قال الحسين الرامي، أستاذ باحث بجامعة ابن زهر رئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات بأكادير، إن “الأزمات تُظهر القيادات التي تمتلك مقومات وصفات الحزم والحسم واتخاذ القرارات الجريئة مهما كان الثمن، وليس الهرولة إلى الحلول السهلة بفعل الضغوط وحالة اللايقين التي غالبا ما تكتسي طابعا تقنيا بدلا من استحضار طبيعة العملية التربوية المعقدة”، مضيفا أن العملية التربوية “تستوجب اتخاذ قرارات متوازنة تجيب على تحديات المجتمع وتلائم المدرسة كمؤسسة سياسية واجتماعية بامتياز، واعتماد المقاربة التشاورية والتشاركية لضمان الحد الأدنى من الانخراط والقبول من المعنيين مباشرة بالعملية التربوية”.

تعليم عن بعد

وأبرز الباحث الجامعي أن اعتماد التعليم عن بعد “معناه الاستمرار في إغلاق المدارس والجامعات، والاستمرار في عملية تقتيلها لعدة اعتبارات، منها كون المدرسة مؤسسة سياسية واجتماعية وتربوية بامتياز لها مكانة خاصة ووظيفة ومسؤولية كبرى في بناء الإنسان والمجتمع والدولة ومؤسساتها”.

ومن الاعتبارات التي أوردها الدكتور الرامي كذلك أن المدرسة “ليست فقط فضاء لتلقين المعارف والعلوم الذي يمكن أن يتم بمختلف الطرق، منها التعليم عن بعد، بل هي فضاء لبناء شخصية التلميذ والطالب من خلال عمليات التنشئة والتربية والتفاعل والتقاسم والتشارك بين مختلف مكوناتها، سواء في فضاء القاعات والمكتبات والأندية أو في الساحات والفضاءَات المفتوحة”.

كما أن المدرسة، يضيف المتحدث، “فضاء لاستقطاب التلاميذ والطلبة، وإغلاقها معناه فك الارتباط مع الفضاءَات التربوية وخروجهم إلى الشوارع والأزقة أو الانزواء في الأماكن المغلقة والانغماس في الفضاء الأزرق ومختلف المواقع الإلكترونية”.

ولفت إلى أن إغلاق المدارس والجامعات “لم يقض على الوباء، فقد تفشى بشكل رهيب وهذه المؤسسات مغلقة بعد أن ظهرت بؤر في التجمعات الصناعية والتجارية الكبرى نظرا لعدم احترام التدابير الاحترازية من قبل أربابها والاستهتار بالمبادرات الحكومية”.

وأورد الرامي أن “التعليم عن بعد أسوأ حل ممكن إذا استحضرنا انعكاساته الوخيمة على بنية وتماسك الأسرة والمجتمع ومستقبله على المدى القصير والمتوسط والبعيد”، أما سيناريو تأجيل الدخول المدرسي والجامعي، فهو بحسب المتحدث نفسه قرار يعني “الاستمرار في إغلاق المدارس والجامعات يحمل في طياته مغامرة غير محمودة العواقب، وفي الوقت نفسه اعتبارا لعدم معرفة مآل الوضعية الوبائية التي قد تستمر لشهور أو سنوات”.

التعليم الحضوري

في ظل هذه الجائحة، دافع الحسين الرامي على أن “سيناريو التعليم الحضوري فرصة للمراجعة الشاملة والجذرية لوضعية المنظومة التربوية بعيدا عن الحسابات السياسوية والتجارية المهيمنة على أنماط التفكير”.

لذلك، اقترح الجامعي المغربي 10 تدابير وقرارات لإنجاح التعليم الحضوري بالمغرب في ظل جائحة “كوفيد-19″، أولها “التخفيف من البرامج الدراسية والتركيز على المواد والوحدات الأساسية بالشكل الذي يسمح بضمان الحد الأدنى من التعلم والتعليم والتنشئة والأخذ والعطاء من جهة، والحفاظ على الروابط الضرورية بين التلميذ والمدرسة من جهة أخرى”.

وثاني هذه التدابير، يضيف الرامي، “التخفيف من الحيز الزمني المخصص لكل مادة والتركيز على ما هو أساسي، والتجديد في المقاربات البيداغوجية الرامية ليس إلى شحن التلاميذ والطلاب بالمعارف والمعلومات ولكن إلى الإشراك والإدماج والتفاعل والخلق والإبداع المشترك”.

وزاد في ورقة بحثية خص بها هسبريس، كتدبير ثالث، ضرورة “إعادة تفويج التلاميذ والطلاب وحصر عددهم في الحد الأدنى الممكن في القاعات والمدرجات حسب الطاقة الاستيعابية وبالشكل الذي يسمح بولوج عدد محدود منهم إلى الفضاءَات التربوية”.

تعبئة دور الشباب والمساجد

وأضاف الحسين الرامي كذلك إلى هذه الرزنامة من القرارات والتدابير، “إمكانية تعبئة فضاءَات أخرى للتعلم مثل دور الشباب والمساجد وغيرها، وتعبئة الموارد المالية الضرورية للشروع في فتح أوراش البناء والتجهيز عبر ربوع المملكة”، و”تجهيز مداخل المدارس والجامعات ومرافقها الصحية وبنياتها الأخرى بالمعدات اللازمة لقياس الحرارة قبل الولوج إلى القاعات ولضمان النظافة والتعقيم، ووضع الكمامات بأثمنة تفضيلية رهن إشارة التلاميذ والطلبة”.

