قال الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، إن النيابة العامة، انطلاقا من الدور المنوط بها دستوريا بمقتضى الفصل 117 من الدستور، بخصوص حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم، “تحرص قبل إصدارها للأوامر بالاعتقال على ضرورة الموازنة بين مصلحتين أساسيتين”.

وأضاف المتحدث، في كلمته بمناسبة افتتاح الندوة العلمية حول “الاعتقال الاحتياطي”، الجمعة بتطوان، أن أولى هاتين المصلحتين “حق الفرد في الحرية بما يتضمنه من حمولة حقوقية ودستورية، وثانيهما حق المجتمع في الأمن والطمأنينة عبر التصدي للجرائم التي تضر به وبحقوق الضحايا”، مردفا بأنها موازنة صعبة “تجعل اختيار القرار المناسب ليس بالأمر الهين، فكما يُنتقد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي لمساسه بالحرية، كثيرا ما يُنتقد موقف النيابة العامة لعدم متابعتها المشتبه فيه في حالة اعتقال”.

كما سجل الحسن الداكي أنه سنة بعد أخرى “يرتفع عدد الأشخاص المقدمين إلى النيابات العامة للاشتباه في ارتكابهم جرائم، فعلى سبيل المثال انتقل عدد المقدمين من 537100 شخص سنة 2017 إلى 648296 شخصا سنة 2020، أي بزيادة بلغت أكثر من 110.000 شخص في أربع سنوات، بنسبة ارتفاع تقدر بـ 20℅”.

وانطلاقا من الأدوار الدستورية والقانونية الملقاة على عاتق رئاسة النيابة العامة، يضيف المتحدث، “فإن هذه الأخيرة واعية أشد الوعي بضرورة ترشيد الاعتقال الاحتياطي باعتباره أولوية مركزية في تنفيذ السياسة الجنائية، ولهذه الغاية تحرص على تتبعه بشكل دقيق وتقوم بتوجيه رسائل دورية وتعقد اجتماعات منظمة مع المسؤولين القضائيين لحث قضاة النيابة العامة على تفعيل الطابع الاستثنائي للاعتقال الاحتياطي، وعدم إصدار قرار الإيداع في السجن إلا إذا توفرت وسائل إثبات قوية، وخطورة بارزة سواء في الجريمة المرتكبة أو في سلوك الجاني”.

وأضاف رئيس النيابة العامة أن نتائج هذه الجهود تجلت بشكل ملموس، “إذ انخفض معدل الاعتقال الاحتياطي من 42℅ سنة 2017 إلى أقل من 39℅ متم سنة 2019؛ كما انخفض عدد المتابعات في حالة اعتقال التي تنتهي بالبراءة من أكثر من 4000 حكم بالبراءة في كل من سنتي 2017 و2018 إلى 1867 حكم بالبراءة سنة 2020”.

واستدرك رئيس النيابة العامة بأنه “مع ذلك ينبغي التأكيد على أن تخفيض معدل الاعتقال الاحتياطي لا يمكن أن ينجح بجهود النيابة العامة وحدها، فالعوامل المتدخلة في عدد المعتقلين تتميز بالتعدد، بدءًا من مرحلة ما قبل وقوع الجريمة، إذ يجب وضع برامج وقائية للحيلولة دون ارتفاع عدد المشتبه فيهم المقدمين إلى العدالة، ثم تمتد إلى غاية انتهاء العملية القضائية وصيرورة الحكم الصادر في مواجهة المعتقل حائزاً لقوة الشيء المقضي به”، وزاد: “ذلك أن تشريعنا الوطني يعتمد تعريفاً واسعا للمعتقل الاحتياطي يمتد إلى كافة مراحل التقاضي، ولا ينزع وصف الاحتياطي عن المعتقل إلا إذا صار الحكم الصادر في مواجهته غير قابل للطعن، لا بالاستئناف ولا بالنقض”.

واعتبر المسؤول ذاته أن “وتيرة تصفية قضايا المعتقلين تعد عاملا أساسيا في تحديد نسب الاعتقال الاحتياطي”، موردا أن ذلك “برز بشكل ملموس خلال سريان حالة الطوارئ الصحية، إذ أدى اتخاذ التدابير الاحترازية لموجهة كوفيد 19 المستجد إلى بلوغ عدد المعتقلين الاحتياطيين أكثر من 45% من مجموع الساكنة السجنية خلال متم سنة 2020؛ وهو معدل مرتفع لم ينتج عن ارتفاع عدد الأوامر بالاعتقال التي تصدرها النيابة العامة، والتي بالمناسبة انخفضت سنة 2020 بأكثر من 8000 أمر مقارنة مع سنة 2019، إذ كان معدل الاعتقال الاحتياطي هو 39 %، وإنما نتج عن الصعوبات التي واجهت تصفية القضايا خلال حالة الطوارئ الصحية”.

وخلص المتحدث إلى أن النيابة العامة اليوم “واعية بجسامة مسؤولية القرارات التي تتخذها بمناسبة تحريكها الدعوى العمومية، كما أنها لا تدخر جهدا في المشاركة إيجابا مع قضاة الحكم لجعل البت في قضايا المعتقلين يتم داخل أجل معقول يراعي حق المعتقل في المحاكمة العادلة”، مردفا: “برز ذلك جليا متم سنة 2020، ذلك أنه من مجموع الساكنة السجنية التي كانت تبلغ 84990 معتقلا فقط 15359 معتقلا لم يتم البت في قضاياهم بحكم ابتدائي يقضي بعقوبة سالبة للحرية، أي ما نسبته 18% فقط. وهذا الأخير هو المعدل الحقيقي للاعتقال الاحتياطي في بلادنا وفق التعريف المعتمد أمميا وفي القوانين المقارنة للمعتقل الاحتياطي، التي تحصر تعريف المعتقل الاحتياطي في المعتقل الذي لم يصدر في مواجهته حكم قضائي لو كان ابتدائيا”.

hespress.com