السبت 07 نونبر 2020 – 08:35
بكثير من الحُرقَة، استقبل نشطاء مغاربة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” صورا تُظهر المرتضى إعمراشا، المعتقل السابق على خلفية حَراك الرّيف، وقد اختار بيع ملابس على الأرض مَوئلا لكسب الرّزق.
واستنشق المرتضى إعمراشا نسيمَ الحرية بعفو ملكيّ، بعدما قضى ثلاث سنوات وراء القضبان، إثر حكم “محكمة الإرهاب” بسلا عليه بخمس سنوات نافذة، بتهمة “تحريض الغير وإقناعه بارتكاب أفعال إرهابية، والإشادة بأفعال تكون جرائم إرهابية، والإشادة بتنظيم إرهابي”، بسبب “منشورات ساخِرَة”، حَسَب دفاعه، في إطار حملة اعتقالات واسعة طالت مجموعة من قادة “حَراك الريف” والمشاركين فيه.
وكان المرتضى إعمراشا من وجوه حراك الريف، وسمّى في خضمّه مولودتَه “أمل”، وكان معروفا إعلاميّا بمواقفه المدافعة عن حرية الرأي والتعبير والاعتقاد وحقوق الأقليّات والمناهِضَة للتّطرّف، قبل اعتقاله والحكم عليه، الذي وصفه حقوقيّون وهيئات حقوقيّة، من بينها الجمعيّة المغربيّة لحقوق الإنسان، بـ”الانتقاميّ والجائر”.
كما حكم على إعمراشا استئنافيّا، في منتصف شهر أكتوبر الماضي، بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ، في ملفّ التحريض على التّظاهر الذي يعود إلى سنة 2017.
وأظهرت الصّور المنشورة على موقع “فيسبوك” المرتضى إعمراشا و”فرّاشتَه”، التي وضع فيها مجموعة من الألبسة لبيعها.
وكتب إعمراشا أنّه بعدما غادر السّجن، وجّه نداء إلى أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع من أبناء الريف بالخصوص، الموجودين بالمنطقة والمملكة، ملتمسا “توفير فرص شغل كريمة للمعتقلين المفرج عنهم، وعدم تركهم عرضة لليأس”. وزاد: “ما أشاهده من واقع معتقلينا مريرٌ للغاية، وبعضنا يستحي من تلبية دعوات أصدقائه للجلوس معهم بالمقهى لأنه لا يجد ثمنها، ويخجل من طلب ذلك من أصدقائه”.
ويكتب إعمراشا: “لم أتوقف عند هذا الحد، بَل بحثتُ عن فرصة شغل في كل مكان، حتى خارج الإقليم، كوني يئست من طلب المصروف من أشقائي، وقد كنت قبل الحراك أحد معيلي والديّ إضافة إلى أسرتي”. قبل أن يضيف: “أمارس تجارتي بكرامة، اليوم قد يكون منظري مُحزِنا ومؤسِفا للبعض؛ لكني كنت سعيدا حين انتهى اليوم برصيد إضافي مهما كان زهيدا، لكنه أفضل من انتظار السّراب”.
وفي حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونيّة، ذكّر إعمراشا بأنّه كان مديرا للتّسويق في شركة سعوديّة تعدّ وتوقّع عقودا لإعداد واجهات المباني، قبل الحَراك الذي نزل إلى شوارع مدينة الحسيمة في الشهور الثلاثة الأخيرة من سنة 2016 والشّهور الأولى من سنة 2017، ويزيد: “حرِقَت تلك الأوراق في السجن”، وحتى إذا “أردت الانتقال للخارج فهذا غير ممكن في وضع “كورونا””.
ويضيف إعمراشا: “اقترح عليّ شخص عملا في طنجة بـ 2500 درهم، ولكنها لا تكفي إذا احتسبنا مصاريف الكراء في مدينة أخرى”، قبل أن يستدرك قائلا: “ولو وجدت عملا بالأجر نفسه في الحسيمة لقبلته”.
