يرى الغالي أحرشاو، الكاتب والسيكولوجي، أن العنف ضد المرأة، الذي يشكل ظاهرة كونية، ويعبر في السيكولوجيا المرضية عن استعداد فطري، “كان ولا يزال يمثل أحد المكونات الطبيعية للشخصية الإنسانية، وأحد المقومات الضرورية للحياة، رغم كل مظاهر العدوان والإيلام والتشويه التي يلحقها بالأنثى”.

 فمصطلح “عنف” الذي يستخدم بمعان متعددة من قبيل الاعتداء والإيذاء، الضرب واللكم، التخويف والإذلال،  وفق ما يراه الكاتب في مقال جديد له، “لا يشكل مفهوما فحسب بل هو موضوع ثقافي يتغير حسب الممارس (مراهق – راشد -كهل)، والخسائر (جسمية – نفسية)، والانعكاسات (خفيفة – متوسطة – حادة)، والوسط الاجتماعي (شعبي – راقي)، والأسلوب (احتقار – شتم – ضرب)”.

وعن مقومات سيكولوجية العنف ضد المرأة في المغرب، يفصّل أحرشاو المزيد حول الموضوع.

وهذا نص مقاله:

 أكيد أن العنف ضد المرأة لا يمثل شيئا جديدا في المغرب. فأغلبنا لاحظ أو سمع أو عايش أو مارس سلوكات عنيفة في لحظة من اللحظات. فقط الجديد هو أن هذه الظاهرة عرفت في السنوات الأخيرة بعض الاهتمام والانتشار بفعل اتساع قاعدة الفعل الحقوقي والعمل الجمعوي المدافع عن المرأة، وإقرار بعض الجهات الحكومية والمنابر الإعلامية بتفاقم منسوبها وحجمها. وبالاحتكام إلى منطق البحث العلمي الذي يستبعد كل خطاب تبسيطي أو سطحي يتخذ من العنف ضد المرأة النتيجة الحتمية لظروف اقتصادية و اجتماعية فقط، نقدم فيما يلي تصورنا للموضوع باعتماد المداخل الأربعة التالية:

 المفهوم

   الواقع أن العنف ضد المرأة الذي يشكل ظاهرة كونية، ويعبر في السيكولوجيا المرضية عن استعداد فطري، كان ولا يزال يمثل أحد المكونات الطبيعية للشخصية الإنسانية، وأحد المقومات الضرورية للحياة، رغم كل مظاهر العدوان والإيلام والتشويه التي يلحقها بالأنثى. فمصطلح ”عنف“ الذي يستخدم بمعان متعددة من قبيل الاعتداء والإيذاء، الضرب واللكم، التخويف والإذلال، لا يشكل مفهوما فحسب بل هو موضوع ثقافي يتغير حسب الممارس (مراهق – راشد -كهل)، والخسائر (جسمية – نفسية)، والانعكاسات (خفيفة – متوسطة – حادة)، والوسط الاجتماعي (شعبي – راقي)، والأسلوب (احتقار – شتم – ضرب)، وتحكمه مرجعيات تتراوح بين ما هو ذاتي – إدراكي، حيث يقال إن العنف هو ما يجعل الشخص عنيفا، وما هو اجتماعي – قانوني، حيث يقال إن العنف هو ما يعاقب عليه القانون. وهي مرجعيات تصب كلها في التعريف الشامل الذي حدده إعلان الأمم المتحدة لمناهضة العنف ضد المرأة لسنة 1993 في ” أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمية أو الجنسية أو النفسية…“.

 الحجم والأشكال والأسباب

يصعب تقديم صورة تقريبية حول حجم العنف ضد المرأة وأشكاله وأسبابه، أو بالأحرى التنبؤ بمستقبله في المغرب، وذلك بفعل تواضع البحث الميداني بهذا الخصوص، ومحدودية المعطيات الإحصائية المتوفرة. وهكذا فإن القلق السائد في مجتمعنا تجاه هذا النوع من العنف، ينبني بالأساس على شعور حدسي لا تدعمه نتائج وحقائق البحث العلمي الدقيق. وإن أخبار الضرب والاغتصاب والإهانة التي تتناقلها بعض الأوساط الجمعوية والحقوقية والإعلامية لا تخرج في كثير من معلوماتها عن هذه الصورة الحدسية.

