مع تجدد اعتقال مواطنين مفطرين علنا في شهر رمضان، تتجدد مطالب بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي الذي يجرم الإفطار العلني في شهر الصيام.

وبرسم الفصل 222، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مالية: “كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهَر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي”.

وفضلا عن دعوات حقوقيين ونشطاء مجتمعيّين إلى إلغاء هذا الفصل، تبقى من بين أبرز التعبيرات الرافضة لهذا النص القانوني محاولة إفطار جماعي أمام مبنى البرلمان، سنة 2009، قامت بها حركة “مالي”، التي مازالت تجدد مطالبتها بإلغاء التجريم كل سنة.

وسبق أن قال الفَقيه المغربي أحمد الريسوني إن هذا الفصل “لا محل له من الإعراب، ولا من الفقه الإسلامي الحقيقي، ولا من الشرع ونصوصه”، فيجب “أن يُزال أو يُترك مهملا (…) ويُترَك المجتمع لتفاعلاته المدنية التلقائية”؛ فـ”الشرع لا يبحث عن الناس، وله رخص، وحين يفطر واحد هناك وواحدة هناك، توجد أعذار عديدة يمكن أن تحمل عليها هذه الظواهر، التي لا ندري إن كانت استفزازية متعمدة أو تصرفات عادية”.

أما إذا كان الإفطار مقصودا دون عذر فيجب، وفق الريسوني، “عدم المبالاة باختيارات (المفطرين) وضلالاتهم، وألا يلتفت المجتمع إليهم (…) ويُترَك الناس لضمائرهم (…) وأحيانا الأسرة والأصدقاء تكفي لاستهجان هذه التصرفات، والشرع لا يضيق على الناس بهذه الكيفية التي نجدها في بعض الدول الإسلامية، وبعض قوانينها الجنائية”.

مخالفة لحرية الضمير

يقول خالد البكاري، ناشط حقوقي، إن الفصل 222 من القانون الجنائي “مخالف للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان”، علما أن “مسألة حرية الضمير وحرية المعتقَد يجب أن تكون مكفولة”.

ويضيف البكاري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “من ناحية أخرى، هذا القانون لا يراعي مجموعة من الحالات الخاصة حتى بالنسبة للمعيار الديني، فهناك المرض والسفر والحالات المتعلقة بالأعذار الشرعية للنساء”.

ويزيد الأستاذ الجامعي: “هذا القانون كذلك موروث من حقبة استعمارية، وأقر في عهد الحماية الفرنسية من طرف المقيم العام ليوطي، من أجل استمالة المغاربة، ومواجهة ما كان يبثّه الفقهاء آنذاك من أن الاستعمار هجوم للنصرانيين من أجل مواجهة الإسلام؛ وبالتالي لا داعي لاستمرار قانون وُضِع في سياق معين، في سياقنا الحالي”.

ويذكر المتحدث أن “فريضة الصيام في الإسلام لا تُرَتّب عليها أي عقوبة”، ثم يتساءل: “فكيف يتدخل القانون الوضعي في وضع عقوبة مرتبطة بطقس ديني؟ هذا أمر غير مقبول”.

هذه الحجج تجعل، وفق البكاري، مطلب إلغاء الفصل 222 الذي يجرّم الإفطار العلني في رمضان “مسألة يجب أن يتم التعجيل بها”.

ويجمل الحقوقي قائلا: “في نهاية المطاف، هذا مرتبط بالمجتمع، وهو قادر على تنظيم اختلافاته، دون اللجوء إلى أساليب زجرية فيها انتقائية، لأنه توجد عدة أماكن يمتلكها نافذون، ومجموعة من الفنادق، والمطاعم الراقية التي تبقى مفتوحة، ومن عندهم إمكانات مادية ويفطرون، يذهبون إليها، في حين يُحجر على مَن ليست لهم حماية”.

