عندما ظهرت أولى حالات الإصابة بفيروس “كورونا” المستجد في مدينة ووهان الصينية، حضَر البُعد الديني في تفسير بروز هذا الوباء، حيث عدّه بعض المسلمين “عقابا إلهيا” للصينيين على اضطهاد حكومتهم لمسلمي “الإيغور”، وعندما عمّ هذا الوباء وامتدّ إلى سائر بلدان العالم، بما فيها البلدان “الإسلامية”، كان البعد الديني أيضا حاضرا، كأداة لمواجهة الوباء، لدى مختلف أتباع الديانات.

ولم يقتصر الأمر عند تضرّع المؤمنين بأن تنجلي عليهم جائحة كورونا، بل تعدى ذلك إلى خروج الناس إلى الشارع للتكبير والتهليل، كما حصل في مُدن مغربية، على الرغم من أن السلطات العمومية كانت حينها قد شرعت في فرض حالة الطوارئ الصحية، ومن بين إجراءاتها منعُ التجمعات البشرية. فكيف يتخذ الناس المعتقدَ الديني كإستراتيجية لمواجهة التداعيات النفسية لفيروس “كوفيد-19”.

هذا السؤال كان محور مقالة للباحثة مليكة يسين، أستاذة باحثة بالمدرسة العليا للأساتذة، نُشر في النشرة العلمية الأولى التي أصدرتها خلية الدعم النفسي عن بعد كوفيد-19، بكلية علوم التربية، حيث خلُصت الباحثة، انطلاقا من اشتغالها داخل خلية الدعم المذكورة، إلى أن الذين استعانوا بالدين لمواجهة كورونا ينقسمون إلى صنفين: الأول يرى أن الموروث الديني كفيل بإنقاذه من الوباء، والثاني يرى أن الدين لم يعد قادرا على حمايته.

وتوضح الباحثة أن الصنف الأوّل المكوَّن من الأشخاص المتشبثين بموروثهم الديني يُقْدمون على فعل مجموعة من السلوكات التي تبرهن على قناعتهم الراسخة بكون الدين كفيل بحمايتهم من الإصابة بعدوى فيروس كورونا المستجد، كرفض التدابير الاحترازية المتخذة لمواجهة الوباء. ويعبّر هؤلاء عن تلك القناعة بعبارات من قبيل “الله اللي كيحفظ ماشي الكمامة”، أو “اللي بغا الله هو اللي غادي يكون”، إضافة إلى تعبير بعض الفئات عن رفضها لإغلاق المساجد، وهو السلوك الذي فسّرته الباحثة مليكة يسين بكونه نتيجة لما خلفه قرار الإغلاق من آثار نفسية متفاوتة عليهم، اعتقادا منهم أن إغلاق المساجد هو مس بالمقدسات، وبالتالي مس بهويتهم الدينية.

وبالنسبة إلى الصنف الثاني، الذي يرى أن الدين لم يعد قادرا على حماية الأفراد من جائحة كورونا، وبالتالي لا جدوى منه، فإنهم يعبّرون عن هذا التصور بتساؤلات من قبيل “علاش ربي خلقنا باش يعذبنا”، و”واش ما قادرش يحمينا من كورونا”.

وتشير الباحثة إلى أن هذه التساؤلات، التي لا تتعدى مسألة التشكيك فقط في دور الدين في الحماية من الإصابة بفيروس كورونا، تخلق لدى الأشخاص الذين يطرحونها نوعا من تأنيب الضمير؛ وهو ما يضاعف هشاشتهم النفسية ويزيد من ضغوطاتهم، الشيء الذي يترتب عنه الكثير من الأعراض السيكوسوماتيكية والاضطرابات النفسية.

الخُلاصة التي انتهت إليها الباحثة من تحليلها لسلوك الصنف الأول والثاني، انطلاقا من وجهة نظر سيكولوجية، هي أن السلوك الإنساني في ظل جائحة فيروس كورونا يتسم بطبيعة مزدوجة في ما يخص علاقته بالمعتقد الديني، حيث تتقوى هذه العلاقة تارة وتضعُف تارة أخرى، فينجُم عن هذا التغيُّر ارتفاع وانخفاض مؤشرات التدين، ما يربك منظومة القيَم.

وانطلاقا من هذا المعطى، تضيف الباحثة، فإن المعتقد الديني الذي يظهر إبّان الصدمة التي تحدثها صدمات مثل الجائحة الحالية “هو ما يمكن تسميته بالمعتقد الديني الساذج، حيث تكون سلوكات الأفراد فيه مجرد ردود أفعال ليس إلا، إذ تحكُمها الانفعالات بشكل كبير”، مفسّرة سبب ذلك بـ”غياب مرجعية دينية صلبة لدى هذه الفئة”.

وبالرغم من اختلاف قناعاتهما، فإن الصنف الذي يرى في الدين أداة للحماية من كورونا والصنف المشكك يتبنيان نفس المقاربة في مواجهة مثل هذه الأزمات، إذ يُنكرون الخطر في المرحلة الأولى، من خلال سلوكات كرفض تعليمات الحماية أو التعاطي معه بسخرية، وفي المرحلة الثانية تبدأ “المساومة النفسية”، حيث يغلب الشكّ في الموضوع على التصديق، إذ يستمر الفرد في إنكار وجود الخطر، لكن بدرجة أقل. وفي المرحلة الثالثة يدخل الفرد في حالة اكتئاب، عندما يقف على خطورة الوضع الذي ظل يستهين به، من خلال تعاطيه مع الأخبار، أو عندما يفقد فردا أو أفرادا من معارفه أو أقربائه أو أصدقائه، فيصاب بأزمة تأنيب ضمير لعدم أخذه للموضوع على محمل الجد. وفي المرحلة الرابعة، يتقبل الوضع.

وتوضح الباحثة أن المعتقد الديني يلعب دورا محوريا في هذه المرحلة؛ ذلك أن تقبّل الوضع بعد مرحلة الإنكار والتشكيك يفرض اعتماد البعد الديني كإستراتيجية تكييفية، “يجب استثمارها بشكل صحيح بهدف الوصول إلى تقبُّلٍ صحيح”، مبرزة أن بلوغ هذه الغاية يجعل مناعة الفرد النفسية ترتفع، ويتحقق “الصمود النفسي”.

hespress.com