الثلاثاء 25 غشت 2020 – 07:00
بنفسية “متعبة” وهشّة يعود تلاميذ المملكة إلى أجواء الدّراسة في ظلّ استمرار تفشّي جائحة “كورونا” في البلاد، وهو ما حتّم اتباع صيغ تربوية تواكبُ الحالة الوبائية الصّعبة في المملكة، تعتمدُ بالأساس على المزجِ ما بين “التّعليم عن بعد” والتّعليم الحضوري الاختياري.
ويعودُ التّلاميذ إلى الأقسامِ بعد موسمٍ دراسيّ استثنائي تخلّلته قرارات “فجائية” على مستوى التّلقين الدّراسي والمواكبة وإجراء الامتحانات، بعد أن قيّدت وزارة التّربية الوطنية تحرّكات التلاميذ وأجبرتهم على ملازمة بيوتهم منذ مارس الماضي، بسبب تفشّي وباء فيروس “كورونا” في البلاد.
ولم يستفد غالبية التّلاميذ من العطلة الصّيفية التي تأتي هذا العام في ظلّ ظروف خاصّة، بعدما تقرّر تشديد المراقبة على التّنقل ما بين المدن وإغلاق الشّواطئ والمرافق التّرفيهية، كما تعاني معظم الأسر من أزمة مالية “عاصفة” لم تسمح لهم بقضاء عطلة السّنة كما يليقُ.
وفي هذا الصّدد، يؤكّد كرم الفطواكي، أخصائي ومعالج نفسي، أنّ “الدّخول المدرسي المقبل “مغاير” تماماً للمواسم الدّراسية السّابقة، بحيث يستمرّ فيه التّعليم عن بعد وفقاً لإجراءات صحيّة صارمة”، مبرزاً أنّ “هذا التّغيير صعب؛ لأنّ الإنسان لا يقبل التّغيير المفاجئ والذي يُصاحبه “مقاومة” للوضعِ الجديد”.
وأوضح الفطواكي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنّ “هذا التّغيير على مستوى البرمجة والتّلقين الدراسي سيؤدّي إلى خلق زعزعة نفسية Perturbation psychologique على مستوى الذهني والوجداني والسّلوكي والعلائقي”، مؤكّداً أنّ “الإنسان في عادته لا يقبل أن تتغيّر حياته”.
وفي هذا الصّدد، يوضّح المعالج النّفسي ذاته أنّ “الإنسان يعيش وفقاً لسلوكات معيّنة وممارسات وأهداف ومشاريع محدّدة، ثم يأتي التّغيير فجأة؛ وهو ما يخلق نوعاً من المقاومة للوضع الجديد”، مبرزاً أنّ “التّغيير يخلق القلق من المستقبل خاصة في ظلّ تفشّي وباء كورونا”.
وأشار الفطواكي إلى أن “الدخول المقبل “مغاير” على مستوى الأسر، فغالبية الأسر لم تستفد من العطل الصّيفية بسبب المرض؛ وهو ما يعني عدم الاستفادة من راحة نفسية وعلاج نفسي جماعي وأسري بالنّسبة للأطفال يكون فيه تلاحم وانسجام.
وزاد المعالج النفسي “التّلاميذ سيعودون إلى المدارس بنفسية متأزمة مفعمة بالقلق والتّوتر، حيث إنّ العطلة الصّيفية لطالما شكّلت سدّا منيعاً ضدّ الاكتئاب والقلق”.
واسترسل الأخصائي النّفسي: “التّلميذ يريد أن ينجح وله تصوّر حول العام المقبل وللامتحانات وله أيضاً طموحات”، مبرزاً أنّ “التعليم عن بعد تجربة فاشلة من حيث التّمدرس والبيداغوجية؛ وهو ما سيجعل التّلاميذ يعودون إلى الأقسام بدونِ طموحات وأهداف، وسيكون همّهم الوحيد هو النّجاح المفعمِ بالقلق”.
وتابع: “تأجيل الامتحانات، سنة بيضاء، كلّها تساؤلات تشغل بال التّلاميذ وستؤثّر على مردوديتهم، كما أنّ غياب الهدف والطّموح والرّؤية ستزيد من تؤزّم الوضعية النّفسية للتلاميذ”.
وخلص الباحث ذاته إلى أنّ “التّعليم عن بعد أدّى إلى بروز مشاكل ما بين الأسر والتّلميذ، إذ إن الوجود الدّائم في البيت حدّ من طموحاته للتّحرر وجعله يعيش حصاراً “نفسيّاً”، وسيؤدي ذلك إلى “اختلال السيرورات النّفسية”.
كما أنّ غياب الإطار الذي يمثّله مجال القسم بجميع مكوّناتهِ من أساتذة وحضور جماعي للتّلاميذ وحجرة كرمز مهم بالنّسبة لعملية التّلقين المعرفي، زاد من تعقيد الوضع، يؤكّد الأخصائي ذاته، الذي يبرز أنّ التّعليم عن بعد يمثّل “تغييرا فجائيا” حاملا لسلوكيات قد “تزعزع” نفسية التّلاميذ.