في إطار أنشطتها التثقيفية والتحسيسية، وموازاة مع انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، نظمت جمعية التنمية المستدامة لتيساف (ADDUTIS)، ليل السبت، لقاء عن بعد مع الدكتور أحمد بن الصغير حول موضوع “مستجدات جائحة كورونا.. التلقيح”.

في البداية، نبه الدكتور بن الصغير إلى أن عرضه سيكون مبسطا ليصل إلى أكبر شريحة ممكنة، وأعطى كرونولوجيا سريعة عن الأوبئة التي ما فتئت تعرفها الإنسانية منذ القدم وتودي بحياة كثير من الناس، موردا أنه “تطور طبيعي للأوبئة، معروف في علم الأوبئة”، وأبرز أن مسببات الأوبئة “كائنات صغيرة جدا تسمى الميكروبات، والميكروب كائن حي يسبب المرض لدى الإنسان، وربما يكون ميكروبا نافعا ولا يسبب المرض”.

وميز المتدخل بين أربعة أنواع من الميكروبات: البكتيريا، الفطريات، الطفيليات، والفيروسات. وبالنسبة لـ”كورونا”، فهي عائلة كبيرة ومتنوعة من الفيروسات تصيب الطيور والثدييات، وتنتقل بين الفينة والأخرى إلى الإنسان عن طريق الاختلاط بالحيوانات.

أول مرة اكتشفت إصابة الإنسان بفيروس من عائلة كورونا كانت في ستينات القرن الماضي، بعدها تسببت “العائلة” في كثير من الأوبئة، ثلاثة منها مشهورة جدا هي الوباء الذي ظهر في بداية الألفية الثالثة وسمي “سارس” والذي تحدث عنه الإعلام كثيرا، وكان يصيب الرئة ويتسبب في ضيق التنفس.

الوباء الثاني ظهر في 2011-2012 وسمي “ميرس”، نسبة إلى الشرق الأوسط حيث ظهر، وخاصة السعودية، وانتقل من الإبل إلى الإنسان وتحول إلى وباء عالمي.

بعد ذلك، ظهر وباء “كوفيد-19” الذي مازال منتشرا وما زلنا نعيش تداعياته. سمي “كورونا” لأن شكله الخارجي يشبه التاج، وظهر أول مرة في الصين أواخر سنة 2019.

تركيبة الفيروس

مثل الإنسان، المخلوقات المجهرية أو الميكروبات مكونة من أجزاء كثيرة، منها ما هو داخلي، أساسا المادة الوراثية أو الحمض النووي، ومنها ما هو خارجي كغشاء الفيروس الذي يغطي الحمض النووي، والبروتينات التي تعطي للفيروس الشكل التاجي وتسمى “بروتينات إس” أو “spike protein”. وفيروس كورونا صغير جدا في الحجم مقارنة مع باقي الميكروبات.

“كوفيد-19”

بعدما تنتقل العدوى إلى الشخص عقب مخالطته للمريض بـ”كوفيد-19″، تدوم مرحلة حضانة الفيروس لديه ما بين يوم واحد و14 يوما، ثم تبدأ العلامات المرضية في الظهور وتختلف من شخص إلى آخر حسب مناعة كل واحد وعمره وإصابته بأمراض مزمنة من عدمها.

العلامات المرضية لدى غالبية الحالات تتحدد أساسا في ارتفاع درجة حرارة الجسم والسعال الجاف والتعب، تنضاف إليها لدى آخرين أعراض فقدان حاستي الذوق والشم، وانسداد في الأنف، وجفاف في الحلق، وصداع في الرأس وآلام في المفاصل والعضلات.

وقد يحصل لدى بعض الحالات قيء، وإسهال، ودوخة وقشعريرة، لكن أقلية قليلة فقط تظهر عليهم أعراض خطرة، ومنهم المصابون بأمراض مزمنة وكبار السن وذوو المناعة الضعيفة.

