بعد مرور سنة على اعتماد آلية التقاضي عن بعد، التي فرضتها جائحة “كورونا”، ثمن مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، “هذه التجربة الرائدة التي ساهمت في ضمان استمرار سير مرفق العدالة، بحكم أن القضاء يعد الملجأ الأول لضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية”.

واعتبر المسؤول القضائي، الذي كان يتحدث صباح اليوم الثلاثاء خلال أشغال الندوة الوطنية حول “التقاضي عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة” التي نظمتها وزارة العدل، أن “تفعيل التقاضي عن بعد في هذه المرحلة الاستثنائية، والتي فرضت تحديات قانونية وحقوقية، يعد مسألة ضرورية وسابقة في مسار منظومة العدالة في بلادنا”.

وشدد الداكي، الذي كان يتحدث أمام مسؤولين قضائيين وحكوميين ومركزيين، على أنه “تم تخصيص قاعات داخل المؤسسات السجنية، وربطها مباشرة بقاعات الجلسات؛ مما مكن ويمكن الهيئات القضائية من محاكمة المعتقلين الموجودين داخل المؤسسة السجنية، بعد موافقتهم وبحضور دفاعهم، والفصل في قضاياهم في آجال معقولة وبضمانات توفير شروط المحاكمة العادلة المعتمدة في هذا الصدد”.

وقال رئيس النيابة العامة، في كلمته الافتتاحية لأشغال الندوة الوطنية سالفة الذكر، إن “اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد، لتجاوز الظروف التي فرضها تفشي فيروس “كورونا” المستجد، يندرج ضمن إستراتيجية بلادنا الهادفة إلى تطوير منظومة العمل القضائي والنهوض بحقوق الإنسان وتعزيز شروط المحاكمة العادلة”.

وفي هذا الصدد، لفت الداكي إلى أن “مشروع قانون المسطرة الجنائية، وانسجاما مع مخرجات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، جاء بمجموعة من المقتضيات القانونية المستجدة التي تعالج موضوع المحاكمة عن بعد، والتي نأمل أن تجد طريقها إلى المصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية في أقرب الآجال في أفق اعتماد الآليات المنظمة لتطوير عدالتنا”.

وبعدما أكد أن القانون المغربي لم يتطرق صراحة إلى إمكانية اعتماد المحاكمة عن بعد بالنسبة إلى المتهم، أبرز الداكي أن “المادة 347-1 من قانون المسطرة الجنائية تنص على إمكانية لجوء المحكمة إلى استعمال تقنيات الاتصال عن بعد للاستماع إلى الشهود”.

وتابع الوكيل العام للملك حديثه: “موضوع المحاكمة عن بعد ما فتئ يثير نقاشا بين من يتمسك بضرورة الحضور المادي شخصيا للمتهم أمام هيئة الحكم في قاعة المحكمة وبين من يتبنى مفهوم الحضور الافتراضي للمتهم. وهذا الرأي الأخير هو ما تم تبنيه من طرف أغلب القضاء المقارن، الذي يؤكد أنه لا وجود لأي تعارض بين المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة”.

وفي هذا الصدد، يشرح الداكي أن “ما يتم التركيز عليه في هذه الرقابة القضائية هو جودة الوسائل التقنية المستعملة في المحاكمة والتي تمكن كافة أطراف الدعوى من التواصل وممارسة الإجراءات والتمتع بالضمانات في أحسن الظروف”.

واعتبر المسؤول القضائي ذاته أن “اعتماد المحاكمة عن بعد باستعمال وسائل الاتصال السمعية والبصرية يدخل في إطار الرؤية المستقبلية للعدالة الرقمية التي تصبو إليها بلادنا، والتي تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل بالخصوص في ترشيد الزمن القضائي، وادخار الجهد، بما يضمن البت في القضايا داخل آجال معقولة، وكذا المساهمة في الحفاظ على المال العام وحسن تدبيره لما تحققه التقنية المذكورة من اقتصاد في نفقات الدولة عن طريق تفادي المصاريف والتكاليف الثقيلة التي يقتضيها نقل المعتقلين”.

وأورد الداكي أن “تجربة التقاضي عن بعد مكنت من تدبير مرفق القضاء بحكامة جيدة ونجاعة، من خلال تفادي انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد والحفاظ على الصحة والسلامة لكل المرتفقين وذلك انسجاما مع التدابير والإجراءات الأخرى المتخذة من طرف السلطات المعنية للحد من انتشار هذا الوباء”.

“كما مكنت في نفس الوقت من صون ضمانات المحاكمة العادلة داخل أجال معقولة، حيث تم منذ بداية العمل بها في 27 أبريل 2020 إلى غاية 16 أبريل 2021 من عقد 19139 جلسة عن بعد، أدرجت فيها 370067 قضية، استفاد منها 433323 معتقلا، وأفضت إلى الإفراج عن 11748 منهم، ولولا اعتماد هذه التقنية لما تمت محاكمتهم ولظلوا قيد الاعتقال”، يضيف المسؤول القضائي.

وقال الداكي: “إذا كان النقاش حول شرعية المحاكمة عن بعد مبرر في الظروف العادية من أجل تحسين تصريف العدالة أو تسريع الإجراءات وتخفيف الاكتظاظ، فإنه في الظروف الاستثنائية حيث تكون الغاية منها التوفيق بين حماية حقوق الأشخاص ولحماية الصحة العامة، وذلك لكون حق المواطنين في الفصل في النزاعات داخل أجل معقولة يهدف الحصول على حقوقهم المضمونة دستوريا وقانونيا، يعتبر أهم عنصر في دعم ثقة المتقاضين بالقضاء”.

hespress.com