قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إن تحرر المرأة المغربية يمر عبر كسر ما يسمى بـ”السقف الزجاجي”، ويقصد بذلك مجموع الحواجز الاجتماعية والنفسية التي تميل إلى إبقاء المرأة في وضعية الجمود وتكريس دونيتها وتبعيتها.

وذكر المجلس، في وثيقة نشرها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أنه لا يمكن لأي بلد أن يحقق طموح التنمية والتقدم إذا كان نصف قواه الحية، أي النساء، يعاني من الإقصاء.

وأشارت المؤسسة الدستورية إلى أنه في الوقت الذي يتعبأ فيه المغرب نحو إرساء نموذج تنموي جديد أكثر إدماجا، لم يعد من المستساغ أن تتعرض النساء وأن يبقين على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعند عتبة المواطنة النشيطة.

وحسب المعطيات التي أوردها المجلس، فإنه على الرغم من التقدم المحرز، لا يزال هناك عدد من أشكال التمييز القائم على الجنس، والانتهاك لحقوق النساء كما أن مشاركتهن في التنمية تظل ضعيفة.

أرقام لا تترجم الفصل 19

منذ سنة 2000، تعززت مكانة المرأة في المجتمع من خلال إصلاح مدونة الأسرة ومراجعة قانون الجنسية وولوج المرأة إلى بعض المهن التي كانت حكرا على الرجل، فضلا عن وضع آليات للتمييز الإيجابي في الانتخابات التشريعية والجماعية. كما تعززت هذه الدينامية بإقرار دستور 2011 للمساواة بين النساء والرجال والتزام الدولة بإعمال المناصفة كمبدأ وهدف.

ويقول المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إنه على الرغم من هذا التقدم، لا يزال هناك عدد من أشكال التمييز القائم على الجنس والانتهاك لحقوق النساء؛ ففي سنة 2019، تعرضت حوالي امرأة واحدة من كل امرأتين لنوع واحد من العنف على الأقل. كما تم سنة 2018 منح أزيد من 30 ألف رخصة لتزويج طفلات دون احتساب الزيجات التي لم يتم توثيقها.

كما أوردت الوثيقة الصادرة عن المجلس سالف الذكر أن تمثيلية المرأة تتسم بنسبتها المتدنية منذ سنوات عديدة، لا سيما في المؤسسات التمثيلية؛ فعلى مستوى البرلمان، لا تتجاوز نسبة النساء البرلمانيات 10 في المائة في مجلس المستشارين، و21 في المائة بمجلس النواب.

أما على صعيد الهيئات الترابية المنتخبة، فإن التمثيلية تبقى ضعيفة في حدود 27 في المائة.

ويتجلى ضعف مشاركة المرأة في الحياة العملية أيضا في تدني مشاركتها في سوق الشغل، حيث لا يعكس معدل نشاط المرأة الإمكانات والمؤهلات الحقيقية للنساء المغربية؛ ففي سنة 2020، بلغ معدل نشاط النساء أقل من امرأة واحدة من كل خمس سنوات.

واعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن الأرقام سالفة الذكر “لا تترجم ما يتطلع إليه المغرب من مساواة ومناصفة، كما أقرها الفصل 19 من الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة”.

ويؤثر الوضع الحالي تأثيرا كبيرا على الاستقلالية الاقتصادية والمالية للنساء، وينعكس سلبا على حقوقهن ويقلص من حريتهن واستقلاليتهن داخل الأسرة والمجتمع، كما يكرس تبعيتهن وارتهانهن بالأغيار في تلبية احتياجاتهن الأساسية.

ما العمل؟

يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في هذه الوثيقة التي نشرها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ثلاثة تحولات كبرى من أجل النهوض بحقوق المرأة؛ التحول الأول ذو طابع مؤسساتي وقانوني من خلال تسريع وتيرة ملاءمة التشريعات الوطنية مع المبادئ والمقتضيات الواردة في الدستور وفي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

وفي هذا الصدد، يرى المجلس ضرورة في نسخ المقتضيات القانونية المتضمنة في جملة من النصوص القانونية التي يكون في تطبيقها حيف أو إلحاق ضرر بالأمهات العازبات وأطفالهن، أو تحول دون تقديم شكاية عند التعرض للاغتصاب، أو تلك التي تفتح الباب لتزويج الطفلات. وتشمل المقترحات أيضاً إخضاع الحصول على جزء من الدعم العمومي المخصص للأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات لشرط تحقيق نسبة تمثيلية لا تقل عن 30 في المائة من النساء داخل أجهزتها التقريرية.

أما التحول الثاني فهو ذو طابع إجرائي لتوفير شروط ولوج النساء إلى العمل المؤدى عنه وتوفير الحماية لهن في طريقهن إلى أماكن العمل وداخل فضاء الشغل. ويمكن تحقيق ما سلف ذكره من خلال إطلاق خطة وطنية لفتح دور حضانة عمومية أو داخل المقاولات في جميع تراب المملكة واعتماد مرونة أكبر في توقيت تمدرس الأطفال، ووضع تدابير فعالة ومحددة للتمييز الإيجابي هدفها ضمان المناصفة في الولوج إلى مناصب المسؤولية في الوظيفة العمومية.

في حين يلامس التحول الثالث الجانب الاجتماعي والثقافي من خلال ترسيخ مبادئ المساواة داخل المجتمع. ومن أجل ذلك، يتعين النهوض بالنقاش العمومي من أجل تطوير العقليات في التعاطي مع القضايا المتعلقة بتزويج الطفلات والتوقيف الإرادي للحمل والتركة.

كما يعتقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن هذا التحول يستلزم تلقين التربية الجنسية في المدرسة من أجل ترسيخ مبادئ المساواة بين النساء والرجال لدى الأطفال، وتصحيح الصور النمطية التمييزية والمشجعة على العنف ضد النساء.

وأكدت المؤسسة الدستورية أن كل هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها دون إزالة القيود الثقافية التي يمكن أن تعيق النهوض بوضعية المرأة، مشيرة إلى أن “بناء مجتمع حديث ودامج يتطلب التصدي للصور النمطية التي غالباً ما تكون مهينة وحاطة بكرامة المرأة وتكرس صورة سلبية عنها.

hespress.com