الأربعاء 04 نونبر 2020 – 03:00
لم يتلقّ جزء مهمّ من الطّيف الحقوقي بالمغرب، تلقيا حسنا، تقدير الوزير المكلف بحقوق الإنسان، حول تدبير البلاد للجائحة، بعدما قال إنّ “التدبير العمومي للحريات في هذه المرحلة الصعبة، إن كان قد شابَه بعض مما يشوب كلّ تدبير في هذه الظّروف، يبقى، على العموم، مقبولا، وليست هناك من مؤاخذَات جوهريّة وكبرى تسجَّل عليه، بخلاف ما يشاع ويُقال”.
سياق استثنائي
جاء هذا التصريح في جواب للمصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، بمجلس النواب، عن سؤالَين شفهيّين حول تقييمه لوضعية حقوق الإنسان خلال الجائحة الراهنة، و”موقف الحكومة من الممارسات المسجّلة خلال فترة الطوارئ، التي تحطّ بكرامة الإنسان وتمسّ بحريّة التعبير، وتراجع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية”.
وقال الوزير إنّ “بلادنا مثل باقي بلدان العالَم تدبّر جائحة غير مسبوقة وبائيّا، وتعاملت دول العالم بطريقة مختلفة معها، للحد من الخسائر البشرية، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، وأضاف: “مؤسسات بلادنا كثفت الجهود لحماية الحق في الحياة والصحة، وهو ما أدى إلى بروز إشكالات اقتصاديّة واجتماعيّة صعبة، وليس سهلا، إن لَم يكن مستحيلا، الضمان التام للحقّ في الحياة والصحة وفي الآن نفسه الضمان التام للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.
وذكر الرميد أنّه “رغم المجهودات المبذولة، وغير المسبوقة”، سجّل “خصاص ينبغي سده، وتحديات تتعين مواجهتها، واختلالات تتطلّب التّصدّي لها”، قبل أن يسجّل أنّ “من حق الدول تقييد بعض الحقوق والحريات لضمان الحقّ الأساس، الذي هو الحقّ في الحياة، لكن ذلك ينبغي أن يبقى في حدود الضّرورة، وهو ما حرصت عليه السلطات المغربيّة من خلال التدابير التشريعية والإجرائية”.
وقابَل وزير حقوق الإنسان بين ما سجّله “البعض في الداخل والخارج بشأن وجود مبالغة في المقاربة الأمنيّة خلال تدبير الجائحة”، وبين الأرقام المعلنة التي تُظهِر أنّ “162 ألفا و444 شخصا عدد عموم المخالفين لمقتضيات القانون الجنائي مع خرق حالة الطوارئ، (…) يوجد معظمهم في حالة سراح وبعضهم في حالة اعتقال، وعدد المعتقلين بسبب خرق حالة الطوارئ الصحية ينحصر في 799 شخصا، مقابل متابعة 126 ألفا و270 شخصا في حالة سراح”.
ورغم أهميّة الأرقام، وفق تعبير الرميد، فإن “الأهم هو احترام الشرعيّة والمشروعيّة”، وهو ما يعني أنّه “إذا كان من المهمّ مساءلة السلطات المغربية عن الأعداد المسجَّلَة، فينبغي مساءلتها قبل ذلك عن مدى احترامها للقانون، عند المتابعة وعند الاعتقال، وهو ما ينبغي أن يستحضر أيضا إشكالية الحفاظ على الحق في الحياة والصحة في زمن الأزمة الوبائيّة الرّاهنة”.
“تبييض لصورَة الداخلية”
يرى عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أنّ في هذا الجواب “ينسى الرميد مرة أخرى أنّه وزير حقوق الإنسان”، علما أنّ “إحصائياته نفسها حول حالات التوقيف والمتابعة وتتبّعه لحالات التضييق على الصحافة خلال الحَجر الأول، والتضييق على المواطنين وشتمهم وسبهم وضربهم، وكأنّه لَم يَرَهُ، فضلا عن تجاوزات بعضها موثّق بالفيديو”.
ويقول غالي في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إنّ وزير حقوق الإنسان “بيّض صورة وزارة الداخلية”، مع أنّها “تعاملت بشكل غير جيّد مع الجائحة”، وهو ما يَظهر في تصنيف المغرب ضمن الدول التي استغلّت الظّرف العالميّ الرّاهن للتضييق على حقوق الإنسان.
