الخميس 04 يونيو 2020 – 00:30
طفت على السطح مع قضية متابعة رئيس تحرير جريدة “أخبار اليوم”، سليمان الريسوني، في حالة اعتقال، خلافات في “التقديرات الحقوقية” بين بعض مكوّنات المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كان آخرها إصدار إبراهيم ميسور، نائب رئيس الجمعية، بيانا ينتقد فيه ما أسماه بـ”البيان المتسم بعدم الحياد”، متّهما “جماعة متنفّذَة” داخل الجمعية، وهو ما ردّ عليه عزيز غالي، رئيس الجمعية، قائلا: “بيان الجمعية متّزن، وتحدّثنا فيه عن سليمان الريسوني، وعن آدم”.
وسبق أن خرجت من المكتب المركزي أصداء مواقف متباينة لبعض أعضائه، في ملفّات من قبيل متابعة البرلماني عبد العالي حامي الدين، وقضية “اكديم إزيك”، ومتابعة الصّحافيّ توفيق بوعشرين، كما سبق أن انتقدت فروع للجمعية تعامل المكتب المركزي مع ملفّات من قبيل الطبيب محمد جمال بلقزيز، الذي كان ضمن المتابعين في قضية الصحافية هاجر الريسوني الذين صدر في حقّهم عفو ملكي.
وانتقد نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في بيانه، ما اعتبره “عدم حياد في بيان للجمعية حول الصحافي الريسوني، من خلال تغييبه لحق الضحية المفترض في الإنصاف”، وهو ما رأى أنّه قد “شكل موقفا متحيّزا، وغير محايد لصالح طرف ضد طرف آخر، واصطفافا مخالفا ومتناقضا مع مبادئ وأسس المحاكمة العادلة”.
وبيان الجمعية المقصود هو الذي طالبت فيه بـ”الإفراج الفوري عن الصحفي سليمان الريسوني”، تفعيلا لضمانات الحقّ في المحاكمة العادلة، واستنكرَت “الهجومات وأشكال الوصم والكراهية التي يتعرّض لها مجتمع الميم”، وصدر عن المكتب المركزي في 27 ماي الماضي، بعد اعتقال الصحافي سليمان الريسوني يوم 22 من الشهر نفسه.
وأضاف بيان نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنّ بيان الجمعية “اتجه إلى التشكيك في ادعاءات المشتكي عندما اعتبر أن اعتقال الصحفي سليمان الريسوني جاء: (… بناء على مجرد تدوينة منشورة في موقع للتواصل الاجتماعي …)، والحقيقة أن تحريك إجراءات البحث لم تتم إلا بعد الاستماع للضحية، واعتبار نفسه مشتكيا، والحال أننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان درجنا على مطالبة النيابة العامة عدة مرات بفتح تحقيق بخصوص عدة تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرناها في وقتها أنها تشكل انتهاكا لحق من الحقوق أو تشكل فعلا إجراميا يعاقب عليه القانون، وكنا نشجب ونستنكر عدم استجابة النيابة العامة لتلك المطالبات، واليوم نرى بعض أعضاء المكتب المركزي يقولون ويصرحون أن كتابة تدوينة على منصات التواصل الاجتماعي لا تعطي الحق لصاحبها أن يكون مشتكيا، بل الأخطر من ذلك هناك من يقول إنه لا يمكن الآن الحديث عن الضحية المفترضة، أو المشتكي، إلا بعد ثبوت التهم من طرف القضاء، وعدم معاقبة المتهم…”.
وسجّل بيان ميسور أنّ هذا التوجه “يشكل مساسا واضحا بمبادئ المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها دوليا، ومن بينها أساسا المساواة أمام المحاكم، والمادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنصّ على أنّ (الناس جميعًا سواءٌ أمام القانون)، والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على نفس الحق”.
ثم استرسل قائلا: “في هذا السياق، فإن أي مواطن كيفما كانت صفته، لا تعطيه هذه الصفة الحق في الاعتداء على الآخرين، وأن يحتمي وراء هذه الصفة من الإفلات من العقاب، علما أنّ الصحفي سليمان الريسوني يعتبر لحد الآن، واستنادا لمبدأ قرينة البراءة بمفهومَيها الحقوقي والقانوني، بريئا من أي تهمة موجهة إليه، ما دام أن ملف القضية مازال معروضا على قاضي التحقيق”.
وزاد: “نعتبر أنّ إحالة ملف القضية على إجراءات التحقيق يشكل ضمانة حقيقية وأساسية للوصول للحقيقة، وإصدار أي أحكام مسبقة ومتسرعة أو أي موقف متحيز، يبقى غير مقبول في التعاطي الحقوقي مع ملف هذه القضية”.
وأورد بيان نائب رئيس الجمعية أنّ المتحكِّمَ في صدور بيان الجمعية المؤرخ بتاريخ 27 من الشهر الماضي، هو: “جماعة متنفّذة داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يمتدّ تأثيرها إلى داخل الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان كما هو واضح من خلال البيان الذي صدر عن هذا الأخير في نفس القضية”.