تحتاج الحالات الخطرة إلى العناية المركزة أو الإنعاش والأوكسجين أو التنفس الاصطناعي، وكذلك بعض الأدوية للخروج من الأزمة. لكن نسبة هؤلاء مقارنة مع عدد الأشخاص الذين يصابون بكورونا قليلة جدا، رغم أنه لا توجد حتى الآن أرقام مؤكدة لهذه النسبة، ولا لنسبة الأشخاص الذي أصيبوا بكورونا، نظرا لعدم وجود كشف مبكر للجميع (dépistage de masse).

ثلاث طرق لتشخيص الإصابة بكورونا

يتم التشخيص إما بواسطة تحليل مخبري عن طريق الأنف للبحث عن المادة الوراثية للفيروس (ARN)، أو عن طريق تحليل الدم للبحث عن مضادات الأجسام، أو عبر إجراء سكانير على الرئة.

العلاجات المقترحة

تحدث الدكتور بن الصغير عن وجود مجموعة من العلاجات التي اعتمدت للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، قسمها إلى نوعين.

أولا، علاجات وقائية: من بينها الإجراءات الاحترازية، كغسل اليدين والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة وتجنب المصافحة، للحد من انتشار الجائحة. ويدخل ضمنها أيضا التلقيح.

ثانيا، علاجات دوائية: وترتكز على علاج الأعراض خصوصا، ومنها بعض الأدوية التي أعطت نتائج جيدة بعد دراسات محدودة، مثل الكلوروكين، نيفاكين ريمدسفير، وبروميسين، وقد ساهمت في تقليل نسبة الوفيات وتخفيف حدة الأعراض.

لكن، يستدرك المتدخل، هناك دراسة أنجزت مؤخرا أشرفت عليها منظمة الصحة العالمية، أظهرت أنه “ليس هناك ربح كبير لاستعمال هذه الأدوية، ومن هنا بدأ التفكير بجدية في إيجاد لقاح لهذا المرض”.

مفاهيم علمية

أي دواء أو لقاح قبل أن يحصل على الترخيص للاستعمال الواسع، لا بد أن يمر من مجموعة من المراحل.

المرحلة ما قبل السريرية: معناها أن هذا الدواء أو اللقاح يتم تجريبه على الحيوانات.

الدراسة السريرية رقم واحد، يشارك فيها عدد قليل من المتطوعين، هدفها تبيان عدم وجود آثار جانبية خطيرة على الإنسان.

المرحلة السريرية رقم 2، دورها معرفة مدى فعالية الدواء أو اللقاح ومقدار الجرعة، ويشارك فيها مئات الأشخاص.

المرحلة السريرية الثالثة: شاملة وواسعة وتهم آلاف الأشخاص، هدفها المقارنة بين الأشخاص الذين تلقوا الدواء أو اللقاح والأشخاص الذين لم يتلقوه.

وأكد الدكتور بن الصغير أن الدراسات التي أجريت على لقاحات كورونا مرت بجميع هذه المراحل، مشيرا إلى أن الملاحظة الوحيدة هي أن هذه الدراسات ربما كانت سريعة شيئا ما نظرا للتداعيات الصحية، الاجتماعية والاقتصادية للجائحة.

كيفية ظهور اللقاح

شرح المتحدث أن “فكرة التلقيح ظهرت أول مرة في بريطانيا عام 1796 لما لاحظ طبيب بيطري أن النساء القرويات اللواتي يقمن بحلب البقر ويصبن بنوع من الجدري يصيب هذه الحيوانات، لما يصبن بعدوى الجدري الذي يصيب الإنسان لأنه كان شائعا حينها، تكون إصابتهن خفيفة ولا تؤثر على حياتهن. من هنا، جاءته فكرة أخذ القيح من يدي القرويات المصابات ليحقن به الأطفال، وتبين أن الأطفال الملقحين يكونون محميين من الجدري، إلى غاية أواخر القرن 19، وبالضبط في سنة 1885، لما لويس باستور، الأب الروحي لمخترعي اللقاح، وجد لقاح السعار حينما كان يجري تجاربه على الحيوانات. من هنا بدأت اللقاحات تتطور”.

