بينما يَجري الحديث خلال الآونة الأخيرة عن إمكانية إخراج صندوق الزكاة، الذي كان الملك الراحل الحسن الثاني دعا إلى إحداثه عام 1979، وأدرج في قانون المالية للسنة الموالية، لكنْ لم يفعّل عمليا وطُويَ الموضوع بعد ذلك؛ اعتبر باحث مغربي أن بمقدور المغرب أن يحسّن منظومته الصحية بالاعتماد على الزكاة والوقْف.

وأبرز عبد النبي المرزوقي، أستاذ التعليم العالي في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، أن جائحة كورونا أظهرت أهمية الاستثمار في الميدان الصحي، ولكن الدولة لوحدها لا يمكنها تحمُّل التكلفة العالية للخدمات الصحية، مقترحا الاستعانة بـ”العبادات المالية”، وهي الزكاة والوقف، كمورد لتمويل المنظومة الصحية.

ويرى المرزوقي، وفق ما جاء في مقال له حول “الزكاة والوقف ودورهما في تقديم الرعاية الصحية بالمغرب”، نُشر في دليل معرفي للخروج السريع من أزمة جائحة كورونا، أصدرته جامعة محمد الخامس بالرباط، (يرى) أن توظيف “العبادات المالية” في أعمال الخير المختلفة، ومن ضمنها بناء المستشفيات وتجهيزها بالمُعدّات الطبية، وكذلك تمويل البحث العلمي في الميدان الطبي، لإيجاد اللقاحات والأدوية والأجهزة الاستشفائية المختلفة، سيُعطي نتائجَ طيبة.

وأشار إلى أن الرعاية الصحية في العالم الإسلامي كانتْ تُموّل، في العصور الماضية، من طرف الأوقاف، سواء في الغرب الإسلامي، وخصوصا المغرب والأندلس، أو في الشرق الأوسط، إذ كانت هناك العديد من دُور الرعاية الصحية المعروفة بالمارستانات الوقفية، تقدم خدماتها مجانا للجميع وللأجانب والغرباء، وحتى الحيوانات الهرمة أو المريضة.

وإذا كان القطاع الصحي، حاليا، موزعًا بين قطاع عمومي مموَّل من الميزانية العامة للدولة، وقطاع خاص، فإن المرزوقي يرى أن القطاع الصحي العام الذي تحمّل العبء الأكبر خلال جائحة كورونا، في مختلف التجارب العالمية، “كانت نتيجته دون المستوى المطلوب”، مستدلّا بتجارب دول متقدمة مثل فرنسا وإيطاليا خلال فترة ذروة الوباء، إذ فاق طلب العلاج من طرف المصابين بفيروس كورونا الطاقة الاستيعابية للمستشفيات والأجهزة المتوفرة لديها.

وعرّج الباحث على التجربة المغربية، معتبرا أن “المغرب تصدّى لجائحة فيروس كورونا بحزم كبير، حتى أصبحت المملكة المغربية يُضرب بها المثل عالميا، نظرا إلى الخطوات التي قامت بها لمواجهة الوباء”، مذكرا بعدد من الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الصدد، مثل إنشاء صندوق تدبير جائحة كورونا، الذي خُصص جزء من مخصصاته المالية لدعم القطاع الصحي.

وانطلاقا من هذه التجربة غير المسبوقة في تاريخ المغرب الحديث، تساءل الباحث: “لمَ لا نفكر جميعا في إعادة الاعتبار إلى الوقف والزكاة، والعمل على إيجاد صيغة تمكننا مستقبلا من إنشاء صندوق الزكاة المخصص شرعا للفقراء والمساكين، وأن تتكلف الدولة بهذا الصندوق، على أن تكَلف جهة مستقلة من الكفاءات العلمية المغربية، المشهود لها بالنزاهة وحسن التدبير، للإشراف عليه وتسييره”.

المرزوقي اقترح أن يتم تخصيص أموال صندوق الزكاة “للقضاء على الفقر والهشاشة بصفة نهائية”، وإنشاء صندوق وقفيّ ثانٍ خاص بالخدمات الصحية، “نُبدع فيه كما أبدعنا في مواجهة جائحة فيروس كورونا، حتى نتوفر في المستقبل على بنية تحتية استشفائية قادرة على استيعاب كل المغاربة، وإعطائهم أفضل العلاجات وفي أفضل الظروف، سواء في الأوضاع العادية أو خلال الكوارث أو الجوائح لا قدر الله”.

واستطرد الباحث المغربي أن صندوق الزكاة الخاص يوجد، فعلا، كحساب خصوصي في ميزانية الدولة لكنه غير مفعّل، وهو ما يعني، حسبه، “أن جزءا من الجانب القانوني الخاص موجود وبقي، فقط، المرور إلى الأجرأة والتفعيل على أرض الواقع”.

hespress.com