اعتبر المحامي والحقوقي محمد الهيني أن المعطي منجب لم يفهم طبيعة القرار الصادر في حقه من طرف قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالرباط، فـ”المعني بالأمر خرج من السجن المحلي العرجات بقرار قضائي يستبدل الإجراء السالب للحرية (الاعتقال الاحتياطي)، بقرار قضائي آخر مقيّد للحرية وليس سالبا لها، وهو تدبير المراقبة القضائية”.

وشدد الهيني على أن المعطي منجب توسّم في قرار الإفراج المؤقت عنه نهاية المحاكمة، “معتقدا أو متوهما سقوط الدعوى العمومية المحركة في مواجهته، وقيام دليل براءته!”.

وتطرق المحامي بهيئة تطوان لتصريحات منجب أمام وسائل الإعلام بعد إطلاق سراحه مؤقتا، موردا أنها تستهدف “ضحايا” الصحافي المعتقل توفيق بوعشرين.

وفي ما يلي نص مقال محمد الهيني كما توصلت به هسبريس:

ترجيحا، إن لم يكن جزما، لم يفهم المعطي منجب طبيعة القرار الصادر في حقه من طرف السيد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالرباط. فالمعني بالأمر خرج من السجن المحلي العرجات بقرار قضائي يستبدل الإجراء السالب للحرية (الاعتقال الاحتياطي) بقرار قضائي آخر مقيّد للحرية وليس سالبا لها، وهو تدبير المراقبة القضائية، ممثلا في سحب جواز السفر وإغلاق الحدود، وذلك في انتظار انتهاء مجريات التحقيق الإعدادي للتثبت من جرائم غسل الأموال المنسوبة للمعني بالأمر.

لكن الظاهر أن المتهم المعطي منجب توسّم في قرار الإفراج المؤقت عنه نهاية المحاكمة، معتقدا أو متوهما سقوط الدعوى العمومية المحركة في مواجهته، وقيام دليل براءته! ناسيا أن تقييد الحرية أو سلبها في مرحلة ما قبل المحاكمة لا يعني البراءة أو الإدانة من أجل الجرائم المرتكبة، وإنما هي إجراءات وتدابير مسطرية حدد قانون المسطرة الجنائية شروطها وآجالها وشكلياتها من أجل ضمان امتثال المتهم لإجراءات المحاكمة القضائية.

ولعلّ هذا اللبس الذي-ربما-وقع فيه المتهم المعطي منجب، هو الذي جعله يخطب في حشد لا يتخطى عشرة أشخاص في أقصى تقدير، أمام بوابة السجن، متوعدا بصب الزيت وسكب الملح على ندوب ضحايا توفيق بوعشرين، التي لم تندمل بعد ولم تلتئم جراحها. فقد زعم المتهم المعطي منجب أنه خرج من السجن للدفاع عن المدان توفيق بوعشرين من أجل الاتجار بالبشر والاغتصاب، متوهما أن هذا الأخير كان ضحية “بنية سرية” يمتزج فيها القضاء والأمن والصحافة، والحال أن السرية الوحيدة التي كانت حاضرة في قضية المعني بالأمر هي انفراده وتمثيله بشرف الضحايا فوق أريكة معزولة في الطابق العلوي من عمارة الأحباس بالدار البيضاء.

والمعطي منجب، الذي مازالت المسطرة القضائية تطوق ذمته المالية، لم يجد من تصريحات يدشن بها حريته المقيدة سوى الإمعان في التنكيل بالنساء ضحايا توفيق بوعشرين، واعتبارهن مجرد قرابين تمت التضحية بهن على مذبح “تلجيم القلم الجامح”، بل إنه تجاسر كثيرا عندما اعتبر، تلميحا بكلامه، أن جميع أطوار المحاكمة القضائية والخبرات المنجزة والضحايا التواقات للقصاص القانوني في قضية توفيق بوعشرين، إنما كانت تحاكي في الحقيقة “إجراءات محاكمة السراب في يوم عاصف”.

وهيئة دفاع ضحايا توفيق بوعشرين، وإن كانت تقدس الحرية وتؤمن بتشجيع بدائل الاعتقال في مرحلة ما قبل المحاكمة، إيمانا منها بمبدأ افتراض البراءة، مرحبة بقرار استبدال الاعتقال الاحتياطي بتدبير المراقبة القضائية في حق المتهم المعطي منجب، إلا أنها ترفض في المقابل أن ينبري هذا الشخص أو غيره لتسفيه النساء الضحايا والتشهير بهن إعلاميا، إرضاءً لاستيهامات شخصية وأوهام فوق منطقية تتوهم المساطر القضائية وكأنها ملامح “بنية سرية هلامية”.

ومحامو ضحايا توفيق بوعشرين لن يألوا أي جهد في التصدي القانوني لمثل هذه “الأراجيف” التي تعتمل سرائر بعض الناس، ومنهم المعطي منجب، الذين لا يدافعون بكلامهم هذا عن الاغتصاب والاتجار بالبشر وهتك العرض، بل يمعنون في شرعنة واستباحة هذه الجرائم وتشجيع إفلات مرتكبيها من العقاب والتشهير بالضحايا…، وكل ذلك تحت ذرائع واهية ووهمية تتمثل القضاة والصحافيين والأمنيين وكأنهم “أشباح مغاوير ينشطون في بنية سرية تستهدف الأشخاص المتابعين بجرائم الاغتصاب وهتك العرض بالعنف وتبييض الأموال”.

لكن للأسف الشديد، هناك من مازال يعتقد بأن البراءة من التهم والأفعال الجرمية تأتي بإلقاء الكلام على عواهنه في الطرقات وعلى عتبة المؤسسات العقابية والإصلاحية، وأن مناط النضال يكون بإشاعة الكذب والسراب والحديث عن الغيبيات، مثل الترويج للبنية السرية التي لا توجد إلا في خيال المعطي منجب وفي جراب المتهم توفيق بوعشرين. فالدفاع والمنافحة القانونية يتأتيان بمقارعة الحجج والقرائن والبراهين وشهادات الشهود، وإفادات الضحايا، وبتجميع الأدلة العلمية والمادية ومناقشتها في ردهات المحاكم من طرف ذوي الاختصاص، ولا يتأتى الدفاع بالأوهام ونشر الترهات من طرف بعض المتابعين في قضايا إجرامية مازالت رائجة أمام القضاء.

هذا هو موقفنا الراسخ والمبدئي من كلام المعطي منجب في أعقاب تجاسره على ضحايا توفيق بوعشرين، وغداة تشهيره بكل النساء المشتكيات المناضلات من أجل حقهن في الاقتصاص القانوني. وسيكون لنا حتما رد قانوني ومسلك قضائي في ناظر الأيام المقبلة، لأن التطبيع والتماهي مع أوهام المعطي منجب واستيهاماته الكاذبة قد يجعلنا جميعا ندخل في خانة “السفه والعته واليقين بوجودية البنية السرابية التي يناجيها المعني بالأمر في حله وترحاله”.

hespress.com