في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب، من خلال مختلف الأوراش الاقتصادية والتنموية، نبّه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى ضرورة الانكباب على تجويد المنظومة الوطنية للصحة والسلامة في العمل، حيث تُكبّد حوادث الشغل والأمراض المهنية خسائرَ كبيرة للاقتصاد الوطني.

وقدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في الرأي الذي أعده حول الصحة والسلامة في العمل وقدمه اليوم الخميس، جملة من التوصيات للنهوض بالمنظومة المؤطرة لهذا المجال، حيث أوصى بإحداث نظام إجباري للتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، يتولى تدبيره الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويشمل مختلف المزاولين لأنشطة مهنية، من عمال وتجار وفلاحين وغيرهم، مع تحديد مساهمة المشغلين حسب كل قطاع.

وأشارت نجاة السيمو، رئيسة اللجنة الدائمة المكلفة بالتشغيل والعلاقات المهنية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، التي أشرفت على إعداد الرأي الذي قدمه المجلس، إلى أن جائحة فيروس كورونا أكدت أن موضوع الصحة والسلامة في العمل ذو راهنية كبيرة، مبرزة أن النهوض بثقافة الصحة والسلامة في العمل يكتسي أهمية بالغة، نظرا للخسارة الاقتصادية والاجتماعية والكُلفة الباهظة التي يتكبدها الاقتصاد الوطني جراء الأمراض المهنية وحوادث الشغل.

وأكدت المتحدثة ذاتها أن تجويد منظومة الصحة والسلامة في العمل يعدّ استثمارا مربحا؛ لأن توفُّر شروط الصحة والحماية والرفاه للعمال يُفضي إلى تحسين شروط العمل والتنمية الاقتصادية، كما أنه يكرّس حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور، مثل الحق في الحياة وعدم المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية.

وأوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإحداث وكالة وطنية للصحة والسلامة في العمل تحت إشراف رئيس الحكومة، تكون وعاء لتجميع التراكم الحاصل في هذا المجال، وتتولى إعداد السياسة الوطنية والإشراف على تطبيق القانون في مجال الصحة والسلامة في العمل، والتحسيس والتكوين، مع تخويلها صلاحية الإشراف على القطاعين العام والخاص، وتعمل بشراكة مع القطاعات الحكومية والمنظمات المهنية والنقابية.

كما أوصى المجلس كذلك بإحداث مرصد وطني للمخاطر المهنية يختص بتجميع المعطيات وإنتاج الإحصائيات المتعلقة بحوادث الشغل، وإحداث مراكز خاصة لطب الشغل لتأمين الرعاية لفائدة جميع العاملين، والترخيص بإحداث مراكز خاصة بطب الشغل يعهد إليها فحص العاملين والتحسيس والتوعية بمخاطر الشغل، وسنّ إجبارية الانخراط في هذه المراكز بالنسبة للمقاولات التي يتحاوز عدد عمالها عتبة معينة، عدا المقاولات التي تقرر إحداث مصلحة لطب الشغل خاصة بها.

وفيما يتعلق بالجانب التشريعي والقانوني، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمراجعة مشروع القانون الإطار المتعلق بالصحة والسلامة في العمل، والذي تم إعداده منذ سنة 2010، وإدماج إحداث الوكالة الوطنية فيه، ومراجعة وتحيين مدونة الشغل والنظام الأساسي للوظيفة العمومية وضمان المساواة في الحقوق لكافة العاملين.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي دعا كذلك إلى تحفيز المقاولات من أجل الانخراط في تبني وتنفيذ منظومة الصحة والسلامة في العمل، وتحسين الوعي بأهمية الصحة والسلامة من خلال تنظيم حملات للتحسيس والتوعية وطنيا وجهويا ومحليا، وإنتاج دلائل عملية ونشرها على نطاق واسع عبر مختلف وسائل التواصل.

وتعاني منظومة الصحة والسلامة في العمل من جملة من الإشكاليات؛ منها قلّة أطباء الشغل، إذ لا يتعدى عددهم في المغرب 1400 طبيب، وهو عدد اعتبرته نجاة السيمو “ضعيفا جدا، ولا يمكن أن يلبي حاجيات المقاولات، ولا يمكن أن يغطي كافة التراب الوطني وجميع القطاعات الانتاجية”، مشيرة إلى أن عدد أطباء الشغل في فرنسا يصل إلى 5100 طبيب.

وشددت المتحدثة ذاتها على أن النهوض بمنظومة الصحة والسلامة في العمل “لا يمكن أن يتحقق في غياب إرادة سياسية حقيقية”، مبرزة أن المخاطر الناجمة عن حوادث وأمراض الشغل “لا تهدد فقط صحة وسلامة الأشخاص، بل تهدد الاقتصاد الوطني والمنظومة الاجتماعية بالمغرب”، وتابعت: “إذا أردنا إرساء منظومة اقتصادية جديدة فعلينا أن نفكر في منظومة اجتماعية جديدة، عبر التفكير في صحة وسلامة العاملين”.

hespress.com