نقاش وطني أثاره توجه المملكة صوب فتح مزاولة مهنة الطب أمام الكفاءات الأجنبية قصد إنجاح مشروع تعميم الحماية الاجتماعية الموقع أمام أنظار الملك محمد السادس، الأربعاء الماضي، اعتبارا للملفات المطلبية المتراكمة على رفوف الحكومة بشأن تحسين الأوضاع الاجتماعية للأطر الصحية بمختلف صنوفها.

وفيما تقرّ الهيئات القطاعية بالنقص العددي في صفوف الأطباء والممرضين والتقنيين، فإنها تنادي على الدوام بالتجاوب الإيجابي مع مطالب الفئات الصحية، من خلال تحسين البنيات اللوجستيكية بالحواضر والقرى؛ الأمر الذي سيسهم بطريقة غير مباشرة في جذب الكفاءات الأجنبية من جهة، ومحاربة “هجرة الأدمغة الطبية” من جهة ثانية.

وبغض النظر عن حيثيات الخطوة المعلن عنها، ترحب العديد من الفعاليات الصحية بهجرة الأطباء الأجانب إلى البلاد، مثلما يهاجر الأطباء المغاربة إلى الخارج، لكنها تشدد على ضرورة تحسين ظروف الشغيلة الصحية الوطنية في المرحلة الأولى، ثم توفير البنيات التحتية الجاذبة للكفاءات الدولية في المرحلة الثانية.

غياب التحفيزات المناسبة

بالنسبة إلى عبد الكريم المانوزي، الاختصاصي في أمراض الجهاز الهضمي، فإن قدوم الأطباء الأجانب إلى المغرب مرحب به في أي وقت، لأن الكفاءات المغربية بدورها موزعة على مختلف بلدان العالم، غير أنه ينبغي لفت الانتباه إلى أهمية الأطر الطبية المغربية، البالغ عددها أزيد من 7 آلاف، التي تغادر البلد صوب بلدان المهجر.

وأوضح المانوزي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب يتوفر على كفاءات وطنية كبيرة في المجال الصحي، إلا أنها تضطر إلى مغادرة المملكة بسبب ظروف الاشتغال في الوقت الحالي، وهو ما أمكن تبيّنه أثناء بروز جائحة كورونا على الصعيد الوطني”.

وأكد الطبيب المغربي أنه “ينبغي تحفيز الأطباء الشباب على الاشتغال في المناطق النائية، من خلال توفير ظروف السكن الملائمة والعطل والأجر المناسب”، مبرزا أن “الدولة توفر ميزانية ضعيفة لقطاع الصحة، ما يفسّر المشاكل التي تعانيها الأطر الصحية بالبلاد”.

ضعف المنظومة الصحية

محمد اعريوة، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، يعتبر أن “ورش تعميم الحماية الاجتماعية سيكون له أثر كبير على جميع المغاربة بدون استثناء، حيث سيكون بدون شك من أهم الأوراش المجتمعية عبر تاريخ المغرب، لأنه سيتيح للمواطنين التأمين الإجباري عن المرض والتقاعد بالنسبة للأشخاص الذين يزاولون نشاطا كيفما كان، مع الاستفادة من التعويضات عن الأطفال أسوة بالموظفين والأجراء”.

وتوقف اعريوة عند تنزيل المشروع بالقول: “ذلك يتطلب منظومة صحية جاهزة ومستعدة لضمان أحسن العلاجات، ما يتطلب الاستثمار في الموارد البشرية، وتوفير الآليات الطبية، وتحسين الظروف المالية والاجتماعية للعاملين بالقطاع العام على وجه التحديد، وحتى الأطر الصحية التي ستعمل بالقطاع الخاص”.

وأردف بأن “فتح المنظومة الصحية أمام المستثمرين الأجانب وفتح الباب أمام الكفاءات الأجنبية، لا يمكن إلا أن نحبذه، لكن يجب العناية بالأطر الصحية التي تعمل حاليا بجميع ربوع المملكة، عبر تحسين وضعيتها المادية وظروفها الاجتماعية، خاصة في الظرفية الحالية المتعلقة بوباء كورونا”.

وتابع شارحا بأن “المنظومة الحالية تظل غير محفزة لجلب المستثمرين والأطر الطبية اللائقة، فلا ننسى أن جميع دول أوروبا وأمريكا وكندا تفتح أبوابها للاستثمار في الطب، وتمنح تحفيزات مهمة لجميع أطباء العالم، بمن فيهم المنحدرون من القارة السمراء، الأمر الذي يستدعي تسريع المشروع الطبي الجهوي الذي ما زال يراوح مكانه، بالموازاة مع القيام بإصلاحات هيكلية في القطاعين الخاص والعام”.

تحسين البنيات التحتية

مصطفى كرين، طبيب رئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية، يورد أن “المغرب مُطالب بتثمين الكفاءات الوطنية وإعطائها حقوقها المناسبة، حيث لا يمكن الحديث عن استقطاب الكفاءات الأجنبية دون تحسين البنيات التحتية، خاصة ما يتعلق بالمستشفيات”.

ولفت كرين الانتباه، ضمن إفادته، إلى أن “نقص الموارد البشرية بالمغرب مرده إلى السياسة الصحية المنتهجة منذ عقود، ما يتطلب الشروع في تغيير جوهرها مستقبلا، والدليل على ذلك هو عدد المقاعد المتاحة في مباريات تكوين المتخصصين، حيث يتم إجراء مباراة لاختيار طبيب متخصص واحد في السنة”.

ودعا الطبيب ذاته إلى فتح إمكانيات التكوين والتأطير والولوج إلى كليات الطب والصيدلة، مؤكدا أن “وزير الاقتصاد والمالية غير مطلع على أحوال المهنة حتى يخرج بهذه التوصية، نظرا إلى عدم أهليته الطبية للحديث عن الموضوع، ما قد يفتح المجال للحديث عن سياسات تبدو محل شكوك”.

كفاءات مغربية بالخارج

استغرب جمال الدين بوزيدي، طبيب متخصص في الأمراض الصدرية والتنفسية، إعلان تفاصيل الخطوة الاستراتيجية من لدن وزير الاقتصاد والمالية بدل وزير الصحة، في ظل عدم الكشف عن أي معطيات تقنية وعلمية دقيقة تهمّ الموضوع.

وأشار بوزيدي، في حديث لهسبريس، إلى “توفر البلاد على كفاءات صحية عالية، لكنها تضطر إلى الهجرة بسبب ظروف العمل؛ ولعل الكفاءات المغربية التي برزت بالخارج أثناء الجائحة خير مثال على ذلك”، مضيفا: “ينبغي تحسين شروط الاشتغال والتكوين”.

وتابع بأن “الكفاءات المغربية بالخارج معترف بها من لدن جميع المنظمات الصحية العالمية بفعل صرامة التكوين الداخلي بالبلاد، والأمر نفسه ينطبق على الأطر الصحية التي فضلت الاستقرار بالمغرب، غير أنه لا بد من التجاوب مع مطالب هذه الفئة”.

hespress.com