الإفطار أمام الصائمين تصرف غير حضاري

يقول مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة، إننا “أمة مسلمة كمجموع”، ويزيد في تصريح لهسبريس: “لا أتحدث عن الأفراد، ويجب أن يَحترم الفرد المجموع. وعندنا في الشريعة الإسلامية أن الإنسان إذا جاز له أن يُفطِر، لمرض أو لسفر، فإنه لا يفطر علنا بل يستَتِر، حتى لا يَنتهك حرمة الصيام”.

ويضيف عضو المجلس العلمي الأعلى: “نحن أمة متحضِّرة، والأمة المتحضرة لا يمكن أن تؤسس حضارتها على الفردانية، وعلى النزوعات الشخصية للأفراد، خاصة إذا كان الأفراد يطالبون بأشياء لا قيمة لها، مثل أن يفطروا؛ فليس هذا طلب علمٍ ولا فضيلةٍ أو شيء حتى يتجاوب معهم المجتمع”.

ويسترسل الأستاذ الجامعي: “في مجتمعنا المغربي المسلم لا نأكل في وقت الحِليّة إذا كان غيرنا لا يأكل. وعندنا في البادية المغربية، في العمق المغربي، إذا اشترى شخص شيئا من السوق يراعي ويحترم شعور الآخرين، وعندما يضطر للأكل ينظر إلى الجدار حتى لا يزعج الغير؛ وهذا ما يدل على أننا دائما أمة متحضرة، ونحترم شعور الآخر”.

ويتساءل بنحمزة: “ما القيمة الحضارية لأن يكون الإنسان صائما وتُفطرَ أمامه؟ إذا أردت أن تفطر فاذهب إلى دارك وأفطر. وفي هذا نوع من التحدي والتحرش”؛ علما أن الإنسان لا يتجه إلى مثل هذا الموضوع “إلا إذا لم تكن له قضية يشتغل عليها، فهذا مجرد استهداف لجانب ديني، ولا غطاء له إلا أننا نريد أن نقول يجب أن ينتهي هذا الإسلام”، وفق تعبير المصرح.

ويستحضر مصطفى بنحمزة المشكل الذي وجده فقهاء المملكة في إقناع الناس حتى لا يصلوا التراويح، في ظل الظروف الصحية الراهنة، رغم أنه الآن من الجائز ألا يصلّوها، ثم يردف: “لكن، مع ذلك الناس متشبثون بها. ويجب أن نبقى مع هذه الأمة، لأننا سنحتاجها، لأنها تعطينا وجودنا وشرفنا وقوتنا، فلم نُسَفّه دائما رأيها وفكرها؟”.

ويعتبر رئيس المجلس العلمي بوجدة أن هذا “مسلكٌ خطير”، لأن “تفكيك تدين الناس نتيجَتُه تحلل الإنسان من كل الضوابط والقيم والأخلاق، فلا نلوم إلا أنفسنا إذا صنعنا من هذا الإنسان طاغية، يطغى على المجتمع”، ثم يقدم مثالا بـ”شعوب أخرى، مثل اليهود، الذين عندهم دين فيه شِدّة، وطوال السنة لا يطبخون في يوم السبت، ويتفادون ذلك”، ليزيد مستنكرا: “لماذا نحن دائما أمة واهنة، تغلبنا هذه الشهوات؟”.

وفي ختام تصريحه يقول مصطفى بنحمزة: “نريد للشباب والفاعلين أن يرتفعوا بنا، أما الأكل في الشارع فلن يحقق لنا أي قيمة ولا أي معنى نشرُف به”؛ علما أن التدخين، مثل الإفطار العلني، ممنوع في الشارع مراعاة للآخرين، و”الإفطار في رمضان أمام الصائمين المستهجِنين لهذا الفعل ليس سلوكا حضاريا، ولن يحتَرم أحد من يأكل في رمضان، وسيُرى مجتمعيا على أنه إنسان تغلبه شهوته ويغلبه بطنه، ويتحدى المسلمين ويريد أن يزعج الناس فقط، لا أقل ولا أكثر”، وفق تعبيره.

hespress.com