ووضّح إبراهيم ميسور، نائب رئيس الجمعية عضو الكتابة الإقليمية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنّ “المقصود من الجماعة المتنفّذة تيار من حزب النّهج الديمقراطي، لا الحزب نفسه، داخل المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان”.
وهو ما عقّب عليه عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عضو حزب النهج الديمقراطي، قائلا: “لا أفهم كلمة الفرق بين تيار في النّهج وحزب النّهج”.
يشار في هذا السياق إلى أنّ جدلا حقوقيا قد رافق بيانا لـ”الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان” حول ملفّ اعتقال الصحافي سليمان الريسوني، ذكرت منظّمة العفو الدولية-فرع المغرب عقبه أنّها سبق أن طالبَت في 12 شتنبر 2019 بحذف اسمها من تركيبة الائتلاف، نظرا لما تفرضه عليها منهجية عملها الدولية، قبل إصدار حكم على قضية معيَّنَة. كما انتقد إثرَهُ الحقوقي مصطفى المانوزي “سياسة الأمر الواقع”.
وهو ما اعتبره عبد الإله بنعبد السلام، رئيس الائتلاف، “خلافا تنظيميا”، وفضّل عدم الإدلاء بتصريح لهسبريس حول الموضوع، في حين استغرب عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، “تزامن الهجمة على بيان المكتب المركزي للجمعية مع الهجمة على بيان الائتلاف”، وعبّر عن تخوّفه من أن يكون هذا “يستهدف الحركة الحقوقيّة ككلّ”.
كما انتقد نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان “تسرّع رئيس الجمعية بالإدلاء بتصريح مساء اعتقال الريسوني لقناة فرانس 24، مباشرة ودون استشارة مسبقة مع الأعضاء أو مع الرئاسة التي تسير الجمعية بين الاجتماعَين الرّسميين، وربطه الملفّ بقضية توفيق بوعشرين”.
وهو ما علّق عليه عزيز غالي بالقول: “تصريحي كان مع العاشرة ليلا، وما طُلِبَ مني البت فيه كرئيس للجمعية هو الاعتقال، ولم يكن يعرَف حينذاك حتى سبب المتابعة، فقلت إنّ الاعتقال لم يحترم المساطر وكان تعسّفيا باعتبار العدد، وغياب التلبس، وعدم إرسال استدعاء بل اعتقال الريسوني مباشرة، وتحدّثت عن التشهير به بتصويره أثناء الاعتقال، والتشهير به قبل ذلك، ثم قلت: أتخوَّفُ من أن يأخذ ملفّ سليمان الريسوني نفس منحى ملفّ توفيق بوعشرين، وهو تخوّف مشروع، إلا إذا أرادنا الناس أن نصمت، ولن نصمت”.
وانتقد إبراهيم ميسور مسألة يرى أن هناك تملّصا منها في صفوف بعض أعضاء المكتب، وهي: “من كلّف سعاد البراهمة وسعيد بنحماني للحضور لمؤازرة الصحافي سليمان الريسوني أثناء تقديمه للنيابة العامّة وإحالته بعد ذلك للتّحقيق؟”، وزاد: “قالوا إنّ المحاميَين ذهبا بصفة شخصية ولم يكلّفهما المكتب المركزي، وهو ما احتججنا ضدّه. فقد صارت عندنا هذه الصفة الشخصية كثيرة في الجمعية، كما هي عضوية لجان التضامن التي لسنا ضدّها، ولكن يجب تفادي التّناقض”، متسائلا: “إذا كان هناك موقف متناقض للّجنة وللمكتب المركزي للجمعية، كيف سيتصرّفون؟ وإذا حضروا لقاء معيّنا على أيّ الموقفَين سيدافعون؟”.
وشرح المتحدّث أنّ سبب “الدعوة إلى الحياد التام تجاه الطّرفَين، بشكل متساو ومتوازن، والعمل على ملاحظة وتتبّع المحاكمة في جميع المراحل، هو أنّه رغم أنّ من المؤكّد أنّ المخزن استهدف في هذه المتابعة سليمان الريسوني، ولكن عندما تكون صحافيا جريئا ومزعِجا، لا تسمح لك صفتك باستغلالها”.
وأضاف: “لا نقول نحن على صواب، ولكن هذا تقديرنا، وآراؤنا ومواقفنا بالنسبة لنا سليمة، وكذلك يرى الطرف الآخر مواقفَه. وما اضطرّنا للخروج إعلاميا هو اتفاق داخليّ لم يحترم، قلنا فيه إنّ القضايا الخلافية يجب أن نتريّثَ بشأنها ولا نتسرع، إلى أن نجد حلّا توافقيا، علما أنّنا سبق أن انسحبنا من اجتماع للمكتب المركزي، واضطرّوا للجلوس معنا على طاولة النقاش للتداول حول المسائل الخلافية”.
