، إشكالات عملياتية على مستوى المناهج الدراسية، اعتباراً لكون طريقة التلقين في المدرسة العمومية تعتمد على كتب دراسية معدة ديداكتيكيا للتعليم الحضوري، وهو ما لا يمكن تنزيله على التعليم الافتراضي، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف التربوية المنشودة.
وفي هذا الإطار، قال عبد الوهاب السحيمي، إطار تربوي، إن “الإحصائيات التي قدّمتها المندوبية السامية للتخطيط ليست جديدة، بل سبق أن رصدت حيثيات الموضوع في السنة الماضية، بعدما أبرزت أن عدد التلاميذ الذين استفادوا من التعليم عن بعد لا يتعدى 17 بالمائة؛ فيما لم يستفد من العملية قرابة 83.5 بالمائة من المتعلمين”.
وأضاف السحيمي، في تصريح لهسبريس، أن “الوزارة الوصية على القطاع اعترفت بنفسها بفشل التعليم عن بعد، الموجود في البلاغات التي تُصدرها فقط، عندما قررت استثناء الدروس التي قدمتها للتلاميذ خلال فترة التعليم عن بعد من الامتحانات الإشهادية وفروض المراقبة المستمرة، مُكتفية بالدروس المقدمة حضوريا إلى غاية 16 مارس”.
وأوضح الفاعل النقابي أن “كل ما تتحدث عنه وزارة التربية الوطنية غير موجود على أرض الواقع، سواء تعلق الأمر بالتعليم عن بعد أو التعليم بالتناوب، بل حتى التعلم الذاتي غير موجود البتة، لأن المتعلمات والمتعلمين يعتمدون على الدروس الحضورية فقط، على اعتبار أن نظام التفويج المعتمد سيحول دون إتمام المقررات الدراسية”.
وأكد محدّثنا أن “الوزارة لم تقم بأي استثمارات لإنجاح العملية، من خلال توفير الهواتف واللوحات الإلكترونية للتلاميذ، وعقد اتفاقيات مع شركات الاتصالات لتوفير تغطية الأنترنيت بالمجان للتلامذة، إلى جانب تكوين الأساتذة والأستاذات في المجال، وإعداد مناهج دراسية جديدة، ما يعكس غياب النية الحقيقية لدى الفاعل الحكومي”.