مبدأ التلقيح

يعتمد التلقيح على مبدأ إدخال الميكروب “مقتولا” إلى جهاز الإنسان المناعي ليتعرف عليه وينتج سلاحا مضادا له هو “مضادات الجسم الغريب”، يقول الدكتور بن الصغير، مضيفا أنه يوجد حاليا تقريبا 20 لقاحا في العالم ضد أمراض يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. وحسب تقدير منظمة الصحة العالمية، فإن التلقيح ينقذ حياة ما بين مليونين وثلاثة ملايين شخص في العالم.

لقاحات كورونا

منذ بداية الجائحة والعالم يبحث عن حل، ومن الحلول القوية والمريحة، التلقيح؛ لأن العلاجات الأخرى لم تعط نتائج كبيرة.

وحسب تقرير منظمة الصحة الأخير، هناك مجموعة من اللقاحات رهن التجارب: 177 لقاحا الآن في التجارب المخبرية ما قبل السريرية، و63 في التجارب السريرية.

وبالرجوع إلى تركيبة الفيروس، ميز الدكتور بن الصغير بين أربعة أنوان من اللقاحات.

النوع الأول لقاح سينوفارم: ومبدأه نزع القدرة الممرضة من فيروس كورونا، أي جعله خاملا، حتى لو دخل جسم الإنسان فإنه لا يُمرِض. هذه العملية تتم عن طريق استعمال مواد كيماوية أو عن طريق الحرارة. ويحتاج هذا اللقاح لدرجة حرارة ما بين 2 وناقص 8 للاحتفاظ به. فعاليته فوق 77 في المائة، ويأخذ عبر حقنتين.

النوع الثاني لقاح أسترازينيكا وروسيا والصين، ومبدأه فيروس حيواني غير ممرض بالنسبة للإنسان يحمل بجزء صغير من كورونا ويحقن به الإنسان. هذا الجزء من كورونا يعرفه الجهاز المناعي وينتج مضادات له.

النوع الثالث من اللقاح مبدأه أخذ جزء بسيط من الفيروس وحقنه للشخص، إلا أن الدراسات حول هذه الطريقة مازالت في بداياتها.

النوع الرابع، اللقاحات من الجيل الجديد، ويستعمل هذا النوع مبدأ آخر هو أخذ المادة الوراثية للفيروس (ADN) وحقنها للإنسان، تشتغل عليه خصوصا “فايزر” و”موديرنا”. يحتاج هذا اللقاح لدرجة حرارة منخفضة جدا (-70)، ولكن فعاليته عالية تصل حتى 95 في المائة، إلا أن الدراسات عليه مازالت في المرحلة ما قبل السريرية.

من يخضع للتلقيح؟

إذا كان الدور الأول للتلقيح هو اكتساب حماية شخصية، فإن هدفه الثاني هو حماية المجتمع، وتحقيق “مناعة القطيع”، كما يطلق عليها، أو “مناعة المجتمع”، كما يفضل الدكتور بن الصغير، الذي أشار إلى أنه لتحقيق ذلك، لا بد من تطعيم ما بين 60 و80 في المائة من المواطنين. لهذا، دعا المتحدث كل شخص “حتى لو كان شابا أو من المحتمل ألا يتعرض للعواقب الخطيرة للمرض، أن يخضع للتلقيح، ليس حماية لنفسه ولكن حماية للغير، حتى لا ينقل العدوى إلى الآخر ويساهم في انتشار المرض”.

وحدد الطبيب ذاته الأشخاص الذين يجب أن يخضعوا للتلقيح في “الأشخاص الذين لم يصابوا بكوفيد-19، والأشخاص الذين أصيبوا قبل ثلاثة أشهر، ومن الأفضل عدم تلقيح الأطفال الصغار والنساء الحوامل والأشخاص المصابين بعدوى حادة إلى أن يشفوا”.

الآثار الجانبية للقاح

قال بن الصغير إنها أعراض بسيطة، الشائع منها ألم في موضع الحقن، وربما احمرار أيضا، وارتفاع طفيف في درجة الحرارة.

وأكد المتدخل أن المناعة عبر التلقيح تكتسب بعد مرور أيام على أخذ الحقنة الثانية. لذلك، دعا إلى الاستمرار في الالتزام بالإجراءات الاحترازية.

hespress.com