استقبل محامون وحقوقيّون، رقميا، زميلهم المحامي محمد المسعودي بعدما أُطلِق سراحه عقب إتمامه عقوبة حبسية، إثر حادثة سير، بعدما عُرِفَ بمشاركته في دفاع مجموعة من القضايا البارزة؛ من بينها ملفّ معتقلي “حَراك الريف”، و”اكديم إيزيك”، كما كان محامي الرّابّور، اللاجئ ببلجيكا حاليا، معاذ الحاقد، وصحافيين مثل حميد المهداوي وهشام المنصوري.

ويأتي هذا اللقاء الرقمي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بزاكورة، بعدما أُطلِقَ سراح المحامي المسعودي في الأسبوع الجاري، وحالةُ الطّوارئ الصحية لا تزال مُعلنَة، ممّا حال دون استقباله أمام سجن عين بورجة بالدار البيضاء.

وقالت نعيمة الكلاف، محامية، إنّها “كانت تعرف المسعودي باسمه، في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قبل أن تصير محامية، بعدما تردّد دائما كُلِّما طُرِحَت محاكمات للرّأي، وكان لا يتردّد ولا يقول لا، ولو كانت المحاكمات متزامنة، اليوم في طنجة، غدا في مراكش (…) واليوم مراكش وغدا ورزازات”.

وأضافت المحامية، في لقاء رقميّ نظّمته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – فرع زاكورة، أنّه قد جمعتها مع المسعودي ملفات حقوقية عديدة في المحاماة، ثم استرسلت قائلة: “الغريب هو أنّنا عندما نكون في شدّة الغضب والفوران يكون هو الوحيد الذي يواجهنا بالابتسامة، ويستمرّ في المرافعة دون عياء ويجيبنا بابتسامة إذا اشتكَينا، وعندما أجده في محاكمة معيّنة أحسّ بالارتياح”..

وفضلا عن المحاكمات الكثيرة التي شارك فيها المسعودي، تشدّد الكلاف على أنّ احترامها له قد زاد “عندما لم يعتبر اعتقاله انتقاما، بل اعتبَر نفسه مواطِنا عاديّا، وقع له حدث معيَّن، ويقضي عقوبته”، ثمّ عندما زارته في السّجن مع زميلة لها “وجدناه في السجن، مبتسما، بحيوية زائدة على المعتاد، وعازما على إمضاء عقوبته دون مشكل”.

وهنّأ عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، “الرفيق المسعودي باستعادته حريّتَه”، وزاد: “في زمن الحَجر الصحي والتباعد الاجتماعي لا يمكن لمشاعرنا أن تُحجَر، وكنّا نتمنى أن نكون جميعنا أمام سجن عين بورجة لاستقبالك، (…) أمام هذه الردة التي يعيشها المغرب وأنتَ أعلَم بها، نحنُ في أمسّ الحاجة إلى مناضلين من طينتك”.

واسترسل غالي قائلا: “هذه المحنة التي مرّت أبانت عن المعدن النقيّ للأستاذ المسعودي، الذي كان دائما حاضرا أمام المحاكمات التي مرّت، وكان جميع رفاقه ورفيقاته يتساءلون فيها ما الذي كان سيفعله لو كان حاضِرا؟”، ثم أضاف الحقوقيّ مذكّرا: “لا يخفى عليكم دور المحامين الذي لعبوه قبل تأسيس الجمعية، وأثناء تأسيسِها، وبعد ذلك، وكان إطار هذه المهنة النبيلة، داعما للعمَل الحقوقيّ، وكان إحدى ركائزه بالمغرب، وكانت البيانات الصادرة عن الإطارات المنظّمة للمحامين تنتصر لحقوق الإنسان، ودولة الحقِّ والقانون”.

وأجمل عزيز غالي حديثَهُ بقول: “نرحّب بك من جديد، رغم أنّك ابن الدّار، في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهنيئا لأسرتك الصغيرة، وأسرتك الكبيرة في المحاماة والميدان الحقوقي استرجاعك حريّتَك، وعودتك إلى الميدان لأنّنا في أمسّ الحاجة إلى أطر مثلِك، من أجل الانتصار لحقوق الإنسان”.

من جهته، ذكر إبراهيم رزقو، عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بزاكورة، في مطلع هذا اللقاء الرقمي، أنّ “الردّة الحقوقية -التي يعيشها المغرب اليوم- تحتاج التفاف الحقوقيين حول الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي عانت منذ سنوات من التّضييق”، وزاد: “نعيش، الآن، شيئا أكبر من سنوات الرصاص”، وفق تعبيره.

