تنجداد مدينة تقع بالجنوب الشرقي للمغرب، تبعد عن تنغير بـ50 كيلومترا وعن مدينة الرشيدية بـ85 كيلومترا، وتشتهر بواحات النخيل، كما أنها تزخر بمؤهلات تاريخية وطبيعية وسياحية مهمة؛ لكنها تعاني التهميش التنموي لأسباب لم يفهمها المواطن المحلي، الذي يعيش واقعا مزريا.
مدينة تنجداد، التي تضم بلدية تنجداد وجماعة فركلة العليا وجماعة فركلة السفلى، هي قصة أخرى لفشل المقاربات التنموية التي تساوي السهول بالجبال. وما زال سكان هذه المدينة يتجرعون مرارة الحياة، إذ لم ينالوا حقهم من التنمية بعد؛ فهم يعيشون تحت وطأة التهميش، ويكابدون مظاهر البؤس والحرمان نتيجة غياب أدنى متطلبات الحياة.
جريدة هسبريس حلت بتنجداد، وقامت بجولة بمختلف شوارعها الرئيسية وأحيائها الهامشية، واطلعت على الإهمال الذي تعيش على وقعه هذه المدينة، كما استمعت لعدد من سكانها حول واقع معيشهم اليومي.
تنمية منعدمة
تعيش مدينة تنجداد، منذ عقود من الزمن، جملة من المشاكل والنقائص التي تعكر صفو حياة الساكنة المحلية، حسب ما أكدته تصريحات متطابقة استقتها جريدة هسبريس الإلكترونية.
وأعربت ساكنة تنجداد عن استيائها وتذمرها الشديدين جراء الأوضاع المزرية التي تعيشها المدينة، في ظل غياب أدنى شروط الحياة الكريمة الذي جعلت آلافا من الأسر والعائلات تعيش في فقر مدقع وتتجرع مرارته منذ سنوات.
لا يختلف اثنان في أن تنجداد تعيش ركودا تنمويا خطيرا في مجالات عديدة أسهمت فيها العديد من العوامل؛ وهو ما يتضح من خلال هشاشة البنيات التحتية الأساسية بمختلف أحياء المدينة، حيث ما زالت بعض الأزقة والشوارع بالمركز توصف لدى الساكنة والزوار بـ”الكارثية”؛ وهو ما بات ينغص حياتهم اليومية في جميع الأوقات.
وفي هذا الصدد، قال جمال بن سعيد، من ساكنة تنجداد، إن مشكل غياب التنمية بمدينة تنجداد تتحملها الجماعات الترابية الثلاث (تنجداد، فركلة العليا، فركلة السفلى)، مشيرا إلى أن من بين الأسباب الرئيسية التي جعلت هذه المدينة تعاني الفقر التنموي هو الحسابات السياسية؛ لأن الجماعات الثلاث تسيرها أحزاب مختلفة، بتعبيره.
وأوضح المتحدث ذاته أن تنجداد في حاجة إلى مسؤولين قادرين على إحداث مشاريع تنموية واجتماعية لتغيير ملامح هذه المدينة المعروفة بأطرها ومؤهلاتها في شتى المجالات، مبرزا أن المدينة تعاني كل هذه المشاكل بسبب الإقصاء والتهميش المفروض عليها من طرف الجهات المسؤولة سواء على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والمركزي، وفق تعبيره.
طريق رئيسية
حميد با، فاعل جمعوي بمدينة تنجداد، قال إنه “نظرا لما تعانيه ساكنة تنجداد وكل المواطنين الذين يمرون عبر الطريق الوطنية رقم 10، نطالب الجهات المسؤولة بالتدخل العاجل لإصلاح هذه الطريق الرئيسية الرابطة بين ورزازات والرشيدية التي تسبب مشاكل عديدة للزوار والساكنة وأصحاب المحلات التجارية والمقاهي نتيجة تطاير الغبار”.
وأوضح المتحدث ذاته أن الطريق الوطنية رقم 10 المارة وسط تنجداد تعكس الواقع التنموي الهش التي تعانيه المدينة لعقود من الزمن، مشيرا إلى أن هذه الوضعية يجب إصلاحها لإعطاء صورة إيجابية عن المدينة التي ظلت تعاني ويلات الفقر والتهميش والإقصاء لسنوات طويلة، بتعبيره.
وأضاف با أن ساكنة تنجداد تعيش طوال الفصول الأربعة معاناة يومية مع ما تخلفه الأزقة والشوارع غير المؤهلة من غبار وما تخلفه البرك المائية الموجودة بوسطها في أوقات فصل الشتاء، لافتا إلى أن المدينة تشهد في فصل الصيف مثلا تصاعد الغبار والأتربة، فتكون هي عنوانا لكل مجمع ولقاء.