فمن حيث الحجم، يمكن إجمال ممارسات العنف ضد النساء في المغرب مع المندوبية السامية للتخطيط في المظاهر التالية:

– استفحالها بنسبة( 63%) وسط النساء البالغات ما بين 18 و 64 سنة؛

– تغطيتها لأغلب فئات النساء المتزوجات والعازبات والعاملات والعاطلات ثم المتعلمات والأميات، سواء في بيت الزوجية (55%) أو في العمل والشارع (45%)؛

– تأتي في مقدمة المعنفات فئة البالغات ما بين 18 و 40 سنة (70%)، تليها فئة البالغات 50 سنة (50%)، وأخيرا فئة البالغات 60 سنة فأكثر بنسبة أقل؛

 – تأتي المتزوجات في مقدمة المعنفات (55%)، تليها المطلقات (7%)، ثم العازبات (5%)، وأخيرا الأرامل (2%)؛

 – تتجاوز المعنفات العاملات (25%) أمثالهن العاطلات (16%)، وتتجاوز المعنفات الأميات (32%) أمثالهن المتعلمات (27%)،

 – الزوج هو الممارس الأول للعنف (50%)، يليه الطليق (6%)، ثم الأخ والصديق والعامل بنسبة أقل؛

ومن حيث أشكال العنف، يمكن إجمالها في المظاهر التالية::

– العنف القانوني والاقتصادي مثل الاسعباد والحرمان من الحرية والنفقة ثم الاستغلال المادي بنسبة (56% )؛

– العنف النفسي مثل الإهانة والصراخ والتهديد والتخويف بنسبة (48%)؛

– العنف الجسدي كالضرب والجرح والحروق (15%)؛ 

أما من حيث الأسباب، فلا يمكن المفاضلة بينها أو القول بحتمية أحدها، لكون أن ممارس العنف قد يكون صغيرا أو كبيرا، فقيرا أو غنيا، أميا أو متعلما، عاطلا أو عاملا. لذا فالأسباب متنوعة وتحكمها سياقات متعددة تتراوح بين ما هو عائلي بمشاكله المختلفة (الفقر، الجهل، التفكك، البطالة…)، وما هو مجتمعي بأعطابه وإكراهاته الاجتماعية والاقتصادية والمهنية والقيمية. وهي سياقات تشجع على العنف ضد المرأة رغم كل شعارات المساواة والمناصفة التي ترفع هنا وهناك.

 نماذج التفسير

تستدعي مواجهة العنف ضد المرأة في جذوره وليس في أعراضه، اعتماد مقاربات كثيرة للتفسير نجملها في ثلاثة نماذج:  

 أولها تكاملي يزاوج بين المتغيرات الماكرسوسيولوجية والميكرسيكولوجية، ويصادر على أن تراكم التجارب السلبية داخل الأسرة يولد حتما آليات اجتماعية وخصائص سيكولوجية تشكل في الغالب وقودا لممارسة العنف. وثانيها يركز على طبيعة العلاقة التفاعلية بين الشخص ومؤسسة الأسرة، بحيث كلما كانت تلك العلاقة محكومة بروابط اجتماعية إيجابية ملؤها التفاهم والاحترام إلا وانتصر سلوك الانضباط والتقدير على سلوك الفوضى والعنف.وثالثها إيكولوجي ينظر إلى الأسرة كفضاء طبيعي لظهور بعض السلوكات العنيفة، وبالخصوص لدى بعض المراهقين والأزواج الذين يتمردون على ضوابط المجتمع وأعرافه نتيجة ما يشعرون به من غبن وتهميش على صعيد مكانتهم الاجتماعية.

 أساليب الوقاية والعلاج

يشكل الوقوع فريسة العنف تجربة قاسية تستوجب اعتماد أساليب للوقاية واستراتيجيات للمواجهة. فالأمر لا يتعلق بِخُطَبٍ مُنَمَّقَةٍ، ولا بحملات مناسباتية، بل بخطة نفسية اجتماعية تنبني على مدخلين اثنين: أولهما للوقاية يستهدف منع الممارسات العنيفة باعتماد إما الوقاية التأديبية (تخويف – عقاب) لردع كل شخص يتأهب لممارسة العنف، وإما الوقاية التقويمية التي تقلص عبر التوعية والتحسيس من السلوكات العنيفة، وإما الوقاية الاجتماعية التي تهاجم العنف في جذوره المادية والمهنية والنفسية (الفقر، الأمية، البطالة، الإدمان…). وثانيهما للعلاج تتحدد أهم استراتيجياته في ممارسة نوع من المراقبة العلاجية التي تستهدف من جهة استقبال مشاكل المعنفات وتظلماتهن مع توعيتهن بالاستراتيجيات المعرفية والسلوكية الملائمة لتجاوز انعكاسات تلك المشاكل، ومن جهة أخرى اعتماد مراكز للإنصات وفرق متخصصة للتوجيه والإرشاد ووسائل لحماية المرأة من العنف، هذا فضلا عن اعتماد أخصائيين في علوم النفس والاجتماع والتربية والقانون لردم الهوة بين الذكور والإناث، وبالتالي خلق علاقات إنسانية حميمية تساهم في تليين ثقافة التمييز والعنف.

 في الخلاصة نشير إلى أن التعامل الناجع مع العنف ضد النساء في المغرب يجب أن يتحدد في كشف جذوره وليس الاكتفاء بالبحث في أعراضه، وبالتالي ضرورة الاحتكام بواقع هذه الظاهرة ومآلها إلى منطق البحث العلمي الإنساني الذي يقربنا من فهمها وتفسيرها والتدخل للحد من تداعياتها الوخيمة على الفرد والمجتمع عامة. 

hespress.com