من جهته، قال عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إنّ من يقرأ بيان الجمعية المقصودَ سيراه متّزنا، وتمّ الحديث فيه عن الريسوني وآدم.
وأضاف في تصريح لهسبريس: “نحن أوّل جمعية قلنا لآدم نريد أن نستمع إليك، وأرسلنا إليه رسالة عبر الإيمايل، وأرسلت إليه رسالة عبر واتساب، قلت له إنّي رئيس الجمعية لتحديد موعد، ولكنّه لم يُجِب (…) كما أدنّا التشهير به وبالريسوني”.
وزاد غالي أنّ الجمعية قد تريَّثَت قبل إصدار بيانها الذي يطالب بإطلاق سراح الريسوني؛ “فرغم أن الاعتقال تمّ يوم الجمعة، وأنّ المكتب المركزي قد اجتمع يوم السبت، لم نصدر البيان ذلك اليوم، بل انتظرنا إلى يوم الثلاثاء حيث عُقِدَ اجتماع رئاسة موسَّع استثنائيا، وجرى نقاش، ليصدر البيان بعد ذلك بيومين، وهو مسار أخذ أسبوعا تقريبا، ولا يمكن ألّا تُعَبِّرَ الجمعية عن موقفها بمبرّر التريّث”.
كما أكّد تحديه أن “يكون قد اتّخذ قرار بالتّصويت في الجمعية في يوم من الأيام، بل دائما يكون التوافق”، علما أنّ “المسار الذي أخذته بيانات الجمعية السابقة، هو الذي أخذه هذا البيان”.
ووضّح غالي أنّ منطلق بيان المكتب المركزي هو أنّ سليمان الريسوني معتقَل، علما أنّ الأصل في العمل الحقوقيّ هو الحريّة، وجميع ضمانات حضوره للتّحقيق موجودة.
ثم قال: “لم نكن سنكتب عنه سطرا واحدا لو استُدعيَ في حالة سراح، ولكنّ اعتقاله الآن غير قانوني، ولم تُحتَرَم فيه المسطرة الجاري بها العمل في حالة عدم التلبُّس؛ فكان يمكن أن يُستَدعى ويُستمَع إليه، ويُحَدِّدَ له قاضي التّحقيق موعدا، ثم إذا لم يرد الحضور في ذلك الموعد آنذاك يمكن اعتقالُه، أو عندما ينتهي التحقيق التفصيلي يمكن أي تقرَّر متابعته في حالة سراح أو في حالة اعتقال”.
وتعليقا على ما ذكره بيان نائب رئيس الجمعية حول نيابة محاميَين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن الصحافي الريسوني، ومشاركة آخرين في لجنة للتّضامن معه، رد غالي بأنّ “من حقّ المحامين أن ينوبوا، علما أنّ تنصيب الجمعية لمحامين في ملفّ من الملفات يكون بقرار من المكتب المركزي، وهو ما لم يتمّ. ولا يكون ذلك حتى يصل الملفّ إلى المحكمة، لا مع قاضي التحقيق، كما لا يمكن أن نطلب من أعضاء المكتب المركزي ألا يشتغلوا، وألا ينوبوا عمّن يطلب منهم ذلك”.
وذكّر في هذا السياق بأنّ “المشكل كان سيُطرَح لو قرّر المكتب المركزي إصدار قرار للمؤازرة، في حين إنّنا قلنا في بياننا إنّنا سنتابع المحاكمة، وهو ما لن يكون ممكنا إذا انتصبنا كطرف”.
وأورد رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنّ “هناك أقليات جنسانية أعجبها بيان الجمعية ووزّعته”، ثم استرسل قائلا: “منذ 15 سنة ونحن نعمل من أجل إلغاء الفصل 489 الذي يجرّم الأقليات الجنسانية، وهذا مكسب لنا اليوم أعطانا مناضلين يتحدّثون عن حقوق الأقليات الجنسانية، وأتمنى ألا يكون هذا ظرفيّا، وأن نمرّ إلى المعركة الكبيرة لإلغاء هذا الفصل، والقانون الجنائي يناقَش في البرلمان”.
وعبّر عن تمنّيه: “ألا يستغَلّ آدم لتصفية حسابات مع الجمعية، ونمرّ إلى صلب الموضوع، فهذه المحاكمة ستمرّ، ويبقى مكسب الشعب المغربي هو إلغاء هذا الفصل”.
وتساءَل رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان “ما الذي يعنيه التوازن؟”، بالنسبة لبيان نائب رئيس الجمعية إبراهيم ميسور، “مع ما يسم بيان المكتب المركزي من “اتّزان” في الحديث عن الريسوني وآدم”. ثم أجمل قائلا: “نقطة قوّة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هي أنّ لكلّ واحد الحقّ في إصدار بيان، وأن يناقِش”.