في مقهى بمدينة سلا يتردد عليه زبناء الرهانات الباحثون عن ربْح مالي سريع من وراء تخميناتِ نتائج سباقات الخيول ومباريات كرة القدم، تشرئبّ أعناق عشرات الرجال إلى شاشة تلفزيون ترقبا لأن تحمل لهم نتائج السباقات التي راهنوا عليها مفاجأة سارة.

في مقهى آخر، يوجد في زقاق بحي تبريكت يصطف طابور من الزبناء في انتظار دورهم للحصول على بطائق الرهانات التي يملؤون خاناتها بتخميناتهم؛ وفيما كان عامل المقهى يخدم الزبناء “المقامرين”، انطلق من خلف الطابور صوت رجُل ينادي باحترام مسافة الأمان، قائلا: “التباعد الله يخليكم”.

في “مقاهي القمار” تنتفي الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس “كورونا” التي وضعتها السلطات العمومية، وفي مقدمتها التباعد الجسدي داخل فضاء المقهى، إذ يُنسي الجري وراء الربح السريع زبناء هذه المقاهي إجراءات الوقاية، وعوض أن يتباعدوا يجلسون قرب بعضهم للتداول في نتائج الرهانات ومصير أحلامهم بعد انتهاء السباقات.

وعمدت السلطات العمومية، خلال الأيام الأخيرة، إلى تشديد المراقبة على المقاهي، بعد الارتفاع المضطرد لعدد الإصابات بفيروس “كورونا”؛ لكن الإجراءات الاحترازية المتخذة لا تُطبق بشكل تام فيما يتعلق بالزبناء الذين لا يلتزم عدد منهم بوضع الكمامات أو احترام مسافة الأمان المحددة في متْر واحد على الأقل.

استهتار بعض زبناء المقاهي بإجراءات السلامة الصحية يزكيه مقطع فيديو صُور قبل أيام ويظهر فيه عون سلطة وهو ينصح أشخاصا متحلقين حول شاشة التلفزة يشاهدون مباراة من عصبة الأبطال الأوروبية، إذ بَدوْا غير مكترثين بنصائحه.

يقول عوْن السلطة مخاطبا زبناء المقهى: “الناس ما لقاوش فين نعسو فالسبيطارات، راه كينعسو فالأرض. دبا كلشي كيمرض الكبار والصغار، ولينا كنهزو الشباب بدون أعراض وهادي هي الكارثة الكبرى”، ثم اضطر إلى الانسحاب حين هتف المتفرجون إثر تضييع لاعب لفرصة تسجيل، في تعبير على تجاهلهم لما كان يقوله عون السلطة.

مسؤولية عدم الاحترام التام للإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس “كورونا” يتحمّل القسط الأكبر منها الزبناء، بينما يتحمل أرباب المقاهي نسبة قليلة، بحسب نور الدين الحراق، رئيس الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم، مؤكدا أن إلزام الزبناء باحترام التدابير الوقائية كالتباعد وارتداء الكمامات “أمر مستحيل”.

“ضبط سلوك الزبناء داخل فضاء المقهى وإجبارهم على الامتثال لإجراءات الوقاية من فيروس “كورونا” لمْ تقدر عليه حتى الدول المتقدمة، مثل فرنسا”، يقول الحراق في تصريح لهسبريس، مضيفا أن بعض أعوان السلطة يرتكبون خطأ حين يحمّلون صاحب المقهى مسؤولية عدم التزام الزبناء بالتدابير المتخذة.

وتابع المتحدث ذاته متسائلا: “واش مول المقهى حارس قسم باش نضبط الناس، الزبون خصو يتحمل مسؤوليتو؛ لأن أرباب المقاهي يلتزمون بالشروط التي وضعتها السلطات، مثل إبعاد الطاولات عن بعضها وتعليق إرشادات الوقاية، ولكن لا يمكنهم أن يضبطوا الزبناء”.

وكانت السلطات العمومية قد ألزمت المقاهي والمطاعم، بعد الرفع الجزئي للحجر الصحي شهر يونيو الماضي، بمجموعة من الإجراءات، حيث سُمح لهم باستغلال خمسين في المائة فقط من الطاقة الاستيعابية لفضاءات المقاهي، بما يضمن توفير مسافة تباعد بين الزبناء.

وبالرغم من عدم احترام عدد من زبناء المقاهي للإجراءات التي وضعتها السلطات العمومية، فإن نور الدين الحراق يؤكد أن المقاهي لم تُسجل بها أي بؤرة لفيروس “كورونا”، سوى حالة واحدة في تيزنيت، مضيفا: “البؤر الحقيقية توجد في المصانع وليس في المقاهي”.

واعتبر المتحدث ذاته أن تدبير السلطات العمومية لاستئناف المقاهي عملها لم يكن تدبيرا جيدا، موضحا: “الناس تّهلكوا مع الكرا والضو وغيرها من المصاريف، وكان بالإمكان أن تسمح السلطات لأصحاب المقاهي والمطاعم التي تجاورها فضاءات في الشارع باستغلالها، من أجل تقليص الخسائر التي تكبدوها”.

hespress.com