وأوضح المتحدث أن معاناة الساكنة المحلية مع غياب أي مبادرة لتأهيل الشوارع والأزقة بمدينة تنجداد تزداد مع التقلبات المناخية وتساقطات الأمطار التي تحول المدينة والطرقات والشوارع إلى برك مائية تصعب من مأمورية اجتيازها والخروج لمجابهة الحياة.
رسائل بدون جواب
نورالدين عبو، رئيس فرع تنجداد للهيئة المغربية لحماية المواطنة والمال العام، وصف تنجداد بالمدينة المنكوبة التي تعاني من شتى الجوانب، مضيفا أن المدينة تعاني في من غياب مجالات عديدة “البنية التحتية، المرافق العمومية”، التي بإمكان المواطن أن يستفيد منها.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الوضعية التي توجد عليها الطريق الوطنية رقم 10 تمثل أوضح دليل على كل هذه المعاناة، والتي “ما فتئت الساكنة المحلية تراسل بشأنها العديد من الجهات المعنية، من الولاية والجهة والمجلس الإقليمي والمجالس المحلية ووزارة التجهيز؛ إلا أنه في الحقيقة لا استجابة لمطالبها ولا لطموحاتها”، وفق تعبيره.
ودعا رئيس فرع تنجداد للهيئة المغربية لحماية المواطنة والمال العام فعاليات المجتمع المدني والسياسية والحقوقية إلى الترافع من أجل خلق تنمية حقيقية في شتى المجالات على مستوى مدينة تنجداد بجماعاتها الثلاث، موضحا أن “المدينة في حاجة إلى أبنائها بمختلف مستوياتهم، للترافع من أجلها وتغيير الواقع المعاش الحالي”، وفق تعبيره.
من جهتها، قالت نعيمة داودي، من الساكنة المحلية لمدينة تنجداد، إن “مجموعة من الشكايات المقدمة إلى الجهات المعنية بخصوص الواقع التنموي بالمدينة ظلت بدون جواب، أو إن صح التعبير تم رميها في سلة المهملات”، موضحة أن مدينة تنجداد يتخيلها الزائر كأنها مدينة دمرتها الحرب أو مدينة تعيش الحرب الأهلية، وفق تعبيرها.
وشددت المتحدثة ذاتها، في تصريح لهسبريس، على أن هناك إهمالا مقصودا من طرف الجهات المسؤولة يمارس على الساكنة المحلية لمدينة تنجداد بخلفيات سياسية محضة، مشيرة إلى أن هناك صراعا سياسيا بين الجماعات الثلاث للمدينة جعلها بعيدة كل البعد عن تحقيق حلم التنمية، بتعبيرها.
زيارة ملكية لرفع التهميش
إذا كانت مدينة تنجداد أو “بلدة الطيور”، كما يسميها الكثيرون، بمثابة صلة ربط بين درعة وتافيلالت في وقت سابق، فإنها ظلت تعيش على وقع تهميش لازمها لسنوات طويلة دون أن تعرف طريقها إلى تنمية منشودة تتحقق معها آمال ساكنة تتطلع إلى ظروف عيش أفضل مقارنة مع ما تعرفه مجموعة من مدن الجنوب الشرقي من مشاريع مهمة في مختلف المجالات والقطاعات.
وعن الوضع التنموي لمدينة تنجداد، قال عدد من المواطنين الذين التقت بهم جريدة هسبريس الإلكترونية: “لا يمكن الحديث نهائيا عن شيء اسمه التنمية بتنجداد في ظل الهشاشة التي تعرفها بنيتها التحتية، من طرق متهالكة ومناطق خضراء منعدمة وأزبال متراكمة ومياه عادمة تملأ وسط وجنبات الشوارع والأحياء، إضافة إلى الانعدام الكلي لفرص الشغل وجميع الضروريات التي يمكن أن تضمن للمواطن المحلي حياة كريمة”.
وناشد عدد من المواطنين، في تصريحات متطابقة لهسبريس، الملك محمدا السادس من أجل أن يخص المنطقة بزيارة ميدانية لهذه الربوع من الوطن، موضحين أن الزيارة الملكية هي الوحيدة القادرة على انتشال المنطقة من الفقر التنموي التي تئن تحت وطأته لسنوات وعقود، وفق تعبيرهم.
ومن أجل نيل تعليقات وتوضيحات رؤساء الجماعات الترابية الثلاث لمدينة تنجداد، حاولت جريدة هسبريس الإلكترونية الاتصال بهم، لكن دون مجيب.