حذّر باحثون من خطورة الأشكال الجديدة التي تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية لتسويق خطابها المتطرف من أجل استقطاب أتباع جدد بعد تضييق الخناق عليها في المناطق التي تنشط فيها، داعين إلى الانكباب على دراسة التغيرات الفكرية لهذه التنظيمات.

وقال سعيد بنبيهي، رئيس المجلس العلمي المحلي للحي الحسني بالدار البيضاء، إنّ التنظيمات الإرهابية تستغل جوانب الحق في الشريعة الإسلامية وتدس فيها مفردات جديدة ومغلوطة وتوهم أتباعها بأنها موجودة في التأصيل الشرعي، معتبرا أن هذا الأمر “يكتسي خطورة كبيرة”.

وأضاف بنبيهي، في جلسة خصّصت لموضوع “التغيرات الفكرية والأشكال الجديدة لسرديات التطرف وخطاب الكراهية” ضمن مؤتمر “مكافحة التطرف العنيف: أجوبة جديدة لتحديات جديدة”، الذي تحتضه الرباط، أنّ الطريقة الجديدة التي تؤصّل بها التنظيمات الإرهابية فكرها الجديد تقوم على هندسة مخالفة للهندسة التي وضعتها الشريعة الإسلامية.

وأوضح المتحدث أنّ الطريقة الجديدة التي تسوّق بها التنظيمات الإرهابية “فيروسها المتحور” تحوّل قضية التوحيد التي يجتمع تحت ظلالها المسلمون إلى أداة للتفرقة وتقسيم صفوفهم، من خلال تكفير كل من يخالفها الرأي وتكفير حكام المسلمين، استنادا إلى أقوال شاذة يتم قطعها عن سياقها.

وأردف رئيس المجلس العلمي المجلس للحي الحسني أنّ التنظيمات الإرهابية تحرص في تشكيل خطابها الجديد، على ألا تقطع الصلة مع الشريعة بعد تحريف مضمونها، من أجل استدامة مشروعها، إضافة إلى تبني خطاب يرتكز على استثارة المكوِّن العاطفي، معتبرا أنّ هذا العامل هو الذي يفسّر تقاطر الأفراد على مواقع “الجهاد”.

وبينما تتوسع رقعة انتشار الخطاب المتطرف، خاصة مع استغلال وسائل التواصل الحديثة، دعا بنبيهي العلماء إلى بذل الجهود من أجل دفع هجمة هذه التنظيمات، “حتى يقبل الناس عليهم للاستمداد من المرجعية المعتدلة”، مشيرا إلى أنّ هذه المهمة تقتضي الحضور في مواقع التواصل الاجتماعي وعدم ترك الساحة فارغة لمنظري الفكر المتطرف لقيادة الناس والسيطرة عليهم.

في السياق نفسه، شبّهت رهام عبد الله سلامة نصر، رئيسة مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وهي مؤسسة تابعة للأزهر الشريف، النهج الذي تسلكه التنظيمات الإرهابية لتغيير خطابها بـ”نهج الفيروسات المتحورة”، مشيرة إلى أنّ الرغبة في الحضور والسيطرة أوصلت هذه التنظيمات إلى درجة العداوة المطلقة والتكفير الصريح لبعضها البعض.

وأشارت سلامة نصر إلى أنّ ظروف الهزائم التي توالت على التنظيمات المتطرفة جعلتها تتخذ مسارات مختلفة لخطابها المتطرف، الأمر الذي يُوجب على المؤسسات المعنية كشف هذه التحولات حتى لا تنطلي على الشباب.

وتوقفت المتحدثة عند السياسة المتغيرة التي تنهجها التنظيمات الإرهابية من أجل البقاء وضمان مكانتها على الساحة أو الاستفراد بالقيادة، حيث تبدأ بتكفير بعضها، مثلما فعل تنظيم “داعش” الذي كفّر تنظيم “القاعدة” رغم أنه كان جزءا منه قبل الانشقاق عنه.

وأضافت أنّ التنظيمات الإرهابية تحرص على ترويج خطابها عن طريق أدوات وتقنيات أكثر إغراء من أجل استقطاب مزيد من الأتباع، ومنها جعل إصداراتها مشبّعة بالانتقام والقوة، داعية إلى دراسة التحولات العميقة التي يعرفها خطاب هذه التنظيمات، وإصدار أبحاث مستقلة لدحض فكرها.

في هذا الإطار، قال رشيد بنلباه، عن معهد الدراسات الإفريقية بالرباط، إنّ أحد العوائق الكبرى التي تحُول دون دراسة الخطاب المتطرف بشكل عميق، هو أنّ الباحثين يستحيل عليهم دراسة هذا الخطاب من داخل التنظيمات المتطرفة.

واعتبر المتحدث أنّ تغيير التنظيمات المتطرفة لخطابها جاء نتيجة تقهقرها خلال الآونة الأخيرة بعد تشديد الخناق عليها في مواقع تواجدها، موضحا بالقول: “هم يحاولون عصرنة الموروث لتمرير أفكارهم بطريقة خاصة”.

hespress.com