لم يكن شارع محمد الخامس بالرباط يفرغ من الأطر العليا حاملي الشهادات المعطلين يوم الأربعاء من كل أسبوع، حيث يجوبون الشارع الرئيسي الذي يوجد به مقر البرلمان، للمطالبة بالإدماج المباشر في الوظيفة العمومية، لكن احتجاجاتهم اختفت قبل شهور دون أن يتمكنوا من نيل مطلبهم.
وتميزت احتجاجات التنسيقيات الوطنية للأطر العليا المعطلة بلحظات مثيرة، لعل أبرزها إقدامهم على محاصرة رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران قرب محطة القطار المدينة، عندما كانت السيارة التي تقلّه مارة في الشارع فأوقفها المحتجون، وظل بنكيران محاصرا وسطهم إلى أن تمكنت قوات الأمن من “تحريره”.
وكانت الأطر العليا المعطلة، ومنهم حاملو شهادة الإجازة والماستر والدكتوراه، يتوافدون على العاصمة الرباط كل أسبوع، حيث يلتقون في ساحة البريد ومنها ينظمون صفوفهم ثم يحملون اللافتات ويجوبون شارع محمد الخامس والشوارع المتفرعة عنه، وفي أغلب الأحيان تتدخل قوات الأمن وتمنعهم من الاحتجاج.
انسحاب حاملي الشهادات المعطلين من ساحة الاحتجاج، يعود إلى أسباب مختلفة؛ فعلاوة على ظرفية انتشار فيروس كورونا، وما وازاها من منع السلطات للتجمعات في الأماكن العمومية، اضطر عدد من المعطلين إلى الانسحاب لظروف خاصة، إما بعد نجاح بعضهم في مباريات التعليم، أو بسبب ظروف صحية ناجمة عن الاحتجاج.
يقول محمد الصحيح، عضو التنسيق الميداني للمجازين المعطلين، وكان من أبرز وجوه احتجاجات حاملي الشهادات المعطلين: “أنا ما زلت معطلا، وسبب التوقف عن الاحتجاج بالنسبة إليّ خارج عن إرادتي”، مشيرا إلى أنه أصيب إصابة بليغة نتج عنها انزلاق غضروفي وتمزق عصبي أثناء إحدى تدخلات قوات الأمن.
كان محمد الصحيح يصدح خلال تزعمه لمسيرات زملائه حاملي الشهادات المعطلين بأنهم لن يغادروا ساحة الاحتجاج حتى تستجيب الحكومة لمطلب إدماجهم المباشر في الوظيفة العمومية، غير أن إصابته أرغمته على الانسحاب دون تحقيق مطلبهم الرئيسي.
يقول: “ما زالت معاناتي متواصلة؛ إذ لم تنفع العلاجات التي تلقيتها ولا حصص الترويض الطبي التي خضعت لها، ولم يعد باستطاعتي الوقوف كثيرا أو الركض، وهذا ما تحتاجه ساحات النضال بحكم التدخلات العنيفة التي نواجَه بها دائما”.
يُعتبر حاملو الشهادات من أكثر الفئات التي تعاني من البطالة في المغرب، حيث تصل نسبتها في صفوفهم إلى 15.7 في المئة، بحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، وكانت الوظيفة العمومية تمتصّ عددا كبيرا منهم، قبل أن يتم اشتراط ولوجها اجتياز مباراة، وهو ما يعتبره المعطلون حاملو الشهادات “إقصاء” لهم.
وبررت الحكومة قرار الولوج إلى الوظيفة العمومية بالمباراة برغبتها إضفاء الحكامة والشفافية على التوظيف في القطاع العام، غير أن محمد الصحيح يرى أن هذه المباريات “كانت وما تزال تخضع للمحسوبية والزبونية”، معتبرا أن “خير دليل” على كلامه هو المباراة الأخيرة لمفتشي التعليم التي شهدت إنجاح مترشحة لم تحضر الامتحان الكتابي، وكذلك ما راج من اختلالات مباراة التوظيف بالتعاقد في التعليم.
وحمّل الصحيح رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران وحكومته مسؤولية “معاناة آلاف الشباب من حاملي الشهادات المعطلين”، موردا: “لقد ضرب بعرض الحائط مبدأ تكافؤ الفرص حينما سمح بتوظيف أبناء الأقاليم الجنوبية بشكل مباشر دون اجتياز مباراة، معللا ذلك بتنفيذ توصية هيئة الإنصاف والمصالحة”.
وتابع قائلا: “لقد أغلق باب التوظيف في وجوهنا ولم تفكر الحكومة السابقة ولا الحالية في وضع حد لمعاناة هذه الفئة، كما أغلق باب الحوار وأعطيت الأوامر لاستعمال لغة الهراوة والاعتقالات، ولا أظن أن هناك فئة طالها الحيف والظلم أكثر من المعطلين حاملي الشهادات بمختلف تخصصاتهم”.