كما هنّأ الناشط الحقوقيّ بعض المعتقلين في إطار حَراك الريف الذين أفرج عليهم -هذا الأسبوع-، وطالب في السياق ذاته بالحرية لـ”كافة المعتقَلين السياسيين، ومعتقلي الرّأي، ومعتقَلي الحركة الطّلّابية في هذا الوطن”.

بدوره، يقول عبد الرحيم الجامعي، نقيب للمحامين من مؤسّسي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إنّ محمدا المسعودي كان حاضرا في كثير من المحطّات لا على المستوى الوطني فحسب، بل على المستوى المغاربيّ، والدّوليّ، و”رجل من قيمته ترك فينا فراغا، واشتاقت القاعة لصوته، و-ما يعبّر عنه حول- مجالات النقاش الدائر في كثير من القضايا التي أعطى وأبدع فيها، مع زملائه وزميلاته المحامين، ومع فرق المناضلين، وجمهور الحقوقيّين في المغرب”.

ويذكر الجامعي أنّ زملاء المحامي عاشوا “نوعا من اليتم، الذي لا يكون فقط عند الغياب النهائي للإنسان؛ بل نشعر به أكثر عندما نفقد رؤية وسماع شخص نُحِسُّ به وبصوته وحركاته، وابتسامته وهو بعيد عنّا”، وزاد: “زرت أحيانا الأستاذ المسعودي في زنزانته بالسجن، فشعرت بحزن، ولو أن بسماته كانت تخفّف عليّ مظاهر الصّدمة”؛ لأنه “كان يشعر بأن حريته، وأنّ من دافع عن الحرية، وكان وسط من دافعوا عن الحرية، ليس موقعه السّجن، فرجل قانون وحقوق وأخلاق وحرفية ومهنية عالية، لا يمكن أن يكون غيابُه سهلا، ولا عابرا، في حياتنا وفي زمننا هذا”.

ويضيف النقيب الجامعي: “عهدنا المسعودي على جبهات متعددة، جبهة الدّفاع، وقاعة الجلسات، وفي ساحة العدالة بسلاح القانون، وسلاح المعارك القانونية، وكانت هذه هي الساحة التي اعتاد واعتدنا معه، أن نراه داخلها، ونستفيد من مواقفه، ومرافعاته، وآرائه، في كثير من الحالات التي لا يستطيع الكثيرون غيره الوقوف فيها، وتحمّل عنائها بصبر، لكن بيقِين واقتناع كبيرَين”.

ويسترسل عبد الرحيم الجامعي متحدّثا عن تجربة المحامي محمد المسعودي: “رضع من ثدي العمل الحقوقيّ لمّا كان صغيرا، وارتوى من تجربة المدارس الحقوقية، وفي طليعتها تجربة مدرسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وصُقِلَت مواهبه الحقوقية عندما التحَق بمهنة المحاماة، وفي هيئة شبَّ وترعرع، وأعطى دون حساب بهيئة الدار البيضاء”، ثمّ “امتدّ عمله ليصير ناشطا ومنشِّطا، بالكثير من الجبهات، حياة السجناء والسجون، والنّضال من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، والنّضال في نصرة القضايا العادلة عبر المنطقة المغاربيّة، وعبر العالَم، وهو شيء شهدت به محافل وندوات واجتماعات ولقاءات”.

ويعبّر النقيب الجامعي عن يقينه في أنّه “ستكون له لقاءات مع المسعودي ليُجدِّدَ فينا الحماس، والأملَ المليءَ به دون أن يعرف القنوط واليأس أبدا، ولذلك ظلَّ شامخا وسطنا، ويعطينا من شجاعته ما نتزوَّد به في عملنا ومهنتنا، وإن لم يسمح لي الوباء الفاجعة، فقلبانا يلتقيان، وقلب كلّ أصدقائه ومحبّيه يلتقي معه، ونبضاتنا واحدة ونفسنا واحد، ولا ينقصنا إلا عناق أخي وزميلي سيدي محمد المسعودي”، ثمّ ختم حديثه جامعا الدّارجة المغربية باللغة العربية: “الحمدُ لله على سلامْتْك وكُلُّنا نُحبِّك”.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذا اللقاء الرّقميّ قد شاركت فيه مجموعة من الوجوه الحقوقية، والمحامين من هيئات في مختلف مدن المملكة، بمناسبة إطلاق سراح المحامي محمّد المسعودي، في “حفل استقبال رمزي عبارة عن شهادات في حق المُحتفى به”، حَسَبَ وصف إعلان النّشاط.

hespress.com