ويسترسل رئيس الجمعية قائلا: “كوزير لحقوق الإنسان، تمنينا أن تكون مرجعيّتُه هي المرجعية الكونية لحقوق الإنسان؛ بينما تغاضى الرميد عن إعلان ميشيل باشليه، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، لضمان حقوق الإنسان خلال الجائحة لحاجة الإنسان إلى الطّمأنينة، وتغاضى عن نداء غوتيريس، الأمين العام لمنظّمة الأمم المتّحدة، الذي دعا إلى تمتيع المواطنين بحقوقهم، خاصة حقهم في المعرفة”.
ويعدّد عزيز غالي مجموعة من “الخروقات” خلال فترة الطوارئ الصحية، من قبيل: “إغلاق المدن قبل صدور قانون الحجر الصحي، وما رافق ذلك من توقيفات جرت خارج القانون في الأيام التي سبقت صدوره”، وزيادة اكتظاظ السجون، بسبب الموقوفين في حالة اعتقال احتياطيّ؛ ما يعني أنّ “التدبير لم يكن جيدا من حيث حقوق الإنسان”.
ويؤكّد غالي أنّ “تقييم الوزير جانب الصواب”، ثم يجمل قائلا: “نتمنى ألا يظل يغطّي كثيرا على وزارة الداخلية، ويترك مسافة بينه وبين الإطارات الأخرى، كوزير وصي على حقوق الإنسان، ويعطي صورة مشرّفة إذا كان يعتبر نفسه وزيرا لحقوق الإنسان ومناضلا حقوقيّا”.
“تعويم ومجانبَة للواقع”
يقول عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إنّ المصطفى الرميد “من المفروض أنه عضو ووزير في الحكومة، ومن الطبيعي أن يقول هذا الكلام”، ثم يستدرك قائلا: “كمنظّمات حقوقية نرى هذا المحتوى الذي عبَّر عنه غير منسجم أبدا مع الواقع”.
ويزيد الحقوقي ذاته موضّحا: “الواقع يؤكّد أن الاعتقالات والاعتداءات على المواطنين، والتعسف عليهم، والمساس بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، قد ارتفعت وتيرته منذ 20 مارس إلى يومنا هذا”، مردفا: “كما أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وجدت صدى غير إيجابي عند المواطنات والمواطنين في ما يتعلق بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يؤكد أن كلام الوزير لا يُستَمَدّ من معطيات واقعية”.
ويضيف رئيس العصبة: “من المفروض أن يكون كلام الوزير موضوعيا، وأن يستمدّه من الواقع، فهذه الفترة عرفت اعتقالات ومحاصَرات ومتابعات لأسماء صحافية معروفة ووازنة. ويمكن أن يختلف تقديرنا للقضايا المتابعين فيها، لكن المتابعة في وقت معين، وفي فترة وجيزة، مؤشّر يؤكّد أن شيئا ليس على ما يرام، وعلى أنّ هناك خللا”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول بعض الصيغ التي استعملها الوزير المكلف بحقوق الإنسان، مثل: التدبير “على العموم”، وسُجِّلَت “خصاصات ينبغي سدها، وتحديات تتعين مواجهتها، واختلالات تتطلّب التّصدّي لها”، يقول تشيكيطو إنّ استعمال مثل هذه الصيغ في غالب الأحيان، من طرف بعض المسؤولين الحكوميين، يتمّ “من أجل تعويم النقاش، حتى لا يؤخذ المسؤول من لسانه ومِن تصريحه”.
ويسترسل الناشط الحقوقي موضّحا أن الوزير الرميد “يتحدّث بشكل عام، وعندما نذهب للتفاصيل نجد متابعة سليمان الريسوني وعمر الراضي بتهم يقال عنها ما يقال، ونجد أنّه قد طرحت عدة إشكالات في الساحة الحقوقية تتعلّق بمضايقة جمعيات منتمية للأسرة الحقوقية، وحرمانها من وصولات الإيداع، ومتابعة عدد من الفاعلين، وارتفاع وتيرة مضايقة الحقوقيّين بشكل كبير”.
وفي ختام تصريحه لهسبريس، يقول عادل تشيكيطو إنّ “المسؤولية تقتضي من وزير حقوق الإنسان التدقيق، وأن يكون أكثر قربا من الواقع، لا أن يستعمل مفردات ومفاهيم تعويميّة، تحاول إيهام الرأي العام بوضع ما، في حين أن الحقيقة والواقع عكس ما يحاول الوزير الترويج له، وعكس ما تحاول الحكومة، بشكل عامّ، الترويج له”.