لم تعد تخفى على أحد العلل التي أصابت المنظومة الصحية بالمغرب؛ فالمستشفيات تئن تحت وطأة داء لم تنفع معه المخططات والإستراتيجيات، على الرغم من تعاقب مسؤولين على تدبير القطاع الصحي، إذ عرت الجائحة الخصاص الكبير في العنصر البشري ووضعت بذلك أصبعها على جرح السياسة الصحية العمومية.
تشمل جودة العلاجات، بالإضافة إلى كفاءة ومهارة مقدمها، غياب الخطورة؛ وهي العناصر التي قد تغيب بعدما اضطرت مستشفيات المملكة إلى الاستعانة بمساعدي العلاجات وخريجي المعاهد الخاصة وتكليفهم بمهمة أكبر من قدراتهم وطاقتهم، فتجدهم أحيانا بمستعجلات “كوفيد” وأحيانا كثيرة بمصالح الإنعاش ومصالح العناية المركزة.
وفي هذا الصدد، عاب حمزة الإبراهيمي، مسؤول الإعلام والتواصل بالنقابة الوطنية للصحة العمومية، عملية الاستعانة بمساعدي العلاج وخريجي المعاهد الخاصة لسد الخصاص بالمستشفيات.
وقال الفاعل النقابي، في تصريح لهسبريس، إن هذه العملية تفتقر إلى الإطار القانوني والمهني المرجعي، خاصة أن الأمر هنا يتعلق بمهنة مؤطرة بقوة القانون وخاضعة لأنظمة المزاولة والقوانين المهنية المؤطرة، مشددا على أن العملية تفتح المجال أمام المتطاولين والراغبين في تقمص الأدوار والعمل الموسمي، وتمس في عمق الخدمات الصحية وجودتها ومستواها وما يمكن أن يرافق ذلك من مظاهر مسيئة لصورة ومكانة وأدوار الأطر الصحية بصفة عامة.
واعتبر المتحدث ذاته الاستعانة بمساعدي العلاج وخريجي المعاهد الخاصة خارج مسطرة التوظيف، ومن شأنها ضرب مبدأ الاستقرار المهني كأحد القواعد الأساسية للعاملين بالقطاع الصحي الحيوي، كما تغيب عن هذه العملية شروط وضمانات المسؤولية المهنية والمساءلة القانونية التي يخضع لها الموظف في أسلاك وزارة الصحة وتخرق مبدأ ضبط حمل الصفة (التوفر على دبلوم مهني مؤهل للمزاولة معترف به).
وقال الإبراهيمي إن المغرب يصنف بين 70 دولة في العالم الأكثر خصاصا في الأطر الصحية ومقدمي العلاجات حسب التقارير الدولية، وأقل دول المنطقة انخفاضا في الكثافة الطبية والتمريضية التي لا تتجاوز بصفة عامة 3.1 في المائة إطار صحي لكل 10 آلاف نسمة، مشيرا إلى تقديرات وزير الصحة بخصوص حاجيات القطاع من الأطباء والممرضين إلى حوالي 100 ألف إطار.
وأضاف المسؤول النقابي أن الوضع المرصود زاد من صعوبته محدودية المناصب المالية المخصصة للقطاع التي لم تتجاوز في شقها المرصود لسنة 2020 قبل انطلاق عملية فتح 4000 منصب، معتبرا ذلك إجراءات محدودة الأثر في ظل غياب سياسة عمومية واضحة تتخذ من القطاع الصحي أولوية حكومية عبر الرفع من ميزانية القطاع إلى 13 ٪ وتخصيص أزيد من 10 آلاف منصب مالي سنوي، كما توصي بذلك منظمة الصحة العالمية.
من جانبها، اعتبرت فاطمة الزهراء بلين، منسقة لجنة الإعلام والتواصل بحركة الممرضين وتقنيي الصحة، مزاولة مهنة التمريض من طرف أناس بدون صفة أو لا تربطهم أية صلة بالمهنة مغامرة بصحة المريض ومقامرة ومساومة المواطن بطرق غير مقبولة.
وتساءلت بلين عن الهدف من إسناد مهنة التمريض إلى بعض الأشخاص بدون سند قانوني، في الوقت الذي يقبع فيه أزيد من 1500 ممرض في فخ البطالة، مستنكرة فتح المجال أمام الجماعات الترابية وبعض الهيئات والمؤسسات العمومية لتوظيف ممرضين مساعدين بدبلومات غير معتمدة في العلوم التمريضية لامتصاص الخصاص في ضرب سافر للقوانين المنظمة التي حددت شروط وصفة مقدمي العلاجات من الممرضين.
وأضافت منسقة لجنة الإعلام والتواصل بحركة الممرضين وتقنيي الصحة أنه خلافا لبداية الجائحة، حيث كانت مزاولة الأعمال والمهام الطبية والتمريضية حكرا على الأطباء والممرضين ومساعدي العلاج، حسب الاختصاص، فإن الأمر أصبح الآن غير ذلك وأضحى من هبّ ودبّ يقدم خدمات تمريضية ضدا على المرسوم المؤطر الذي حدد صفة الممرض وصفاته وشروط ممارسة المهنة.
واستحضرت المتحدثة ذاتها عملية التكفل بالمصابين بالفيروس خلال بداية الجائحة والتي وصفتها بـ”المنظمة”، بفضل مجموعة من الدوريات الوزارية التي حددت هوية الأشخاص المؤهلين وذوي الأهلية لتقديم المهام التمريضية ومنعت ولوج المتدربين إلى المستشفيات العمومية وأبعدت الأشخاص غير المؤهلين والبعيدين عن الاختصاص عن أجساد وحرمة المرضى. “أما اليوم فقد أصبحت العشوائية والارتجالية السمة الطاغية”، تختم فاطمة الزهراء بلين.