اعتبر أحمد الرياضي، أستاذ علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق-جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن الغش في الامتحانات الإشهادية الخاصة بمجال التربية والتكوين، “يعد بمثابة إحساس بهوية اجتماعية ممزقة تتمثل في تجربة أو تجارب ذاتية يسكنها الكثير من الألم وقدر قليل من الأمل”.

وقال الرياضي في حديث صحافي إن “هذا الإحساس هو الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى ممارسة أشكال الغش خلال الامتحانات، حيث يصبح الغش ظاهرة ملموسة وكأن الأمر طبيعي، بينما هو ليس كذلك”.

وأوضح المتحدث أن الغش في الامتحانات “هو ممارسة وسلوك منحرف تساهم فيه الكثير من العوامل، من بينها التنشئة الاجتماعية للتلميذ، حيث يطرح سؤال: الأنا، الآخر، الرغبة، الطموح، تحقيق الذات، الفشل، وذلك مع توالي الاضطرابات والصدمات النفسية الاجتماعية في ظل الكثير من الإكراهات الاجتماعية، مما يؤدي إلى عدم المواظبة والتحصيل بشكل موفق”.

ويتعمق هذا الإحساس، وفق الرياضي، حين لا تنهج الإدارة المدرسية آليات معينة لمعالجة مثل هذه الوضعيات، بدل مواجهة هذه الأساليب المنحرفة بطرق متساهلة تساهم هي الأخرى في التمادي في هذا الفعل المنحرف، وهو ما يجعل التلميذ يعتبر ذاته المعني الوحيد بسلوكه داخل المجتمع.

وزاد بأن عدم تنفيذ العقوبات التأديبية يساهم في انهيار المعايير الاجتماعية واختلالها، وهو ما يفرغ تلك العقوبات من مضامينها، “وبالتالي تجعل تلك القواعد المنظمة للعمل التربوي عديمة الجدوى، حيث يصبح اللجوء إلى الغش في نظر التلاميذ محاولة لتحقيق النجاح معللين ذلك بصعوبة الامتحانات والمناهج الدراسية”.

ففي غياب الوسائل المشروعة، يواصل المتحدث، “تختفي آليات النجاح، وبالتالي يتم خرق القواعد الأخلاقية داخل المنظومة التربوية، مما يجعل البعض يسعى إلى التشجيع المبالغ فيه على تحقيق النجاح لدى الأفراد دون الانصياع إلى تلك الوسائل المشروعة، وبالتالي فهو في حد ذاته وسيلة للانحراف”.

وأبرز الرياضي أن الرغبة في النجاح تولد لدى بعض التلاميذ استخدام بعض الآليات لممارسة سلوك الغش، ولو بطرق عنيفة، “وهو ما يلاحظ من خلال لجوء بعض التلاميذ إلى ممارسة العنف، بل حتى الانتقام العنيف ضد المدرس الذي يحاول أن يفشل محاولاتهم للغش. ومنه، فإن العنف من أجل الغش يشكل صراعا يسكن ذات الفرد/التلميذ من أجل تحقيق رغبة ما، بغض النظر عن طبيعة ونوع الوسيلة”.

وخلص الرياضي إلى أن البحث في التفاصيل الدقيقة “يجعلنا، من خلال الممارسات اليومية في الكثير من المناسبات على مستوى الامتحانات، نستنتج أن وجود الممارسات المنحرفة خلال الامتحانات داخل البيئة المدرسية، يعود إلى انهيار وسائل الضبط الاجتماعي، وبالتالي يطرح سؤال النموذج بشكل عام، فكثيرا ما تكون أخلاقيات التلميذ تلك المرآة العاكسة لأخلاقيات البيئة التي نشأ فيها”.

وبناء عليه، “فإن الغش مشكلة نفسية اجتماعية قد تساهم في انتشارها الكثير من العوامل، وأيضا حضور الكثير من الصور والتمثلات الاجتماعية؛ ذلك أن عدم وجود الرغبة في ممارسة مهنة التدريس، وعدم مراعاة التهييء الأكاديمي والمهني والثقافي، يساهم في تدني التحصيل الدراسي. ومن ثم، قد يكون عاملا من العوامل التي تدفع هؤلاء التلاميذ إلى ممارسة الغش، مما يجعل هذا الأخير عدوى اجتماعية، بتعبير غوستاف لوبون”، يختم أستاذ علم النفس.

hespress.com