قال عبد اللطيف كيداي، عميد كلية علوم التربية باحث في علم الاجتماع، إن التراخي المسجّل في مجابهة المغاربة لجائحة فيروس كورونا المستجد، ناجم عن جملة من الأسباب، منها التشكيك في وجود الفيروس، وعزا سبب هذا التشكيك إلى “استفحال الجهل”.

وأوضح كيداي، في معرض حديثه ضمن ندوة نظمتها “خلية الدعم النفسي عن بعد كوفيد-19″، بكلية علوم التربية، في موضوع “استراتيجيات مواجهة التراخي”، أن موجة التشكيك في وجود فيروس كورونا “تجد سندها في استفحال جهل حقيقي، وتغذّيها أيضا الشائعات وأنصاف الحقائق التي تروج حول الوباء، خاصة في الشبكات الاجتماعية”.

وثمة عامل آخر يرى عميد كلية علوم التربية أنه يغذي موجة التشكيك في وجود “كوفيد-19″، هو الاختلافات والصراعات التي تنشب أحيانا بين أقطاب علمية على الصعيد العالمي، “لأن العلم في جزء منه لا يخدم الإنسانية بل يخدم كبريات الشركات من صانعي الأدوية، وغيرها من الأطراف المتصارعة”.

وفيما تسير الإصابات بفيروس كورونا في المغرب في اتجاه تصاعدي خلال الأسابيع الأخيرة، قال كيداي إن المواطنَ لا يستشعر خطورة الوضع، حتى بعد تجاوز نسبة الإصابات 127.5 في كل 100 ألف نسمة في بعض المدن، لأنه لا يصادف المرضى، لكون عدد المصابين يمثلون نسبة قليلة من إجمالي السكان.

وأوضح أن “المواطن العادي قد لا يصادف أشخاصا مصابين بفيروس كورونا مطلقا، وهذا ما يجعله يشكك في وجود مصابين، وبالتالي يصبح التشكيك في وجود الفيروس نفسه مسألة عادية، ولكن المواطن الذي يصادف حالة إصابة لا يمكنه أن يشكك في وجود الفيروس أبدا”.

وتوقف كيداي عند مفارقة تسم تعاطي الشعوب مع جائحة كورونا؛ ففي الوقت الذي يتفشى فيه هذا الوباء على نطاق واسع في جميع أنحاء المعمور، فإن بعض الدول تمكنت من محاصرته، مثل الصين وكوريا الجنوبية، مفسرا ذلك بقدرتها على ضبط سلوكيات مواطنيها.

وتابع قائلا: “في الدول الغربية التي يوجد فيها هامش حرية أكبر، هناك تضاؤل في مستوى الثقة في المؤسسات، وهناك تشكيك في وجود فيروس كورونا، وعدم التطبيق الحرفي لتدابير السلامة الصحية. وفي الدول الأقل ديمقراطية، يمتثل المواطنون للإجراءات التي تفرضها السلطات”.

عميد كلية علوم التربية قال إن “المغاربة كان يضرب بهم المثل، وحققنا مستويات جيدة في مواجهة الجائحة، وكان هناك سلوك إيجابي من المواطنين، وعمل دؤوب تقوم به الدولة ما زال مستمرا”، مؤكدا أن تجاوز حالة التراخي الحالية “يرجع بالدرجة الأولى إلى المواطن ومدى قدرته على الصمود في معركة تحتاج إلى نفَس طويل”.

من جهته، قال نبيل شكوح، أستاذ علم النفس بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إن سلوك التراخي الذي يسم تعاطي شريحة واسعة من المغاربة مع فيروس كورونا له أسباب سيكولوجية واجتماعية، وله ارتباط أيضا بالإعياء الناجم عن عدم امتثال الجميع للإجراءات الصحية المتخذة لمجابهة الجائحة.

وأوضح المتحدث أن بعض المواطنين “جسّدوا سلوكا مواطناتيا بامتياز، باحترامهم لإجراءات السلامة الصحية بشكل جيد، ولكن المواطنَ الذي يلتزم بالتباعد الجسدي، ويضع الكمامة عندما يخرج إلى الفضاء العام، يجد مواطنين كثرا لا يلتزمون بتدابير الوقاية، فيتساءل، مثلا، عن الجدوى من وضعه للكمامة طالما أن الآخرين لا يضعونها، وقد يدفعه ذلك أن يتصرف مثلهم”.

وشدد شكوح على أن مسؤولية التراخي المسجل في مواجهة المغاربة لجائحة كورونا ليست ملقاة على عاتق المواطنين وحدهم، أو على مدبري السياسات العمومية وحدهم، “بل إننا إزاء منظومة، لأن الشخص الذي يتخذ القرار هو قبل كل شيء مواطن ينتمي إلى منظومتنا المجتمعية، وكل واحد منا عليه أن يساهم في تغيير الوضع، كل من موقعه”.

وقدم الباحثون في علم الاجتماع وعلم النفس المشاركون في ندوة “خلية الدعم النفسي عن بعد كوفيد-19” بكلية علوم التربية، مجموعة من الاستراتيجيات لموجهة التراخي الحاصل في تعاطي المغاربة مع جائحة كورونا، حيث أشار حمزة شينبو، منسق الخلية أستاذ بكلية علوم التربية، إلى أن أول استراتيجية ينبغي العمل بها هي “تقويض الشائعات”.

وأضاف المتحدث ذاته أن ثمة حاجة أيضا إلى تفنيد المعتقدات الخاطئة حول جائحة كورونا، وتقوية التواصل المؤسساتي مع المواطنين، والاقتناع بضرورة الالتزام بإجراءات السلامة الصحية، من أجل التغلب على الوباء، والتحلي باليقظة، وبناء “نظام قيمي صالح لمواجهة الإشكالات والصعوبات التي تواجهنا في الحياة”.

hespress.com