ويقول إعمراشا في ختام تصريحه: “حاولتُ البحث عن عمل، وقدَّمْتُ سيرتي الذاتية إلى مجموعة من الشركات؛ لكّن ثلاثة أشهر كثيرة، فقلتُ لأقُمْ بشيء أُدخِلِ منه ما يسيِّرُه الله تعالى”.
ويرى الحقوقيّ والأستاذ الجامعيّ خالد البكاري أنّ صورة المرتضى إعمراشا وهو يعرض سلعا على رصيف شارع كان منذ أربع سنوات تمر منه مسيرات الاحتجاج، وبعد ثلاث سنوات من الاعتقال، ليوفر لقمة عيش كريمة لأسرته، “تختصر كثيرا من سيرورة حراك شعبي مدني سلمي”.
ويزيد البكاري: “هذه الصورة تبخّر روايات وأكاذيب التمويل الخارجي، وقسم الحراك، ووعود الدولة”، في الوقت الذي ظلّت فيه “الأحزاب والمجتمع المدني مشلولين أمام احتضان المفرَج عنهم”، لتكون “فرَّاشة” المرتضى، وقوارب هجرات سرية علنيّة ركبها معتقلون سابقون، وعطالة آخرين فوق كراسي المقاهي “إدانة لنا جميعا: دولة ومجتمعا”.
ويقول البكاري في تصريح لـ هسبريس: “هذه الصّور تعكس معاناة مجموعة من المعتَقَلين الذين تمّ الإفراج عنهم، وعدد منهم غادروا في قوارب الموت، ومجموعة منهم تعيش البطالة”، وهو “الواقع المؤلم للمعتقلين، والمنطقة، وهو واقع موجود في مناطق أخرى بالمغرب”.
ويسترسل البكاري مشدّدا على أنّ ما تُظهِرُه الصّوَر “إدانة لنا جميعا”، لأنّه “في العُرف كان يَحتضن الحقوقيّون، سابقا، المعتقلين السياسيّين، ومعتقَلين آخرين، عندما يُفرَج عنهم، ويعينُونهم في مشاريع ولو بسيطة، لحفظ كرامتهم”.
ويزيد الحقوقيّ: “مِن الصعب أن نتقبل أن يضطرّ المرتضى أن يلجأ، بعد كلّ ما حدث، إلى الفرّاشة ليسدّ رمق أسرته، مع أنّ هذا العمل يبقى في نهاية المطاف لقمة حلالا”، إلا أنّه “إدانة لنا جميعا؛ لأنّه يعني أنّ أخلاق التّضامن بدأت تضعف داخل الصّفّ المدنيّ، والصّفّ الحقوقيّ، والصّف الديمقراطيّ عموما”.
وينبّه الحقوقيّ إلى أنّ الوضعية المزرية جدّا للمعتقَلين المفرَج عنهم، ولأسَر المعتقلين على خلفيّة حَراك الرّيف “تكذّب كلّ الشائعات التي انتشرت حول التمويلات الخريجات”، علما أنّ استعمال التّحويلات من الخارج بمثابة صكّ إدانة لمجموعة من المعتقلين قد أدّى إلى تراجع تحويلات الجالية المغربيّة للريّف.
ويضيف البكاري: “على الرغم من أنّ “الحَرَاك قد انطلق لأسباب اجتماعيّة واقتصاديّة، اعترفت بها الدولة، واعترف بها حتى رئيس الدّولة لأنّ تكوين لجنة لصياغة النّموذج التّنموي كانت جوابا عن هذا الحَراك وحَراكات أخرى”، فإنّه “بعد أربع سنوات من الحراك، وثلاث سنوات من الاعتقالات، ثبت أنّ عقارب الساعة تعود إلى لحظة أصعب في الواقع من اللحظة التي انطلق فيها الحَراك، مع استمرار قوارب الهجرة السرية في الريف، وتسريح مجموعة من العمّال، وأزمة الصّيد البحريّ، وتداعيّات “كورونا” (…) دون أن تتمّ طيلة هذه السنوات محاربة الأسباب التي أدّت إلى بداية هذا الحَراك وباقي الحَراكات”.