يولي رواد مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة اهتماما كبيرا للحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والقدس، وهو ما تعكسه النقاشات المستفيضة حول الموضوع، التي يميل أغلبها إلى دعم الفلسطينيين، غير أن آخرين يقفون إما محايدين أو منتقدين للمقاومة الفلسطينية، وتحديدا حركة “حماس”.
الذين يتبنون الطرح الأخير يعتبرون أن “حماس”، التي تسيطر على قطاع غزة، هي التي “تجلب على الفلسطينيين انتقام إسرائيل، من خلال إقدامها على إطلاق صواريخ”، ويعتبرون أن “ما تقوم به الحركة الإسلامية لن يؤدي إلى أي نتيجة سوى مزيد من تدمير غزة وقتل سكانها”.
ويوم أمس عمد منتقدون لحركة “حماس” إلى نشر صورة لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة المذكورة، وهو في سيارته محاطا بحراس شخصيين في العاصمة القطرية الدوحة، مع تعليقات بأن الرجل “يعيش هو وغيره من قادة حماس مع أبنائهم في قصورهم ويدفعون أبناء غزة إلى الهلاك بنيران السلاح الإسرائيلي”.
هذا الموقف يقابله مؤيدو المقاومة الفلسطينية باستخفاف، وحسبهم فإن “مسؤولي قيادة مقاومة الاحتلال ليس عليهم بالضرورة أن يكونوا على جبهة القتال مع العدو”، ويتهمون مَن ينتقد إسماعيل هنية وخالد مشعل بأنهم “موالون للعدو الصهيوني”.
هذا التباين في مواقف المغاربة إزاء ما يجري في فلسطين، وطريقة رؤية المقاومة الفلسطينية، يعزوه بوبكر انغير، رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، إلى “اختلاف زاوية النظر السياسية والإيديولوجية”، موضحا أن هناك، ربما، شبه إجماع لدى عموم الشعب المغربي على أن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني، “لكن هناك تباينا في طرق وأساليب هذه المقاومة المشروعة”، وفق تعبيره.
ويوضح انغير أن الفكر اليساري المغربي، ويَقصد البنية الفكرية لليسار وليس الأحزاب، كان تاريخيا ضد التضامن مع فلسطين من منطلق ديني عقائدي، واعتبار الصراع في فلسطين صراعا دينيا بين مسلمين ومسيحيين، من جهة، ويهود من جهة أخرى.
وأردف الناشط الحقوقي المغربي بأن الفكر اليساري يرى أن الموقف الديني “لا يسمح بحل القضية الفلسطينية على أسس إنسانية صحيحة، بل يُرسي نظاما عنصريا ببدائل عنصرية أخرى”، وزاد: “كما أن الفكر اليساري المغربي تاريخيا يؤيد حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في إطار الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة”.
وحفلت صفحات رواد مواقع التواصل الاجتماعي المغربي، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القدس وغزة، بسيْل من التعليقات وردود الفعل المتبادلة بين مؤيدي المقاومة الفلسطينية وبين منتقديها، الذين ذهب بعضهم إلى اعتبار أن “من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها”.
ويؤكد بوبكر انغير أنه يتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، الذي تعرض لحرب عدوانية قتلت الأطفال والنساء وشردت الآلاف من الأسر أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لم يعد له ضمير إنساني، قبل أن يستدرك بالقول إن “التضامن الذي عبّر عنه لا يعني أنه يؤيد “خطط وفلسفة ومنهجية بعض الحركات الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي”.
ويرى المتحدث ذاته أن حركات المقاومة الفلسطينية التي ذكرها “تمارس هي الأخرى أعمالا متهورة وتؤمن بطروحات غيبية للصراع خارج منطق توازن القوى والتحليل العلمي المنطقي للأمور”، معتبرا أن هذه الطروحات تجد صداها لدى شرائح واسعة من المغاربة “ترى أن المقاومة الفلسطينية يجب أن تزيل إسرائيل من الوجود، وأن الصراع معها صراع ديني وجودي وتصفية حسابات تاريخية قديمة”.
هذا الخطاب السائد وذي الشعبية الكبيرة، يردف انغير، “لا يكترث بالفاتورة الإنسانية الثقيلة التي يؤديها الشعب الفلسطيني جراء الاعتداءات الإسرائيلية التي تتغذى من هذه الطروحات الإقصائية العنيفة، وتعطيها مبررات لممارسة مزيد من القمع والتنكيل بالفلسطينيين، وبالتالي تسويق صورتها في العالم كبلد محاصَر مظلوم ومقاوم للإرهاب”.
وإذا كان “الإجماع” على دعم القضية الفلسطينية يغطي على الأصوات المنتقدة للمقاومة الفلسطينية، فإن وسائل التواصل الحديثة “جعلت المغاربة اليوم يدركون أن هناك أطرافا كثيرة داخلية تستغل القضية الفلسطينية لمكاسب سياسية داخلية”، حسب رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان.
وأردف المتحدث ذاته بأن الثورة التكنولوجية “كسرت الإجماع المزعوم، بعد أن اطلع المغاربة على حقيقة بعض القيادات السياسية الفلسطينية والعربية والمغربية التي تمارس النفاق السياسي واستغباء الشعوب، وسمع عن ثروات بعض أبناء القيادات الفلسطينية وأين يعيشون وأين يدرسون”، على حد تعبيره، مضيفا أن الشعب المغربي اليوم “يعي المواقف الحقيقية لبعض الدول والأحزاب التي باعت الوهم للشعوب مددا طويلة”.