سادس هذه القرارات، بحسب الباحث بجامعة ابن زهر، “تشكيل فرق لمراقبة مدى الالتزام باحترام التدابير الاحترازية وإصدار عقوبات زجرية في حق المخالفين تصل إلى الإحالة على المجالس التأديبية واتخاذ القرارات المناسبة، بما فيها الفصل”.

وإذا كان الوزير أمزازي قد أشار إلى الإبقاء على إغلاق الأحياء الجامعية، فإن التدبير السابع في هذه الورقة، هو “توفير السكن الملائم في الأحياء الجامعية والداخليات ودور الطالبات والطلبة، واستغلال جميع الإمكانات المتاحة من أجل احترام التباعد والنظافة من خلال توفير العدد الكافي من الأسرّة والغرف، كما يمكن تعبئة فضاءَات أخرى مثل دور الشباب، والقيام بحملات تجاه المحسنين ورجال الأعمال وجمعيات المجتمع المدني للانخراط في العمل الخيري والمساهمة في المجهود الوطني لبناء المزيد من الأحياء الجامعية ومراكز الإيواء ودور الطلبة”.

أما التدبير الثامن، فهو “وضع برامج تحسيسية وتوعوية بخصوص احترام التدابير الاحترازية وبثها في أوقات مناسبة على القنوات التلفزية وعبر مختلف وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي”، ثم “وضع برامج تحسيسية موجهة للأسر من أجل الحرص على الانخراط في العملية التربوية ومواكبة الأبناء وحثهم على الالتزام بالتدابير الاحترازية”.

وعاشرا وأخيرا، بحسب الباحث نفسه، “إدماج الجمعيات والأندية في عمليات التحسيس والتوعية باحترام التدابير الاحترازية”.

مقاربات للتنزيل

ولم يفت الرامي، الباحث في كلية الحقوق بأكادير، أن يؤكد أن مختلف القرارات والتدابير السالف ذكرها، تستوجب التفكير في الصيغ الملائمة والمقاربات الممكنة لضمان تنزيلها بشكل سليم لتكون ناجعة، ومن هذه المقاربات “التشارك والتعاون والحوار والتواصل والإنصات المتبادل بين مكونات المنظومة التربوية مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا”، وذلك بإشراك “القطاع الوصي والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والأكاديميات والجامعات والمؤسسات الجامعية من خلال الهياكل البيداغوجية وهيئة التدريس والتلاميذ والطلبة وجمعيات الآباء والأولياء والنقابات وجمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية”.

ولفت الرامي إلى ضرورة “الابتعاد عن الحسابات السياسوية التي تحد من القدرة على بناء مقاربة متكاملة قابلة للتنزيل وضامنة لاستمرار المدرسة في أداء وظيفتها، بل وتخطي الصعاب ومعالجة الإشكالات العميقة المؤجلة من جيل إلى جيل ومن مرحلة إلى أخرى”.

وثاني هذه الصيغ، يورد الجامعي ذاته، “التحفيز المعنوي وشحذ الهمم والرفع من المعنويات، وذلك بـتعبئة كل الطاقات والموارد البشرية والكفاءَات من خلال التركيز على المسؤوليات الجسيمة التي تتحملها جميع مكونات المنظومة التربوية ورسالتها النبيلة وأدوارها ووظائفها واستحالة بناء مجتمع سليم ومتماسك في حالة تهميش رأيها والاستخفاف بها وتبخيس عملها وتحطيم معنوياتها”.

أما من جانب التمويل، فقد دافع الباحث على ضرورة “تجاوز الفكرة القائمة على أساس عقلنة الموارد المالية المخصصة للقطاعات غير المنتجة ماديا مثل التعليم”، مؤكدا أن “الوضعية العصيبة التي يمر بها البلد تستوجب، على العكس من التوجهات الحكومية في القانون المالي التعديلي وقناعات بعض ممثلي الأمة في البرلمان، مضاعفة الجهود لتعبئة الموارد المالية اللازمة للاستثمار في العملية التعليمية وفي البحث العلمي”.

كما لفت كذلك في هذه الورقة البحثية إلى أن “الأزمة الحالية تستوجب اللجوء إلى كل الوسائل الممكنة والضرورية لتقوية البنيات التحتية والتجهيزات المدرسية والجامعية لمعالجة إشكالات الاختلالات المجالية والاكتظاظ من جهة، ومعالجة وضعية الهشاشة الاجتماعية للتلاميذ والطلاب في الحواضر والقرى”، مؤكدا ضرورة “مراجعة الوضعية المادية لأسرة التعليم أسوة بباقي البلدان التي تجعل رجل التعليم أولى الأولويات في سياساتها”.

ومن المقاربات كذلك التي ذكرها الباحث، “التنزيل السليم لآليات الحكامة الجيدة للمنظومة التربوية”، وذلك من خلال “تقوية وظائف ومسؤوليات الهياكل ومراجعة السياسات المتبعة والمعايير المعتمدة في مجال التوظيف وتولي مناصب المسؤولية وفسح المجال للكفاءَات بعيدا عن المقاربات التقنية والحسابات الضيقة والولاءَات والعلاقات والمصالح”.

وأشار أيضا إلى ضرورة “تقوية آليات الرقابة والتقييم والمحاسبة، وهو ما يستوجب تحمل كل المصالح والمؤسسات الرقابية لمسؤولياتها في رصد الاختلالات الكمية والكيفية وإعداد التقارير وإخراجها من الرفوف، واتخاذ الإجراءات التقويمية اللازمة للمعالجة والتقويم”.

hespress.com