أطلقت سبْع مؤسسات فكرية وطنية، اليوم السبت، مبادرة ترمي إلى الانتقال إلى مغرب المواطنة المتجددة، والارتقاء إلى الدولة الديمقراطية الحديثة التي ترسى فيها دعائم بناء مؤسساتي وديمقراطي مرتكز على الحريات العامة وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا في كونيتها وعدم قابلتيها للتجزيء.

وتأتي المبادرة، التي أطلقتها مؤسسات ومراكز فكرية تحمل أسماء قامات ورموز وطنية، بهدف “ملء الفراغ وخلق فرص للنقاش والحوار دون أي دوغمائية أو تحجر فكري”، كما جاء في أرضيتها التي تلا مضمونها إسماعيل العلوي، مبرزا أنها “ليست جامدة أو منغلقة، وليست صدامية ولا تهدف إلى أي مواجهة كيفما كانت”.

المؤسسات والمراكز الفكرية التي أطلقت المبادرة هي مؤسسة علال الفاسي، ومؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، ومؤسسة علي يعتة، ومؤسسة أبو القادري، ومؤسسة عابد الجابري للفكر والثقافة، ومركز بنسعيد أيت يدر للدراسات، ومركز محمد بلحسن الوزاني للديمقراطية والتنمية البشرية.

وأكدت المؤسسات المذكورة خلال الندوة التمهيدية للحوار الشامل الذي دعت إليه أن ما يحركها “هو الإحساس بالمسؤولية والروح الوطنية الصادقة، واعتبارنا أن الوقت حان لاستنهاض الهمم بمبادرة جماعية لحوار وطني ونقاش عمومي من أجل مغرب المواطنة المتجددة”.

ولفتت الهيئات صاحبة المبادرة إلى أن المواطنين “متعطشون لبناء مغرب الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، بمقاربة متقدمة من حيث أشكال التعاطي مع المسألة التنموية بمختلف أبعادها، وينشدون التغيير الذي يستجيب لتطلعاتهم ويلبي انتظاراتهم وينعكس إيجابا على أوضاعهم ومعاشهم اليومي”.

وذكّرت المؤسسات ذاتها بورش الحماية الاجتماعية، معتبرة أنه يكتسي أهمية بالغة في إرساء دعائم مشروع مجتمعي قوامه الكرامة والعدالة الاجتماعية، وكذلك التطور المسجل على مستوى تطور البنى التحتية؛ غير أنها اعتبرت أنه رغم هذه الإيجابيات “إلا أنه لا بد من الاعتراف بالنقائص والثغرات المسجلة على الخصوص في المجالات الاجتماعية وبرامج محاربة الهشاشة”.

وتتجلى النقائص والثغرات التي سجلتها المؤسسات المذكورة في “تعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية، واستفحال مظاهر التخلف والإقصاء الاجتماعي، وزيادةٍ في حدة الشعور بالحرمان والبؤس لدى كثير من المواطنات والمواطنين”.

وشهدت الندوة التمهيدية لإطلاق الحوار الوطني الشامل من أجل مغرب جديد مداخلات العديد من الشخصيات المغربية الداعمة للمبادرة، إذ توقف الأكاديمي المغربي محمد نور الدين أفاية عند ما سمّاه “مشكل التضخم في تشخيص الأوضاع”، وزاد موضحا: “لا نعدم التشخيص ولا نعدم إبراز الأعطاب، ولكن المشكل هو الجمود الذي نعيش فيه”.

وفي وقت أولت الأرضية التي أعدتها المؤسسات صاحبة المشروع أهمية كبرى لمسألة استعادة ثقة المواطنين في المؤسسات وفي العمل السياسي، اعتبر أفاية أن تعزيز الثقة يقتضي الاقتناع بأن تكون للناس حقوق، وذلك عبر توسيع دائرة الاهتمام بكل القوى والجهات والفئات، لأن الاعتراف يطرح مسألة جوهرية وهي العدالة الاجتماعية.

وشدد أفاية على أن ثمة حاجة إلى إنتاج مضمون جديد للحوار، لأن الحوار تعرض للفساد، مشيرا إلى إن هناك وعيا جماعيا “قوامه ألا مجال لانتظار كل شيء من الدولة أو أن يأتي كل شيء بطريقة فوقية، وعلى الجميع أن ينخرط في هذا المسلسل الجماعي”.

من جهتها قالت الدكتورة لحلو، الخبيرة في العلاقات الدولية، إن “مشروع إعادة الثقة للمواطن في العمل السياسي بالمغرب يُعدّ مشكلا لم يتم النجاح في حله”، وأردفت بأن الدليل على فشل كسب تحدي نيل ثقة المواطنين “هو أننا في أي انتخابات نفكر في إعادة الثقة للمواطن في السياسة والمؤسسات فقط لكي يصوت، ولم ننجح في هذا التحدي، بدليل استمرار العزوف، والتشكيك في شرعية الانتخابات، لأن المواطنين لم يعبروا جميعا عن آرائهم”.

ونبهت الخبيرة في العلاقات الدولية إلى أن جائحة فيروس كورونا غيرت جميع المعطيات، “ومخطئ من يعتقد أن الوضع سيعود كما كان عليه”، مشيرة إلى أن وضع مشروع مغربي خاص يقتضي استحضار وجود نظام عالمي جديد، وأشارت، في السياق نفسه، إلى أن أي دولة تريد أن تتخذ قرارا سياسيا، في الماضي، كان عليها أن تأخذ بعين الاعتبار العولمة، معتبرا أن هذا التحديد ازداد الآن، “فإذا كانت السيادة فيما قبل تشكل خمسين في المائة فإنها الآن لم تعد تتعدّ عشرة في المائة، لأن التحكم في الأموال والمعلومة فعل فعلته”.

وتوقف الأنثروبولوجي عبد الأحد السبتي عند مسألة استعادة ثقة المواطنات والمواطنين في العملية السياسية وفي المؤسسات، مبرزا أن هذا يقتضي إعادة الثقة بين المجتمع والطبقة السياسية بشكل عام.

وأضاف المتحدث ذاته أن المغرب يشهد بروز مطلب العدالة المجالية الذي بلغ ذروته مع حراك الريف، وتجدُّد ملف الحريات العامة، مع التضييق على حرية التعبير والتظاهر، وانكشاف الهشاشة الاجتماعية والصحية في سياق الأزمة الوبائية.

hespress.com